ازدحامات مرورية للكتل السياسية في سري بلند بمصيف صلاح الدين
د. نايف كوردستاني
بعد أن قرر فخامة الرئيس (مسعود بارزاني) إجراء الاستفتاء من أجل الاستقلال في (25 أيلول 2017)،وعدم التراجع عن قراره نتيجة لوصول الكورد إلى نفق مغلق مع الحكومات العراقية الأولى والثانية في حقبة (المالكي) من سنة (2006م) إلى سنة (2014م)،والثالثة في حقبة (العبادي) من سنة (2014م) إلى سنة (2018م) راهن كثير من الساسة على انتهاء دور (البارزاني) سياسيًا لكن خاب ظنهم ، فالمالكي يعد أسوأ رئيس وزراء عراقي استلم مقاليد الحكم من بعد سنة (2003م) من حيث تعامله مع الكورد وعدم تنفيذ الاتفاقيات وتطبيق الدستور العراقي وقطع حصة الكورد من الموازنة الاتحادية العامة في سنة (2014م)،وحاول اجتياح إقليم كوردستان عسكريًا من خلال عقد صفقة لشراء طائرات (F16) الأمريكية إلا أن الرئيس (مسعود بارزاني) قطع الطريق أمامه وأفشل مخططه ولم تنجح خطته في ذلك بعد الضغط على الإدارة الأمريكية بعدم عقد تلك الصفقة مع (المالكي)،أما(العبادي)فهو لا يختلف عن عقلية (المالكي) وسياساته وظلت حصة الكورد مقطوعة من الموازنة الاتحادية العامة في حقبته السيئة الصيت أيضًا ولم يستطع معالجتها،وكذلك تضلعه باحتلال كركوك والمناطق المستقطعة من إقليم كوردستان من قبل الحرس الثوري الإيراني وميليشيات الحشد الشعبي الولائي والجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب في (16 تشرين الأول 2017) بعد الخيانة التي حدثت من قبل جماعة (16) أكتوبر التي مهّدت الطريق لهم وشارك (6,000)مقاتل في احتلال كركوك في اليوم الأول والأطراف المشاركة هي الفرقة الــــ (9) والفرقة الـــــ (15) التابعتان للجيش العراقي والفرقة الــــ (5)التابعة للشرطة الاتحادية ولواء تابع للعمليات الخاصة الثانية من قوات مكافحة الإرهاب،وهي قوات تسمى بالنخبة ومهمتها حرب الشوارع ولواء من قوات الرد السريع، وقد ارتفع عدد القوات العراقية المشاركة في احتلال كركوك والمناطق المحيطة بها في اليوم الثاني إلى(18,000)ألف مقاتل بعد دخول قوات عمليات دجلة في هذه العملية وقيادة عمليات دجلة أسسها(المالكي) في سنة(2012م)لاحتلال المناطق المستقطعة من إقليم كوردستان وتشكيل عمليات دجلة كانت مخالفة دستورية.
وقد زجّ (العبادي) القوات العراقية في مسألة سياسية واستخدم تلك القوات لقمع الشعب الكوردي وليس من مهمتها التدخل في الشؤون السياسية،وهو أمر مخالف للدستور العراقي حسب المادة (9) منه!
وعلى إثر ذلك الاستهتار من قبل (العبادي) فقد أدت قوات الپـيشمركة دورًا بطوليًا في معركة(پـردي وسحيلا والمحمودية) وأوقفت زحف تمدد ميليشيات الحشد الولائي الذين حاولوا احتلال إقليم كوردستان فكانت قواتنا لهم بالمرصاد .
سلّم (المالكي) المحافظات السنية والمناطق المستقطعة من إقليم كوردستان لتنظيم الدولة الإسلامية الإرهابية المدعوم إيرانيًا من جهة ومن جهات أخرى وجاء (العبادي) ليكمل مسيرة (المالكي) بتسليم تلك المناطق إلى ميليشيات الحشد الولائي المرتبط عقائديًا بفكر ولاية الفقيه ويحاولون تنفيذ مشروع ( طريق السبايا) !
وعلى إثر تلك السياسات المنحرفة من (المالكي) و(العبادي) وكان الاعتقاد السائد لدى (المالكي) بأنه لن يسلّم رئاسة الوزراء لمن يأتي من بعده رافعًا شعار (هو يگـدر واحد يأخذها حتى ننطيها بعد) ثم جاء (العبادي) من بعده وتجاوز الخطوط الحمراء مع الكورد فلولا القيادة الكوردية وعلى رأسها فخامة الرئيس (مسعود بارزاني) لما استطاع الاثنان أن يحلما بالكرسي في أحلام اليقظة لكنهما تناسيا من وضعهما على الكرسي ثُمَّ بعد ذلك وُضع الاثنانِ في حاوية القُمامة وبعدها أُلقيا في مزبلة التاريخ بقرار من القيادة الكوردستانية.
