بين الثقافة والإدارة.. مسيرة مرواريد والكورد الفيليين

بين الثقافة والإدارة.. مسيرة مرواريد والكورد الفيليين محمد رضا مرواريد
2025-02-22 10:41

شفق نيوز/ لطالما شكّلت محافظة إيلام نقطة وصل ثقافية واجتماعية بين إيران والعراق، خصوصاً في سياق ما يجمع الكورد الفيليين على جانبي الحدود من أواصر اللغة والتاريخ والمصير المشترك.

ضمن هذا الإطار، يطلّ محمد رضا مرواريد بوصفه شخصية تحمل خبرات متنوعة في المجالين الإداري والسياسي بإيران، فضلاً عن كونه شاهد عيان على واحدة من أشد مراحل الاستهداف التي طالت الكورد الفيليين في العراق إبّان حكم نظام البعث.

وُلد مرواريد في إيلام عام 1957، وتخرّج في تخصصَي الهندسة الزراعية والإدارة، ثم انخرط في العمل الحكومي وتسنّم مناصب عديدة، من بينها محافظ محافظة إيلام لأربع سنوات، والمدير الإداري للشحن البحري الإيراني-الروسي، ونائبٌ في وزارتي الطرق والتنمية الحضرية وجهاد البناء.

كما شغل منصب رئيس الطاقم الخاص للرئيس بزشكيان خلال الانتخابات الرئاسية، وهو حالياً عضو في المجلس الاستراتيجي لرئاسة الجمهورية الإيرانية.

أولى مرواريد اهتماماً خاصاً بالجانب الثقافي، فأصدر قبل نحو ثلاثة عقود مجلة "هفتنامه پیک إيلام" التي كانت الثانية في المحافظة، مخصّصاً صفحات باسم "زوان ئيمه" (لغتنا)، بإشراف الأستاذ كامران رحيمي، لدعم اللغة والأدب الكوردي الجنوبي الفيلي في إيلام. وعلى مدى مسيرته العملية، دعم الفعاليات والأنشطة الثقافية، وسعى إلى تعزيز الروابط بين الكورد الفيليين في العراق ونظرائهم في إيران.

في هذا الحوار الذي أجرته معه وكالة شفق نيوز، يتحدث مرواريد عن جملة من القضايا المتعلّقة بالهوية الكوردية الفيلية، وتجربته الشخصية في بغداد زمن استهداف الكورد الفيليين، فضلاً عن رؤيته للواقع الثقافي والاجتماعي في محافظة إيلام.

مرواريد: بداية أود أن أشكركم على اهتمامكم بالقضايا الاجتماعية والثقافية في محافظة إيلام، آمل أن يُسهم هذا الاهتمام بالروابط اللغوية والثقافية بين الكورد الفيليين العراقيين والإيلاميين في تحقيق أقصى قدر من التنمية في مختلف المجالات.

- شكراً على إتاحة الفرصة لإجراء هذه المقابلة، نبدأ من مرحلة بدايات الأنشطة الصحفية والإعلامية في إيلام.

مرواريد: أتفق معكم في ضرورة تقسيم أنشطة الصحافة والإعلام في المحافظة إلى ثلاث فترات.

الفترة الأولى سبقت ظهور وسائل الإعلام الإقليمية، حيث كانت الأخبار المتعلقة بالمحافظة تُنشر بشكل متفرق، وغالباً ما انحصرت في تقارير الأداء الإداري أو الأخبار الرياضية. وبعد الثورة وفي أيامها الأولى، اكتسب هذا الإعلام طابعاً مناطقياً وسياسياً، ولم تكن هناك منشورات كوردية مستقلة بعيدة عن التوجهات السياسية، بل كانت في الأغلب منشورات حزبية تُوزّع في إيلام.

في ثمانينيات القرن العشرين، وبسبب وجود شخصيات من الكورد الفيليين ومكاتب بعض الأحزاب العراقية في المحافظة، ظهرت منشورات جرى توزيعها على نطاق واسع في العراق، وأحياناً كانت تُعاد طباعتها من قبل الكورد الفيليين المقيمين في إيلام وأقربائهم في المحافظة. يمكن القول إن جمهورها حينذاك كان من الناشئة والشباب المهتمين بالثقافة واللغة الأم، وهم ذاتهم الذين نشطوا في مجال الثقافة والأدب والصحافة الكوردية في إيلام خلال التسعينيات.

في تلك الأثناء، لم أكن قريباً جداً من تلك الأنشطة بسبب انشغالي في المجالين السياسي والإداري بمناطق أخرى، لكن في فترة الحرب الإيرانية - العراقية تداخلت نشاطاتي مع بعضهم، لوجودنا معاً في خط مواجهة البعث الصدامي.

