أنا وابن عمي على الغريب
صبحي ساله يي
التعدديات القومية والدينية واللغوية في المجتمعـات المتقدمة التي تؤمن بالعيش المشترك والتي تحتضن التنوع الديني والثقافي والقومي بشكل عادل، تعكس الهويات الوطنية والثقافية المتنوعة لدى أبناء المجتمعات، وتضمن ترسيخ الشعور بالإنتماء للوطن، بدلاً عن القومية أو الدين أو المذهب، وتتصدى للأخطار والتحديات المشتركة التي تبدأ بالصراعات البينية الحادة، والإرهاب والعدوان الخارجي والكوارث الطبيعية ووالأفات والأمراض، وتنتهي بمواجهة كل ظواهر التعصب الأعمى وتداعياتها غير الإنسانية المريرة التي تضعف التعايش والحوار والتفاهم والسلم المجتمعي، أو الأهلي.
التحديات التي مر بها العراق، جراء المتغيّرات السياسية والاجتماعية والنزاعات والنزعات الإستعلائية، والظلم الذي تعرض له الشيعة ( أنا ) على أيدي السلطات، قبل العام 2003، التي كانت تحتسب، دون حق، على المكون السني. والظلم الذي تعرض له السنة ( إبن عمي ) بعد 2003، على أيدي حكومات تحتسب على الشيعة، أيضاً دون حق. والظلم الذي تعرض له الكورد ( الغريب ) قبل وبعد 2003، على أيدي الحكومات التي تحتسب على العرب. دفعت المكونات الثلاثة الى السعي لتحقيق التوازن ورسم الحدود في ما بينها، ولإثبات وجودها عبر تمسكها الشديد بهوياتها الخاصة، وبالرهان على الخطابات التي تزعزع الإستقرار والإنسجام ومبادىء المواطنة، والتي تهدد الضوابط والضمانات التي تجسد دعائم المصير المشترك، وكذلك التي تصون كرامة الإنسان وتحترم حقوقه المدنيّة والسياسية، وتحقق سيادة القانون والعدل والمساواة.
من يتأمل الوضع العراقي المسكون بالمفارقات والتناقضات بحياد، جرّاء إستناد البعض على منطق العبث الذي يتجه كل يوم نحو المأسي والويلات، وجراء تعميم ثقافة الإستخفاف والإنتقام والتخوين والإتهام والتشفي وإستعصاء الأمور وتعقيدها واستحكام الأزمات، وجراء إشاعة مشاعر كراهية غير مسبوقة ضد الكورد، كراهية تنسف الإرادةٍ والتحركات والمبادرات التي تهدف الى تحقيق نوع من التصالح والوئام بين المكونات العراقية، يصاب المتأمل بالإحباط واليأس ويصل الى قناعة تامة مفادها أن المستلمين للسلطة في العراق، لاعلاقة لهم بمبادىء المواطنة والديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة، وكذلك الحقوق والواجبات. وذلك الوضع، وإرتكاز كل مكون على منظومة المظلوميات، يشير الى وجود أسباب كثيرة تؤدي الى المزيد من التفرقة والانقسام والمعاناة الإنسانية. وتأجيج الصراعات، وتضييع الفرص التي تقرب بين المكونات. وفي المقابل يؤكد ضرورة تواصل الجهود التي تحقق التقارب بين المكونات والتي تؤدي الى تعميق مفاهيم التعايش بين المكونات بدلا من الصراع ويهدد الأمن والسلام .
في عراق ما بعد 2003، كان مأمولا عند الكورد أن تختفي من القاموس السياسي والإعلامي العراقي بعض السلوكيات والممارسات والخطابات والحسابات المتخلفة وغير الديمقراطية وغير العقلانية والإتهامات والمزايدات المهيجة والمستفزة، لكنها تناسلت كالفئران وإنشطرت كالأميبيا بوتائر كبيرة وسريعة. وبخصوص مجمل الإستحقاقات الكوردستانية، تم نسج صور سيئة وسلبية تثير حفيظة الكورد. وما حدث قبل أيام في البرلمان العراقي، أثناء تشابك الأجندات، وتداخل المصالح، واإنقلاب على الشراكة، والتفرد والإلتفاف على الدستور ومخالفته، أثناء المصادقة على الموازنة السنوية للعراق دون الأخذ بنظر الاعتبار مطالب الكورد و دون مراعاة تحفظات الكورد، وتمريرها بموجب مبدأ الأغلبية القومية، تخطي للحدود وتجاوز للاتفاقيات السياسية ودليل ومستند رسمي لسياسة شوفينية ونعرة قومية، ومحاولة علنية لإغتصاب حقوقنا المتعارف عليها وثني عزيمتنا ولي ذراعنا والضغط علينا لكسب الجولات السياسية، كما تحمل الغل والعداء لإقليمنا وتاريخنا، وتثبت أنهم إن لم يكونوا أعداء متربصين بنا على الدوام، فهم لم يكونوا أيضاً أصدقاء، ولايعتبروننا شركاء، ولايمكن أن يكونوا رحماء مع (الغريب)، ولايكترثون لتجويعنا وتهميشنا، وخلق واقع مأساوي يسود فيه التدمير والتخريب، والانجرار إلى الفتنة وضياع ما تحقق، ولو نفذت كما هى ستقتلع أسباب الحياة والاستقرار في كوردستان. وذلك الإقرار للموازنة أوصل البعض الى الحد الذي يدعو فيه السيدين مسعود بارزاني ونيجيرفان بارزاني لعقد إجتماع موسع وعاجل تشترك فيه كافة الأحزاب الكوردستانية لإتخاذ القرار المناسب العقلاني والموضوعي والواقعي، للتعاطي مع مشكلة إقرار الموازنة.