التعداد السكاني في العراق مشكلة ام حل للمشكلات؟
صادق الازرقي
يمثل التعداد العام للسكان عملية مفصلية في حسابات الدول والمجتمعات، تعتمد عليه في تخطيط برامجها التنموية للارتقاء بحياة سكانها، اذ من دون معرفة الاعداد الحقيقية للسكان وما يرتبط بذلك من شؤون، لا يمكن رسم الخطط والتخطيط للبناء الذي تعتريه عندئذ مشكلات كبيرة.
وما يزال الباحثون والمراقبون يتساءلون عن أسباب عجز الحكومات العراقية المتعاقبة بعد اسقاط النظام المباد عام 2003 عن إجراء التعداد السكاني، فضلا عن اعتماد العراق على تعداد عام 1987، الذي اشتركت فيه جميع المحافظات، وليس إحصاء عام 1997 الذي أجري من دون مشاركة محافظات إقليم كوردستان.
وقبل التمعن في حيثيات التجاذبات المتعلقة بعدم التوصل الى تنفيذ تعداد شامل للسكان في العراق، لابد من القول وهو ما يقر به المتخصصون والباحثون، ان التعداد السكاني الذي يمثل عملية جمع وتسجيل البيانات بشأن السكان في منطقة جغرافية محددة، وتحديدا عدد السكان وخصائصهم الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية؛ يؤدي دورا كبيرا في عملية التخطيط للتنمية، اذ يوفر بيانات أساسية تساعد في تحديد احتياجات المجتمع من الخدمات الأساسية، مثل التعليم والصحة والإسكان، ويسهم في توجيه السياسات والبرامج التنموية.
كما يساعد التعداد في تقدير نمو السكان وتوزيعهم في المناطق الحضرية والريفية، مما يُمكن الحكومات والمخططين من تحديد احتياجات البنية التحتية والخدمات العامة في كل منطقة، فضلا عن توفير البيانات بشأن هيكل السكان ومستويات الدخل، ما يساعد في تحديد السياسات الاقتصادية وتوجيه الجهود نحو تحسين مستويات المعيشة وتوفير فرص العمل.
ويوفر التعداد السكاني فهما عميقا بشأن مكونات السكان من حيث الأعمار والجنس والتركيب العائلي، ما يساعد في توجيه السياسات الاجتماعية والصحية؛ ويوفر معلومات عن عدد الأطفال في سن المدرسة ومدى الحاجة إلى مرافق تعليمية، وهو يسهم في تحديد احتياجات النظام التعليمي، كما انه يساعد في فهم التنوع الاجتماعي والثقافي للمجتمع، وبالنتيجة يساعد في تكوين سياسات تعزز التواصل والتفاهم بين مكونات المجتمع.
ويستعمل التعداد السكاني كمصدر رئيس للإحصاءات الوطنية التي تستعمل في شتى المجالات، مثل الاقتصاد والصحة والتعليم؛ كما يمكن للتعداد توجيه الحكومات في تحديد الأولويات للإنفاق الحكومي وتوجيه الموارد نحو المجالات التي يحتاجها السكان بشكل أكبر.
وبشكل عام، يساعد التعداد السكاني في توجيه الجهود الحكومية والاستراتيجيات التنموية بشكل فعال ودقيق لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين جودة حياة السكان.
اما المعوقات المفترضة لإعاقة تنفيذ تعداد سكني مكتمل فتتمثل في استمرارية التوتر الأمني وتواجد مناطق غير مستقرة، يمكن أن يعطل عمليات التعداد ويحد من إمكانية الوصول إلى بعض المناطق.
كما ان تواجد عدد كبير من النازحين داخليا قد يجعل من الصعب تحديد عدد السكان بدقة في بعض المناطق، وان البنية التحتية الضعيفة في بعض المناطق قد تجعل الوصول إلى بعض المجتمعات صعبا، وبالنتيجة يكون من الصعب تضمينها في التعداد.
اما التغيرات الديموغرافية المستمرة، مثل الزيادة في عدد السكان أو التغيرات في هياكل الأعمار، فيمكن أن تكون مصدرا للصعوبات في تحديد الأعداد بدقة، كما قد تواجه التعدادات التكنولوجية التحديات في استعمال التكنولوجيا الحديثة بشكل فعال، سواء في جمع البيانات أو معالجتها.
وتتواجد هناك بعض المجتمعات قد تكون مترددة للتعاون بسبب عوامل ثقافية أو اجتماعية، مما يجعل عملية التعداد أكثر تعقيدا، كما يمكن للكوارث الطبيعية أو الأوضاع البيئية السيئة أن تؤثر على القدرة على إجراء التعداد بشكل صحيح، وقد تواجه الإدارات المشاركة في التعداد تحديات إدارية مثل نقص الموارد أو التدريب غير الكافي للموظفين.
