احذروا (عجايا) السياسة!
كفاح محمود كريم
في معظم الديمقراطيات وخاصة العريقة منها، يحجز كبار السياسيين والزعماء ورجال الدولة الكبار مقاعدَهم في البرلمان بغرفتيه النواب والشيوخ، بينما في تجارُب غالبية دول الشرق الأوسط المصابة بعدوى استنساخ مظاهر الديمقراطية الغربية، يقوم السياسيون الكبار وزعماء الأحزاب والكتل بتقديم دمى برلمانية تمثّلهم، وقد شهدنا ذلك منذ الدورة الأولى لبرلماننا الأعرج في العراق الذي يقفُ على رجل واحدة، وما تزال الثانية في معامل صناعة الأطراف السفلى، وأقصد بها المجلس الاتحادي، هذه المجاميع من الدُّمى والممثلين لا تحتاج إلا لتمارين سويدية في تحريك الأطراف العليا لإعلان الموافقة أو الرفض وأحياناً السفلى أيضا في مشاهد صراع الدّيَكة المدجّنة، ناهيك عن مستوياتهم الثقافية أو القانونية أو السياسية أو حتى العمرية التي تقارب نهايات أطرافهم السفلى!.
لقد انعكس ذلك على أداء البرلمان الأعرج وعلى هشاشة وسطحية القوانين والتشريعات التي يصدرها هؤلاء (المشرّعون)، وهي لم تتجاوز قوانين رفع رواتب النواب وامتيازاتهم، أو السماح بتزويج الأطفال بعمر تسع سنوات أو صناعة الميليشيات وتخصيصاتها المالية وابتكار عطل وأعياد جديدة تُضاف إلى عشرات العطل والأعياد التي يتراقص فيها المواطنون على حبال الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير وحق وضع الأوراق في صناديق الانتخابات بفتاوى دينية أو تعليمات من شيوخ العشائر أو لفات فلافل وكارتات موبايل!؟
هذه الحالة المشوّهة أنتجت (زعامات) منفلتة ومراهقة أشبه ما تكون بعصابات ترتبط بها وتحت إمرتها مجاميع من الأميين والجهلة العاطلين عن العمل كمُسلّحين وحمايات وميليشيات وأرتال من السيارات الفارهة والسلاح المنفلت، تتبع تلك الزعامات الكارتونية التي تستعرض بمشاهدَ مقززةٍ ومواكبَ هوجاء توحي لمشاهديها بأنها من مافيات المخدّرات أو حمايات الملاهي والكباريهات، وهي أشبه ما تكون بكائنات مشوّهة ينطبق عليها مثل عراقي دارج يقول (عجايا والدنيا عيد) ويضرب عادة على الكبار الذين يمارسون أعمالاً لا تليق بأعمارهم، وتقترب من الصِّبينة والتفاهة، مقارنة بما هم عليه من عمر زمني، ومفردة "عجايا" من الدارجة العراقية كثيرة الاستخدام في المناطق الغربية من العراق وخاصة الموصل والأنبار، حيث تطلق على أولاد الشوارع أو الداشرين والمنفلتين غير المنضبطين، من الذين ينتشرون في الأزقة والشوارع، ويتسببون في إزعاج الأهالي أوقات الراحة صيفاً أو شتاءً، وهي من جهة أخرى تستخدم بكثرة في وصف أي إنسان بغضِّ النظر عن عمره يقوم بأعمال غير مسؤولة وخارجة عن الآداب العامة والتقاليد، وخاصة تلك التصرفات التي لا تخضع للتربية الاجتماعية وأعرافها.
وخلاصة القول هي أشبه ما تكون في المعنى من المثل القائل في فصيح الكلام "تمخّض الجبل فولد فأراً" للدلالة على توافه الأعمال أو الأقوال أو كليهما معاً، كما نراه اليوم في ممارسات من تسلقوا مواقعَ السلطة في غفلة من هذا الزمن السيئ الذي يعيشه العراقيون تحت ظلال نظامنا الديمقراطي جداً ومؤسساته، سواءً مَن كان منهم في الحكومة او في مجلس نوابنا العجب، الذين ينطبق على معظمهم مثلنا أعلاه و"خصوصتن" كما يكتبها غالبية أعضاء السلطتين!
أقول قولي هذا مستذكراً "العجايا" وعيدهم كلما نشبت أزمة، أو تم تصنيع مشكلة مع إقليم كوردستان، حيث تنبري مجاميعٌ من الغوغاء معدة إعداداً مكتنزاً بالكراهية والحقد في وسائل إعلام لا هم لها إلا "العد والصف" على طريقة النسوة السفيهات والشفاطات حينما يتعاركن على الطريقة المصرية، وتبدأ نافورة الشتائم والقذف والاتهامات وإشاعة الكراهية والأحقاد تارة وتارة التهديد والوعيد، دون أيّ وازع وطني أو أخلاقي يحافظ على اللحمة الوطنية ويصون الأمن والسلم المجتمعي.