ازمة الكهرباء تتواصل وحديث تصديرها يعود الى الواجهة
صادق الازرقي
تميز الصيف الحالي بتواصل انقطاعات التيار الكهربائي لاسيما في بغداد، وفي استطلاعات لمعظم مناطق العاصمة اشار سكان من شتى المناطق، الى ان تزويد الكهرباء في العام الماضي وفي سنين سابقة كان أفضل، على حد وصفهم، فيما قال آخرون انه مع مرور السنوات فان اوضاع الكهرباء لا تتحسن بل هي في تدهور متواصل بحسب قولهم.
استمرت الانقطاعات طيلة أشهر الصيف واخذ الانقطاع يمتد لمدد طويلة فضلا عن ان "الفولتية" تتذبذب بين الارتفاع والانخفاض الكبير، ولقد تسبب ذلك في اعطاب بعض الاجهزة الكهربائية على وفق السكان.
اما تصريحات المسؤولين عن تلك الازمة فجاءت كالعادة متفائلة وهم يتطرقون الى مقدار "الميغاواطات" المضافة؛ ويقول أحد السكان ان عليهم ان يحدثونا بلغة مفهومة فنحن لا نعرف ما هو الميغاواط؛ بل يجب ان يخبروننا بدلا من ذلك عن مقدار الساعات المضافة التي تطرأ على الخدمة.
ويلاحظ انه برغم شكاوى السكان من سوء الخدمة فان تصريحات المسؤولين تجيء مشابهة لأحاديث سابقة عن تصدير الكهرباء العراقية الى دول اخرى، مثلما طرحوا في سنوات سابقة.
وفي هذا يشير وزير الكهرباء زياد علي فاضل، في تصريح جديد وهو يتطرق الى ما اسماه تفاصيل الخط المشترك بين العراق وتركيا، الى إن "خط الربط الكهربائي العراقي التركي هو مشروع استراتيجي يمثل نقلة نوعية في مجال تعزيز شبكة الكهرباء الوطنية، من خلال ربطها مع الشبكة الدولية عبر تركيا والاتحاد الأوروبي"، لافتا بالقول ان "تركيا ستزود العراق بـ 300 ميغاواط صيفاً، بينما سيزود العراق تركيا بـ 150 ميغاواط خلال بقية فصول السنة من الطاقة الفائضة لديه"، وهنا يلفت المراقبون الى ان العراق يعاني نقصا في الطاقة حتى في فصل الشتاء وبقية السنة وقد سبق ان انقطعت الكهرباء حتى في شهور الشتاء.
وبرغم إعلان الحكومة عن معالجة مشكلة الكهرباء عن طريق الربط الكهربائي مع الأردن ودول الخليج، إلا أن المراقبين والسكان يرون انها أصبحت عصيّة ولم تُعالج، اما الانجاز فيظهر انه مقصور على منطقة صغيرة هي مدينة "الرطبة" القريبة من الحدود الاردنية بفضل الربط مع الاردن؛ وتتواصل الازمة برغم إعلان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عن افتتاح وتشغيل 200 محطة كهربائية في عموم مناطق العراق ومدنه.
وبرغم إعلان العراق انه ينتج من الكهرباء حاليا 25 ألف ميغاواط، بخلاف العام الماضي الذي كان ينتج فيه 24 ألف ميغاواط، إلا أن التجهيز أسوأ بكثير بحسب الوقائع واستطلاعات رأي السكان.
وينقل عن المتحدث باسم وزارة الكهرباء، أحمد موسى، قوله، انه يجري التحول إلى الإنتاج والتوزيع الأرضي، الذي يعد بحسب تصريح له، إحدى الوسائل الآمنة لنقل الطاقة، في ظل الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، فيما يرى سكان انهم ملوا من تلك الوعود التي تتكرر في كل صيف او بداية الشتاء بحسب قولهم.
وفي هذا يقول موسى، أن المشكلة الرئيسة المسببة لتدهور قطاع الكهرباء في العراق هي سوء شبكات النقل والتوزيع، لأن جزءاً كبيراً منها قديم ولا يتحمّل درجات حرارة عالية، وجزء آخر يعاني من زخم وأحمال زائدة تفوق قدرته، فضلا عن التجاوزات الحاصلة على شبكات النقل والتوزيع، وتسبب ذلك في عودة أزمة الكهرباء وزيادة في ساعات التقنين، وردا على ذلك يتساءل مواطنون عن الذي فعلته الوزارة طيلة أكثر من عشرين عاما منذ 2003.
ويشدد المتحدث باسم الوزارة على ان البلد بحاجة لمحطات تحويل وشبكات توزيع جديدة، في ظل الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية.