وتشير التصنيفات المتعلقة بالتعداد الى تلك العوامل بالقول ان تلك التحديات تتجمع سويا لتجعل تنظيم وتنفيذ التعداد السكاني في العراق مهمة صعبة وتتطلب تخطيطا وتنفيذا جيدا لتحقيق أقصى درجات الدقة والشمول.
ودأب كثير من الباحثين والمحللين السياسيين طيلة أكثر من عشرين عاما على القول انهم يرون ان من أبرز المشكلات التي تعوق إجراء التعداد الخلاف القائم بين حكومتي بغداد وأربيل في شأن المناطق الخاضعة للمادة 140 من الدستور العراقي، أو ما تعرف بالمناطق المتنازع عليها، ولعل من اهمها محافظة كركوك؛ التي جرى تأجيل البت بها منذ إقرار الدستور الاتحادي.
وبطبيعة الحال فان هنالك اسبابا اخرى يرى مراقبون انها مقحمة في قضية التعداد، فبحسب ما أعلنته وزارة التخطيط الاتحادية، في وقت سابق، فإن احزابا سياسية، تطالب أيضا بأن يتضمن التعداد السكاني سؤالا عن المذهب أو الطائفة، وهذا يخالف قوانين الدستور العراقي، على حد وصفها؛ لذا بقي العراق طيلة السنوات الماضية معتمدا على الأرقام الإحصائية التقريبية الصادرة عن الأمم المتحدة أو مؤسسات ومراكز أبحاث تُعنى بهذا الشأن، وفق ما يقوله المراقبون.
ويلفت المراقبون الى انه برغم، أن هناك جهات ومكونات عراقية كان من أبرز شروطها عند تشكيل الحكومة المركزية هو إجراء التعداد السكاني، فإن أي حكومة لم تستطع إجراء التعداد، وظل يؤجل ويجهض قرار إجرائه لأسباب متباينة، منها عدد المقاعد البرلمانية لبعض المحافظات وتوزيعها ومقدار حصص المحافظات من الموازنة، فهذه المعلومات لم تتغير وبقيت على ما هي عليه منذ 2003، كذلك صراعات النفوذ والزعامة على مناطق معينة، فضلا عن المعوقات الفنية والإدارية والبشرية للحكومة التي تسهم في إجراء تعداد سكاني مضبوط، على حد وصفهم.
ويعبر اقتصاديون عن اعتقادهم، ان التعداد السكاني من المفترض أن يكون فرصة لتثبيت الاستقرار وحل المشكلات، وهذا هو الواقع، وما يجب أن ينظر إليه من جميع العراقيين، فضلا عن أهميته الكبيرة للدولة للحصول على معلومات وتفاصيل دقيقة تسهم في وضع الخطط المستقبلية التي تتناسب مع النمو السكاني وحركة السكان ومتوسط الأعمار والولادات وتوزيع الثروات، مستدركين لكن كثيرا من السياسيين ينظرون إليه على أنه مشكلة يجب الابتعاد عنها قدر الإمكان، بحسب قولهم.
وتوضح دراسة اكاديمية بحثية ان الدول المتقدمة كانت سباقة في أجراء تعدادات سكانية منتظمة منذ عدة قرون وذلك لأهميتها، أما الدول النامية فلم تجري فيها التعدادات السكانية بمعناها الحديث ألا في وقت متأخر وكانت أغلبها في منتصف القرن العشرين، على حد قول تلك الدراسة.
وشخصت الدراسة على ان من أكثر الصعوبات التي تواجه الباحثين المهتمين في جغرافية السكان هي مشكلة النقص والتباين في البيانات السكانية الخاصية والنوعية زمانيا ومكانيا، وبخاصة في الدول النامية لقلة الخبرة والتجربة فضلا عن قلة وعي السكان وعدم إدراكهم بأهمية التسجيل على خلاف الدول المتقدمة التي تكون بياناتها أكثر دقة وشمولية من سابقتها مع انها لا تخلو من الاخطاء ايضا.
وترجع الدراسة عدم دقة وتجانس البيانات السكانية الى اسباب منها فقر وعجز طرق التمويل المتعلقة بجمع البيانات والاهمال والشك في التعدادات السكانية والمعلومات الخاطئة التي يدلي بها بعض السكان لاسيما تلك التي تتعلق بالعمر والمهنة، والتغيرات المستمرة للسكان، وقد تضاف فقرة طلب ادراج المذهب او الطائفة الى العوامل المحبطة لإجراء تعداد سليم في العراق.
كما يتضمن ذلك إهمال البيانات لسكان المناطق النائية التي يصعب الوصول اليها أو بعض الجماعات السكانية التي يتعذر الاتصال بها؛ أما الافتقار الى التجانس فيرجع الى التباين في التعدادات السكانية نوعا وشمولية والافتقار الى البيانات الدورية في التعدادات السكانية للقوميات، وكذلك التغيرات المستمرة في الحدود السياسية والإدارية الداخلية للدول ووحدات التعداد (الأسرة، العائلة، الفرد) والاختلاف الكبير في منحنى المصطلحات المستعملة في استمارة التعداد.