نازاره من متحف اللوفر بباريس الى القشل ببغداد

نازاره من متحف اللوفر بباريس الى القشل ببغداد
2017-01-23T05:54:00+00:00
د. مؤيد عبد الستار/نازاره  ميرزا ، سيدة كانت تعيش في محلة القشل ببغداد  منذ سنين طويلة ،  بارعة في حياكة السجاد  لدرجة ان أحد اغنياء الكرد الفيليين طلب منها حياكة سجادة عليها صورة الزعيم عبد الكريم قاسم ، فحاكتها وطرزت الصورة أجمل تطريز .

كان تحوك السجاد في بيتها حتى اليوم الذي هجرهم فيه  النظام الصدامي  الى ايران .  مازالت حية ترزق تعيش حاليا  في عيلام .
حياكة السجاد من أقدم الصناعات التي مارستها المرأة الكردية  ، و اشتهرت  المرأة العيلامية الكردية في غزل الصوف وحياكة السجاد وبرعت في النقوش والالوان  التي رسمتها على السجاد ، حتى اصبحت المناطق المختلفة تعرف باسلوب صناعتها للسجاد والوانه المصنوعة من الاعشاب والزهور والزخارف المستمدة من اشكال الحيوانات والنباتات والطيور والزهور .
ومن اقدم الاثار ما رأيناه في متحف اللوفر تمثال امرأة  من عيلام ، مدينة سوسة الكردية  ، امرأة جالسة  على كرسي في استراحة ، تغزل الصوف وامامها إناء فيه سمكة وطعام وفاكهة ،ما يدل على انها امرأة ثرية او امرأة تعيش في القصر الملكي .
تقف خلف المراة الجالسة فتاة في يدها مروحة من الخوص ، ما يدل على ان الفصل صيف  او  ان الطقس حار – هذه المروحة المصنوعة من القش  تسمى في جنوب العراق مهفة ، ما زالت مستخدمة في وسط وجنوب العراق وعيلام .
المرأة جالسة في محفل خاص وليس ضمن مشهد احتفالي او ديني ، وانما في استراحة خاصة بها ، وبهيئة غير رسمية ، فهي تجلس واضعة احدى رجليها تحتها وبيدها مغزل تغزل به ، ونلاحظ الاساور في معصميها . وشكل اخر شبيهة بالزهرة يظهر على يدها اليسرى .
بين يديها الخيط يمر على المغزل  ، بينما لفة الغزل توازن المغزل ، والشكل المخروطي للمغزل والغزل يتناسبان في حفظ انسياب عملية الغزل  ، هذه الاشكال تطورت بسبب تطور عملية الغزل ، كما نلاحظ عدم ظهور الصوف والغزل في اللوحة ، ربما لان النحات لم يرغب في ابراز عملية الغزل او التركيز عليها ، بل اراد اظهار عمل المرأة التي ربما ارادت اظهار عملها لرجل يقف على الجانب الاخر من المائدة  التي امامها  في  اللوحة – المنحوتة .
ترتدي المرأة  سترة قصيرة الاكمام وعصابة رأسها المطرزة لاتغطي رأسها ، بل تظهر شعرها الطويل كاملا ، ربما لانها تجلس بين الاهل والاقارب  ، ويبدو على مظهرها الهدوء ، باسمة الوجه ، ممتلئة الجسم قصيرة .
اما الفتاة التي تقف خلفها فلا يزيد طولها على طول المرأة  الجالسة  ، ربما لان النحات اراد عدم ابرازها لانها خادمة لسيدتها ، او لانها فتاة صغيرة ، وهي ذات شعر كثيف اجعد طويل ، ترتدي سترة قصيرة الاكمام ايضا ، مزينة معصميها بالحلي ، تحمل بيدها مروحة – مهفة – مربعة الشكل من القش تهوّي  سيدتها .
 الكرسي الذي تجلس  عليه المرأة  له حواشي مزخرفة تخفي الجزء العلوي منه ، نحتت ارجل الكرسي على شكل  مخالب اسد كثيف الشعر ، كما نرى  النقش والتزيين على المائدة التي امام السيدة ، مثل هذا الاثاث الثمين نجده ايضا في منحوتات اشورية في خرساباد ونينوى ، معروضة في متحف اللوفر والمتحف البريطاني . ان صناعة التحف الثمينة من خصائص التحف الفنية لمدينة سوسة في عيلام .
كما اكتشفت اثار مشابهة في اوغاريت والنمرود – موجودة في متحف اللوفر – ومنحوتات  اخرى شبيهة منحوته على العاج .
من الجدير بالذكر ان الملوك والالهة في  الشرق القديم يمتلكون  مثل هذا الاثاث الثمين ، اما عامة الناس والفقراء ، فيجلسون ويتناولون الطعام وينامون على الارض ، لذلك فهذا المشهد لا بد ان يكون في قصور سوسة في بلاط ملوك عيلام ، ويحتمل ان الشخص على يمين المنحوتة قد فقد لتعرض المنحوتة الى الكسر والتهشيم .
صورة لوحة منحوته لامرأة من مدينة سوسة / عيلام تغزل الصوف في متحف اللوفر بباريس
ان مادة الصخر الذي نحت منه هذا المشهد  من صخور سوسة المتميزة ، من الحجر القيري ، من مشتقات الفحم الحجري ، من انواع الصخر الرسوبي الاسود ، المعروف في بلاد الرافدين وعيلام وعموم مناطق غرب ايران .
ولكن الحجر الصخري القيري الموجود في سوسة  فريد في نوعه ، استخدم منذ الالف الرابع قبل الميلاد ، اي قبل ستة الاف عام ، وان النقش الدقيق والرائع على الحجر دلالة على المستوى الرفيع من المهارة في نقش الموضوع بتفصيل دقيق واضح .
ومن خصائص هذا النوع من الصخر اذا عولج  بحرارة خفيفة يصلح للطلاء بالذهب او  ورق الفضة
 

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon