في ذكرى التهجير الـ37.. “لطيفة" صورة عن محنة الكورد الفليليين
عبد الصمد اسد
في هذا النيسان يمضي العام السابع والثلاثين على ذكرى جريمة التهجير بحق مئات الآلاف من عوائل الكورد الفيليين، واستشهاد ومجهولية مصير عشرات الآلاف من شبابهم على يد نظام صدام المقبور. ويصادف ايضاً التذكير بالعام الرابع عشر على صبر ضحايا تلك المحنة والمعاناة في نفق الانتظار الطويل املاً في اخراجهم من ظلمات هذا الاهمال من قبل اخوة الدين في بغداد الذين عليهم الغاء شعبة الاجانب والتبعية من مديرية الجنسية والتسريع بانجاز معاملاتهم بدلا من اغراق حقوقهم القانونية بالدموع والادعية برفع “الغمة” عنهم.
وكذلك يتمنون على اشقاء الدم في كوردستان تخفيف اعباء جلب شاهدين كورديين من اجل اثبات كورديتهم عوضاً عن بيانات وبرقيات دعمهم في المناسبات.
والمؤسف في ذات الوقت ظهور حالة من التشظي والعناوين المتعددة وتفريخ منظمات متنوعة بين صفوف مكوننا الفيلي، بما لا يتناسب ولايليق بتاريخه المجتمعي والثقافي والسياسي المتنور والواعي. مما ادى الى تشتيت الصوت الفيلي وعدم حصوله على اي تمثيل حقيقي في البرلمان والحكومة العراقية بما يتناسب وحجمهم السكاني وتضحياتهم ومعاناتهم في العراق .
وفي حقيقة مؤلمة من افرازات التهجير القسري بحق الكورد الفيليين، ومعاناة غالبية من بقي منهم تحت خيمة الخوف من المصير المجهول في ظل سلطة المقبور صدام في العراق، وهم يحملون عبىء تبعات وثيقة قانون شهادة الجنسية السيء الصيت، تم الاسبوع الماضي ادخال سيدة من ضحايا تلك الجريمة الى مستشفى العلوية في بغداد لغرض اجراء تداخل جراحي لها.
والضحية اسمها“ لطيفة عبد ولي” وهي من عائلة كوردية فيلية ممن تعداها جدول التهجير الى داخل حدود ايران في بداية الثمانينات، ولكنها ظلت كما الملايين من العراقيين تعيش داخل جمهورية الخوف، وسلطة الحروب والمخابرات والاغتيالات والابادة الجماعية.
والخبر قد يكون عادياً في ظل معاناة ومحنة العراقيين اليوم، ولكنه ذات دلالة ونموذج عن اول وافظع جريمة تهجير وتغييب جماعي يقوم بها نظام شوفيني وهو نظام صدام بحق مكون اصيل من الشعب العراقي اضافة الى حرمانهم من حقوقهم القانونية في ظل النظام الحالي ….
والمؤلم ان تلك الجريمة جرت حينها وسط صمت اصحاب العمائم البيضاء “وعاظ السلاطين” الذين لم تخرج فتاويهم من كفن الطائفية الا بعد زوال سلطانهم الجائر في العام 2003، وحصول مصائب التهجير الداخلي التي هم احد اسبابها وشركائهم “القطط السمان “ الساقطين من شجرة البعث الصدامي في احضان العملية السياسية في العراق .
“لطيفة”هي من عائلة كوردية كان قوامها يتكون من الاب، والام، واربعة اشقاء وثلاثة شقيقات، وكانت صاحبة المحنة قبل ان يتم ادخالها مستشفى العلوية متشردة تفترش الطريق في منطقة المنصور وبيدها قلم وكراس ترسم، وبعد تفاقم حالتها المرضية وعدم قبولها الاستقرار عند اصحاب القلوب الرحيمة والضمائر الحية التي كانت تهتم بحالتها تم ادخالها الى مستشفى “الرشاد للامراض العقلية”..
فـ “لطيفة” الطالبة المجتهدة بالثانوية في اواخر السبعينات كما روت عنها مدرستها السيدة “ليلى هاشم” كانت نموذج لضحايا من تخطاهم قدر التهجير من العراق… فهي وعائلتها عاشوا في دائرة الانتظار والحرب والخوف من المصير المجهول، فكان استشهاد شقيقها “نجم” في الحرب العراقية الايرانية اول المآسي، ومن ثم استشهاد اشقاءها الثلاث “ماجد وعادل واديب” باعدامهم امام دارهم بتهمة الهروب من الخدمة العسكرية .
وبعد تلك الفاجعة توفيت الام بسبب المرض لعدم قدرتهم المالية على شراء الدواء لها فلحقها الاب الى رحمة الله، وامام الحاجة باع اشقاءها الاخرين جز ء من دارهم فسرق اللصوص المبلغ فاصابهم مرض الجنون وكان نصيب “لطيفة” الشارع ، وصار “كامل” اصغر اشقاءها شخصاً انطوائياً يكسب رزقه من العمل في حدائق الجيران، وتوفيت شقيقتها الثانية بمرض السرطان اما شقيقتها الثالثة لا يعرف عنها شيء .
تقول مدرستهاالست الفاضلة “ليلى هاشم”، انها فوجئت في احد الايام قبل دخولها المستشفى بزيارتها، ورجتها قائلة “ ست انطيني شال وعباية أستر بيها نفسي….واريد دفتر وقلم ارسم واكتب مظلوميتنا” ثم غادرت رغم الحاحها عليها ان تبقى عندها، واختفت الى حين عرضت احدى الفضائيات تقريراً عنها فتسارعت ايادي الخير من العوائل العراقية فيلية وعربية الاسبوع الماضي كما اشارت السيدة “ليلى هاشم” فتطوعت لنقل “الضحية” الى المستشفى ورعايتها…
ونظراً لعدم وجود مستمسكات شخصية لديها وصعوبة اصدار وثائق جديدة لها، والحاجة الى من يوقع لها على اجراءات العملية، اوعز مشكوراً مدير صحة بغداد بتشكيل لجنة من الاطباء لاجراءها اثر توسط الاستاذ فؤاد علي اكبر ممثل “الكورد الفيليين” في مجلس محافظة بغداد.
مأساة الضحية لم تعد حالة وانما غدت ظاهرة من جرائم السياسة يعاني من ويلاتها الشعب العراقي وشعوب المنطقة وباشكال متنوعة .
وحين سقط الصنم في العام 2003 على يد الامريكان وليس بادعية المؤمنين ولا بازيز بيانات المناضلين، تأملت الضحايا خيراً وصبروا على جراحاتهم آملين من مناضلي الامس وسلاطين اليوم ان يلتفتوا الى معاناتهم، ولكن القوم اعمتهم الغنائم، وابعدتهم الابراج من النظر الى من ظل يدق ابوابهم لا طمعاً في سحتهم الحرام بل طلباً لحقوقهم التي سلبها منهم النظام السابق وتعامى عن ارجاعها النظام الحالي….