فرص الفيليين الضائعة – الجزء الخامس.. "ان نبقى عظاماً فقط خير لنا من ألاّ نبقى"
علي حسين فيلي/ نحن غير قادرين ان نبقي على أشياء خسرناها بل يجب ان نستخدم الأشياء المتاحة لنا بشكل أفضل ومن البديهي حل المشاكل التي تواجهنا بالقانون وبعيداً عن الضوضاء والاعتراضات الخشنة، ولكي تفهم قضيتنا يجب على من يريد ذلك ان يجرب ويكون فيلياً عندها سوف يعلم سبب كثرة الاعتراضات مقابل ما نواجه من اهمال.
ان المخاطب في كل زمان له خصوصيته ورؤاه، وهو اليوم لديه مزيج ثقافي متعدد القراءة له ارتباط وثيق مع الواقع الذي يعيشه بنواحيه كافة، وهنا سؤال يطرح نفسه لماذا الأطراف والجهات الفيلية بمختلف مسمياتها تواجه ازمة مع المخاطب؟ لابد ان ندرك في التاريخ الحديث والقديم العراق هبة الحكومات، والفيليون ضائعون بينها وفي وقت يقال انه بلا إمكانيات مادية لا تنفع الشعارات التي نرددها دائما عمّا تجرعانه لكي نصل الى ما نريد.
وفي ظل وجود ما يقارب بـ550 كيانا وتكتلا وتجمعا سياسيا وحزبيا- حسب إحصائيات مفوضية الانتخابات المستقلة- لغاية اليوم كم كيان فيلي موجود في هذا الكم الهائل من الكيانات السياسية؟، وفيما يقارب 400, 11 منظمة مجتمع مدني بعد 2003 - حسب وزارة الداخلية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية و مفوضية الانتخابات المستقلة، المتبقي منها 2523 بحسب احصائيات دائرة المنظمات غير الحكومة التابعة لمجلس الوزراء 2015- ما حصة الفيليين منها؟، ومن 220 صحيفة يومية و اسبوعية و شهرية - حسب نقابة الصحفيين - بشقيها الحزبي وغير الحزبي، كم منها تابع للكورد الفيليين (مع العلم تصدر اكثر من 30 صحيفة يومية فى بغداد) ، مع عشرات القنوات الفضائية والمئات المحلية ومحطات راديو ممولة من هنا وهناك حسب تصريحات هيئة الإعلام والاتصالات - كم عدد منها يمثل ثقافة ولهجة الكورد الفيليين؟ وهنا تجدر الإشارة ان الصحف الصادرة باسم الشريحة بعد عام 2003 والى الان لم تتمكن أي منها تجاوز عناوينها عدد اصابع اليدين، ولم تتمكن ايضا من الوصول لعتبة 100 عدد.
وجود أكثر من 11 الف مقر للأحزاب في العراق عدا اقليم كوردستان، بشكل رسمي أو غير رسمي حسب معلومات وزارة الداخلية كم منها يخص الفيليين كأن يكون مقر أو جمعية خيرية أو حتى تجمع سياسي، بالمحصلة نحن في ظل عدم وجود الامكانيات و ضعف التمويل المادي و المعنوي نخوض صراعا وحربا لسنا جاهزين لها، ويؤكد الكلام السابق ان ما نفكر به من دون مشروع مخطط او يستند على دعم مستمر في بلد 40% من شعبه يعيش تحت الخط الفقر و20% هم اناس اميون و لديهم 70 حزبا و كيانا قائما على اسس طائفية و قومية و أثنية بحتة و لا يرون غيرهم. لذا فإن تمويل أي مشروع مادياً كان او معنوياً وفي أي مجال حتى لو كان دعمه قليلا ويسيراً مع ضمان بقائه أفضل من مشروع يبدأ قوياً ويتراجع سريعاً ليصل بعدها الى الفناء ويخلف حالة من الاحباط.
هناك رأي يطرح بين الحين والاخر بان ينزع الكوردي الفيلي العباءة القومية او الطائفية وهذا هو الحل الوحيد لانتشال هذه الشريحة بحسب الراي، لكن السؤال الذي يدور بالوقت نفسه، كم ستكون النسبة السكانية او التأثير الديمغرافي للكورد الفيليين على الخارطة العراقية؟
ولو قمنا بعملية حسابية بسيطة للنسبة السكانية العراقية والبالغة اكثر من 35 مليونا، وقمنا بطرح من هذا العدد النسبة التقريبية للكورد الفيليين في العراق وهو رقم من الاستحالة تخمينه، يتبين ان الوجود الفيلي العام ليس بالمنظور الذي نراه، وقد تكون نتائج الانتخابات منذ 2003 خير دليل نستدل به.