ربما يتساءل بعض القراء ما سبب دعم القيادة الكوردستانية للشيعة باختصار لكونهم الأكثرية من جهة وأصبح عُرفًا سياسيًا أن يكون منصب رئيس الوزراء من حصتهم من جهة أخرى.
وأعتقد كثيرون بأن إجراء الاستفتاء من أجل الاستقلال هو السبب وراء احتلال كركوك وبقية المناطق الكوردستانية لكن الحقيقة غير ذلك فهم كانوا يجرون التحضيرات قبيل الاستفتاء للهجوم على إقليم كوردستان واحتلاله وفرض سيطرتهم فيه لكنهم أخفقوا في مخططاتهم !
في الانتخابات الپــرلمانية التشريعية التي أجريت في (12أيار2018) استبعد (العبادي) من الولاية الثانية لرئاسة الوزراء؛لأنه لم يحصل على دعم فخامة الرئيس (مسعود بارزاني) فهو اللاعب الرئيس في اختيار الشخصية الشيعية السياسية لهذا المنصب واختلف الوضع السياسي من بعد إجراء الاستفتاء فاختير (عادل المهدي)وبعد انتفاضة التشرينين في سنة (2019م) اُستبعد من منصبه وجيء (بمصطفى الكاظمي) وهو أفضل الموجودين والأقرب إلى الكورد من حيث العلاقات واختير لمهمتين فقط وهما أن حكومته تصريف أعمال وإجراء الانتخابات البرلمانية التشريعية .
وبعد تحديد إجراء الانتخابات الپــرلمانية في الموعد المقرر،فقد انتهت جولة الانتخابات الپــرلمانية التشريعية العراقية في (10 تشرين الأول 2021) وإعلان النتائج النهائية في (30 تشرين الثاني 2021) بعد 41 يومًا من التصويت، وفي يوم الإثنين (27كانون الأول 2021) صادقت المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات الپــرلمانية وردت الدعوى المقدَّمة من قبل تحالف الفتح الخاصة بالطعن بنتائج الانتخابات، وكذلك دعوى إلغاء النتائج.
لكن الكتل السياسية الخاسرة قد عاقبهم التشرينيون في الانتخابات الپــرلمانية من دون مواجهات مسلّحة أو صدامات بل عن طريق صناديق الاقتراع وألقوا كثيرًا منهم في مكب النفايات وكذلك دور جماهيرنا من المخلصين في المناطق المستقطعة من إقليم كوردستان لاسيما في كركوك وشنگـال وزمار وسهل نينوى ومخمور وكان استفتاءً من جديد وتأكيد على هوية تلك المناطق الكوردستانية كما حدث في عام (2017م) على الرغم من عدم وجود مقراتنا الحزبية وقوات الپـيشمرگـة وعاقبت جماهيرنا الكوردستانيين الكتل السياسية الولائية في المناطق الكوردستانية المحتلة من قبل الميليشيات الولائية، وقوات الــ (YBŞ) ،و(YJŞ) المنضويتان تحت أيديولوجية حزب العمال الكوردستاني الــ (PKK) وقوات آسايش( إيزيدخان)التابعة لوحدات مقاومة شنگال الــ ( YBŞ ).
ما مصير المحتلين للمناطق الكوردستانية انتخابيًا ؟
شارك (حيدر العبادي) ،و(هادي العامري) ،و(فالح الفياض)،و(قيس الخزعلي) وغيرهم في الانتخابات الپـرلمانية ودخلوا في أحزاب وتحالفات سياسية وكانت النتائج سلبية جدًا وليس كما هو مخطط له !
سجّل تحالف قوى الدولة الوطنية بزعامة رئيس تيار الحكمة (عمار الحكيم) المتحالف مع تحالف النصر برئاسة رئيس الوزراء السابق (حيدر العبادي)، التراجع الأكبر بين القوائم والتحالفات الشيعية الأخرى بحصولهما على(4)مقاعد في المحافظات العراقية في حين حصل تحالف النصر على (21) مقعدًا وتيار الحكمة على (19) مقعدًا في انتخابات التي جرت في سنة (2018م).