اما لجنة الكهرباء والطاقة في البرلمان العراقي فتحدثت عن سوء التحضيرات لملاكات وزارة الكهرباء، خلافاً للوعود التي أطلقتها الوزارة للموسم الصيفي الحالي.
وقالت عضو اللجنة، سهيلة السلطاني، إن التحضيرات التي وعدت بها وزارة الكهرباء لموسم الصيف الحالي لم تكن دقيقة، إذ تكررت المشكلات ذاتها التي كانت في العام السابق والأعوام التي سبقته، وبيّنت أن اللجنة حددت الأسباب الحقيقية وراء الفشل في تحقيق ساعات التجهيز من خلال عمليات الإنتاج والنقل والتوزيع، وبالخصوص قضية عدم توفير المغذيات الكافية التي تتحمّل الضغط الكبير على الطاقة الكهربائية.
ويقول مواطن من بغداد، إن ساعات تجهيز الطاقة الكهربائية الوطنية لا تتعدى ساعتين متواصلة، وإن المناطق التي يسكنها المسؤولون ومكاتب الأحزاب تشهد استمراراً في التغذية بالكهرباء، فيما المناطق السكنية الأخرى تعاني سوء التجهيز.
ويلفت أحد سكان العاصمة، إلى أن واقع الكهرباء في العراق بات مرضاً مزمناً يتفاقم مع حلول فصل الصيف، وأن المواطنين يعتمدون على المولدات الكهربائية الأهلية التي لا غنى عنها، وأصبحت بديلا موثوقا به بدلا من الوعود الحكومية التي اعتاد عليها العراقيون في ملف الكهرباء، على حد وصفه، نافيا تواجد أي تحسن في المنظومة الكهربائية، إنما الواقع أصبح يتجه للأسوأ، "ولغاية الآن لا توجد معالجة فعلية لهذه المشكلة، على الرغم من الأموال الطائلة التي صُرفت على المشاريع والمحطات" بحسب تعبيره.
وبحسب جهات الاختصاص فان معالجة مشكلات الكهرباء تتطلب جهودا متكاملة وتنسيق بين الحكومة والقطاع الخاص، فضلا عن الدعم الدولي والإقليمي، ويطالبون بمعالجة ملف الكهرباء كوحدة متكاملة والابتعاد عن الانتقائية وتجزأة الملف، حتى وان تطلب الامر اناطة الملف الى مكتب رئيس الوزراء مباشرة.
يتوضح لنا ان أسباب سوء إنتاج الطاقة الكهربائية في العراق متعددة ومعقدة، ويمكن تلخيصها واجمالها في ان معظم محطات توليد الكهرباء في العراق قديمة وبحاجة إلى صيانة مستمرة وتحديث، وان كثيرا من هذه المحطات تعاني من مشكلات تقنية وبحاجة إلى قطع غيار حديثة.
كما لا يمكن انكار ان الفساد شكل ويشكل عقبة كبيرة أمام تحسين قطاع الكهرباء، وان الأموال التي تُخصص لتحسين وتطوير البنية التحتية غالبا ما تُهدر أو تستعمل بطرق غير فعالة، بحسب مصادر متعددة.
ان كثيرا من محطات الكهرباء تعتمد على الوقود الأحفوري مثل النفط والغاز، وبسبب سوء الإدارة والفساد، غالبا ما يكون هناك نقص في توفر الوقود المطلوب لتشغيل هذه المحطات بكفاءة، ما يؤدي الى استيراده وصرف اموال طائلة في هذا المضمار.
كما ان هناك عديد التجاوزات على شبكة الكهرباء، مثل الربط غير القانوني واستعمال الكهرباء من دون دفع الرسوم، مما يؤدي إلى زيادة الحمل على الشبكة وتقليل كفاءتها، بحسب الدراسات.
كما ان عدم الاستقرار الأمني وتفجيرات الابراج في اوقات شتى عرقل جهود صيانة وتطوير البنية التحتية، ويعرض العاملين في قطاع الكهرباء للخطر.
كما لا تتواجد استراتيجية وطنية واضحة ومتكاملة لتحسين قطاع الكهرباء، فضلا عن التغيرات المتكررة في السياسات والمسؤولين؛ وان التأثيرات البيئية ومنها الأحوال الجوية القاسية، ومن ذلك درجات الحرارة المرتفعة في الصيف، تزيد من الطلب على الكهرباء وتؤثر على كفاءة عمل المحطات.
من اجل ذلك يشدد المتخصصون، على ان الحل يتمثل في معالجة جميع تلك المشكلات وغيرها مجتمعة، بإنشاء شبكات حديثة على وفق ما توصل اليه العلم الحديث، تجنيا للمصروفات الكبيرة وتحقيقا لأمثل الطرق وانجعها للتوصل الى حل جذري لهذا الملف الشائك.