وهناك راي يقول انه يتوجب على الشخص ان يكون متخصصاً في مجال معين ولا يخوض في اشياء ليست لديه خبرة بها، وما نحن بصدده هو استنتاج للخسارة التي منينا بها، وهناك شبه اجماع بالنسبة لمثقفينا وساستنا سواء كانوا في الخارج ام في الداخل حول مفهوم "الخسارة"، وبالمحصلة يجب علينا التركيز على اسباب تلك الخسارات المتلاحقة، وحتى السياسيين والمثقفين من الجيل الجديد يبررون ذلك كله بان الجهل انتصر على الظلم السابق، ويجب ان يتمّ الفصل بين هذين النقيضين، ولولا هذا لكان المجتمع قد تقبل تغيير النظام بعد عام 2003، وكانت الفرصة متاحة لهم آنذاك بان يجروا انتخابات نزيهة ليصلوا الى ما يريدونه ويحققون ما يؤمنون به.
وفي انتخابات عام 2005 عند اقتراع الناس بالصناديق المخصصة تقريبا وصلوا لمأمولهم، وتساءلوا بينهم وبين انفسهم ان بتلك الإجراءات البسيطة والتجربة الموفقة لا يحتاج المجتمع الى عنف وخصومة، غير ان المنجزات التي تحققت بتلك الانتخابات لم تدم طويلاً، وتصرفات السياسيين والمثقفين أصبحت اكثر "رديكالية"، وهذا التوجه ابتعد يوماً بعد يوم من العقلانية والحوار وتقبل الاخر، ومفاهيم الديمقراطية والايثار وتنازل بعضنا لبعض لم تعد لها معنى.
ولنعد الى ما ابتدأنا به وفي الانتخابات المذكورة أصبحت بالنسبة لنا ساحة مفتوحة ومزدحمة، وفيما تلاها من تلك التجربة كانت مثل حلبة للمنازلة فيما بيننا، وفيما جاء بعدها كان الباعة والعرض كثيران، ولكن المتبضعين قليلون مما دفعهم الى ان يصبحوا جلساء لمنازلهم مكتفين بعتمة الليل، وهنا أيضا يجب ان نتساءل للدورات الانتخابية المقبلة عمّن نتحدث ليحمل لواء هذه الشريحة.
ومن خلال تجربتي والتواصل مع الناشطين والمهتمين بقضيتنا، في يوم من الأيام قال لي أحدهم: قبل الانتخابات كنت أتصور ان ابلغ السماء بالأرض، وبعدها توصلت الى انه حتى اقربائي واحبائي، لم يقوموا بالتصويت لي.
الفيليون وقبل ان يفكروا بأية نتيجة يتحصلون عليها هم غرقى في بحور الآمال، وهذا ما يؤدي الى جرهم للكارثة التي يعيشونها، وقبل كل شيء يجب علينا ان نفكر بالتكلفة لكي نقوم بعدها بإنجاز ما هو مطلوب منّا.
بلا شك ان الانسان الذي ليست له القدرة على الابداع ففي بعض الأحيان يلجأ الى التخريب، انا أرى اننا ملزمون بالاعتراف بأن كتاباً ومؤرخين أمثال نجم سلمان، والدكتور علي باباخان، وغيرهم قدموا خدمة للشريحة أكثر من الساسة والمثقفين غير المنسجمين مع الواقع وليسوا ايضا بمنتجين، ومن الطبيعي أن يكون المتلقون عنهم كثيرين، وهذان الشاهدان على العصر ناقشا وبحثا في الجذور والهوية في بلد اجتثونا به، ومع ذلك سياسيونا ومثقفونا لا زلوا يسعون لنيل الثمار من ارض رفضتهم، ونبذتهم ودمرّت ماضينا، فإنها لن تفكر يوماً بان ترضي أولئك الساعين، ولن تنتهي تلك الدوامة ولن تسكن الا اذا تصارحنا فيما بيننا بالضعف الذي لحق بنا، وابي كان يقول دائماً "ان نبقى عظاماً فقط خير لنا من ألاّ نبقى