وقد حصل تحالف الفتح على (17)مقعدًا برئاسة (هادي العامري) ،وكان في المركز الثاني من حيث عدد المقاعد وقد حصد (48)مقعدًا في انتخابات سنة(2018م)،ويضم تحالف الفتح (منظمة بدر،وعصائب أهل الحق،وكتائب حزب الله،وحركة النجباء،وبعض الفصائل الشيعية الأخرى) !
لم يستطع الحشد الشعبي إرسال قوائم أسماء الحشد إلى المفوضية بسبب وجود الفضائيين في صفوفهم فالموجود (60) ألف مقاتل في الحشد على الأرض و(150,000) ألف مقاتل على الورق!
فهذا يعني وجود (90,000) ألف فضائي موجود في الحشد ويستلمون الرواتب وهي إحدى أسباب خسارتهم أيضًا !
وشكّل الحزب الإسلامي العراقي مع حركة عطاء بزعامة (فالح الفياض)،وحزب الثبات،ورجال العراق،ووارثون،وتيار الإصلاح الوطني تحالف (العقد الوطني)،وقد حصل تحالف العقد الوطني على(4) مقاعد فقط في (15) محافظة عراقية !
بعد خسارة الكتل السياسية من الحشد الشعبي قاموا بقطع الطرقات وحرق الإطارات في الشوارع وتنظيم مظاهرات منددة بنتائج الانتخابات مطالبين المفوضية العليا بإلغائها من قبل أنصارهم السذج !
ومن الطرائف الساخرة أن كثيرًا من المتظاهرين من جمهور الكتل الخاسرة لا يعرفون السبب الحقيقي وراء إقامة المظاهرات لكنهم (يهوّسون) من دون معرفة الأسباب فهم يتبعون سياسة راعي القطيع !
فضلًا عن تهديد دولة الإمارات العربية باستهدافها عسكريًا عن طريق الصواريخ والطائرات المسيرة تنطلق من العراق بتهمة بتزوير الانتخابات العراقية وسرقة أصوات الحشد الشعبي عن طريق السيرڤرات في الإمارات- كما يصرحون بذلك- !
وبعد فترة وجيزة غيّر قيس الخزعلي كلامه حول وجود السيرڤرات وأنها موجودة في العراق وليس في الإمارات والمطبلون من القطيع غيروا من خطاباتهم بعد زيارة مستشار الأمن الوطني الإماراتي (طحنون بن زايد) إلى طهران ومن ثَمَّ اتهام رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق (جينين بلاسخارات) بتزوير الانتخابات وتوصيفها بــــ (عرّابة التزوير ) وكذلك اتهام إسرائيل ،واتهام رئيس الوزراء العراقي (مصطفى الكاظمي)،وجهاز المخابرات العراقي ،ثم وجود هگـر أفريقي ثم قالوا بوجود هگـر هندي !
وبعد إطلاق الاتهامات والتهديدات من قبل الكتل الخاسرة في الانتخابات انهت المحكمة الاتحادية الجدل الحاصل بالمصادقة على نتائج الانتخابات الپـرلمانية وصدور مرسوم جمهوري بتحديد يوم الأحد الموافق (9كانون الثاني 2022) البدء بالجلسة الأولى في الپـرلمان العراقي بالدورة الخامسة .
وقبيل الانتخابات الپـرلمانية التشريعية أجرى كثير من الشخصيات السياسية زيارات إلى (سري بلند) بمصيف صلاح الدين والتقوا بفخامة الرئيس (مسعود بارزاني) لكي يتفقوا على شكل التشكيلة الجديدة للحكومة العراقية وبعد انتهاء الانتخابات كثرت الزيارات إلى مصيف صلاح الدين من قبل الكتل السياسية العراقية فزار وفد من الكتلة الصدرية وهم الأقرب إلى تطلعات الحزب الديمقراطي الكوردستاني لاسيما أنهم قد حصدوا (73) مقعدًا في الانتخابات وتوالت الزيارات من قبل الإطار التنسيقي (الذي يتكون من دولة القانون،وتحالف الفتح،وحركة عطاء،وتحالف قوى الدولة الوطنية،وحزب الفضيلة الإسلامي،وحركة حقوق)برئاسة (المالكي) وحصدوا (54)مقعدًا ثم زيارات أخرى من قبل الأحزاب السياسية السنية كــ (حزب تقدّم) برئاسة (محمد الحلبوسي)الذي حصل على (37)مقعدًا،و(تحالف عزم) برئاسة(خميس الخنجر)الحاصل على (14)مقعدًا،أما الحزب الديمقراطي الكوردستاني فأنه قد حصل على (31) مقعدًا والمجموع الكلي لمقاعد الكورد بمختلف أحزابهم السياسية والمستقلون منهم فأنهم قد حصلوا على (63) مقعدًا.
والحزب الديمقراطي الكوردستاني بزعامة الرئيس (البارزاني) لم يعلن إلى الآن اصطفافه مع أية كتلة سياسية فالكورد ليس من صالحهم أن يذهبوا منفردين إلى بغداد بل مجتمعين مشكلين تحالفًا كوردستانيًا وطنيًا قويًا من أجل حقوق ومكتسبات شعب كوردستان ولدينا الكثير من الملفات والمشكلات العالقة بين أربيل وبغداد يجب وضع حل لتلك الملفات ولا ينبغي تأجيلها وتحويلها إلى حكومات لاحقة فالحكومات العراقية لم تفِ بوعودها التي أطلقتها في برامجها الحكومية السابقة، لم نرَ خطوات جديّة لوجود حل لتلك المشكلات فلو يكون هناك طرف دولي ثالث بين الكورد ورئيس الوزراء العراقي المقبل لكي تكون مطالب الكورد واجبة التنفيذ ومن تلك المطالب :
-تشريع قانون لقوات الپـيشمرگـة وتخصيص ميزانية خاصة لها وتسليحها أسوة بالجيش العراقي والحشد الشعبي .
-تطبيق المادة (140) من الدستور العراقي المختصة بالمناطق المستقطعة من إقليم كوردستان .
-تشريع قانون النفط والغاز .
-تعويض عوائل ضحايا الأنفال والبارزانيين وحلبجة والكورد الفيليين .
-الاعتراف بيوم إبادة الكورد الإيزيديين على يد تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابية وتخصيص مبالغ لهم كتعويضات للبيوت التي تعرضت للهدم والتفجير .
-إرسال حصة إقليم كوردستان من الموازنة الاتحادية العامة بعد الاتفاق على (250) ألف برميل يوميًا تكون عائداتها للحكومة الاتحادية.
-تطبيق اتفاقية شنگـال لإعادة انتشار قوات البيشمرگة في شنگـال وبقية المناطق المستقطعة من إقليم كوردستان .
-الاعتراف بجامعات إقليم كوردستان جميعها غير المعترفة من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في الحكومة الاتحادية بسبب الخلافات السياسية والمالية .
-سحب ميليشيات الحشد الشعبي الولائي وإخراج الـ (YBŞ)،والـــ(YJŞ) المنضويتان تحت أيديولوجية حزب العمال الكوردستاني من المناطق الكوردستانية ولاسيما من شنگال .
-حصة الكورد في الوزارات العراقية ما عدا المناصب الوزارية من وكلاء الوزراء والمديرين العامين.
-إنهاء الاتفاقية الأمنية بين العراق وتركيا التي تتعلق بملاحقة حزب العمال الكوردستاني التي وقعّها رئيس الوزراء العراقي السابق (المالكي) مع الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) في سنة (2007م).
-عدم زجّ القوات العراقية في الخلافات السياسية بين بغداد وأربيل.
-دفع مستحقات موظفي إقليم كوردستان التي قطعت عنهم بعد أن قطعت حصة الكورد من الموازنة في سنة (2014م).
الحزب الديمقراطي الكوردستاني بزعامة (البارزاني) يقف مع جميع الكتل السياسية بمسافة واحدة ويكون جزءًا من الحل وليس من المشكلة، ولم يقرِّر بعد بدعم أية شخصية في رئاسة الوزراء لحين بيان ملامح الكتلة الأكبر في الپرلمان العراقي،وبعد أن تكتمل ملامح الكتلة الأكبر سينقشع الضباب وتتوضح الصورة أكثر لمن ينفذ مطالب الكورد الدستورية لكي يحصل على دعم الرئيس(مسعود بارزاني) .
وممَّا لا يقبل الشك ففي الأيام المقبلة سيشهد مصيف صلاح الدين حركة ازدحامات مرورية للكتل السياسية بزيارة الرئيس (مسعود بارزاني)،وتبدأ الحوارات بين الأطراف السياسية والجلوس على الطاولة لتشكيل الحكومة العراقية ولا يمكن أن يكون هناك رئيس وزراء عراقي من دون أخذ موافقة فخامة الرئيس(مسعود بارزاني)،فهو اللاعب الأساسي في المشهدين العراقي والكوردستاني .