- حدِّثنا عن وصول مجلة "هفتەنامە پیک إيلام" إلى الثقافة والأدب الكوردي.

مرواريد: في الثمانينيات، حصلتُ على ترخيص لإصدار مجلة "هفتەنامە پیک إيلام" باعتبارها المجلة الثانية في المحافظة، وتلاه السيد محمد حايري بالحصول على ترخيص مجلة "صبح إيلام". من خلال هاتين المطبوعتين تشكلت مساحة إعلامية في إيلام، ودخلت مجلة "پیک إيلام" على نحو متواصل حقل اللغة والثقافة الكوردية عبر تخصيص صفحة بعنوان "زوان ئيمه= لغتنا".

- في حديث سابق، وصفتَ إيلام بأنها "المركز الذهبي للصحافة الكوردية والكتابة الكوردية في إيران". ماذا تقصد بذلك؟

مرواريد: في البداية، انقسمت الأنشطة الثقافية والصحفية الكوردية في إيران إلى مجالين متوازيين:

الأول في كوردستان، ويعود تاريخه إلى قرابة مئة عام.

الثاني في المنطقة الكوردية الجنوبية، وينطلق إلى العقود الثلاثة أو الأربع الماضية، أي مع تسفير الكورد الفيليين إلى إيران وإيلام تحديداً، وبدء الحرب الإيرانية - العراقية في الثمانينيات، والأعوام التي تلتها عند إصدار الصحف الإقليمية.

آنذاك، لم تكن محافظة كرمانشاه قد دخلت جدّياً في هذه الأنشطة، باستثناء مجلة "آوينه" الشهرية التي أطلقت قسماً للكوردية الجنوبية والفارسية كملحق باسم "بيستون"، وأعيد إصدارها لاحقاً بسبب وجود الكورد الفيليين والإيلاميين في مكتبها الرئيس، وبالتعاون مع ناشطين ثقافيين من كرمانشاه وإيلام. كذلك كانت مجلة "سروه" الشهرية في أروميا تتابع نشاطاً مشابهاً بشكل متفرق.

لكن الانتشار الأوسع لهذا النشاط ومواظبته بدأ في إيلام، ويعود الفضل في ذلك إلى "زوان ئيمه= لغتنا" التي أدارها السيد كامران رحيمي، وقد أدّت دوراً خاصاً في هذا المضمار.

- وبصفتك محافظاً سابقاً لإيلام، ما الإجراءات التي اتخذتها في المجالين الثقافي والاجتماعي واللغوي؟

مرواريد: تعلمون أن محافظة إيلام تضم حالياً مكونات من الكورد واللور واللك والعرب، وجميعهم يعيشون جنباً إلى جنب في تآلف كامل منذ قرون. وبما أن العدد الأكبر من السكان هم من الكورد، لا سيما في مركز المحافظة، فمن الطبيعي أن يكون إنتاجهم الثقافي أكثر بروزاً نظراً للإمكانات المتاحة لهم.

خلال فترة ولايتي، كنت أحرص على المشاركة في جميع الفعاليات الثقافية التي تخصّ المجموعات العرقية في المحافظة، وأعدّها جزءاً من التنمية الثقافية. بعض هذه الفعاليات كانت تتعلق بحفلات توقيع الكتب المنشورة، وبعضها الآخر مثل حفل تأبين "محمد رحيم خان كرد"، الذي حظي بالتكريم كواحد من أعلام المحافظة.

- كيف ترون توجهات الأعمال الكوردية اليوم؟

مرواريد: تُعدّ الثقافة واللغة الكوردية من المكوّنات الأصيلة للثقافة الإيرانية. وفي المادة 15 من الدستور، أُجيز تعليم اللغة الكوردية. ولو عدنا إلى تاريخ المنطقة، لوجدنا أنه في الوقت الذي كانت فيه الهوية الكوردية مخفية في تركيا وسوريا والعراق، منحت إيران هذه الفرصة للمكوّنات العرقية. آمل أن تعمل وزارتا التعليم العالي والتربية على توسيع الأرضية اللازمة لتعليم اللغة الكوردية.

ولحسن الحظ، هناك نظرة ثقافية عامة للعمل الكوردي في إيلام. تعمل حالياً عدة مؤسسات رسمية في هذا المجال، ويُديرها أشخاص متعلّمون وواسعو الاطّلاع، وآمل أن تستمر هذه العملية العلمية والثقافية في إعادة تعريف هويتنا المحلية، وأن تتعاون الجهات المعنية في هذا الصدد.

- أخبرنا عن تدابير أخرى اتُّخذت في هذا السياق.

مرواريد: إن اللغة هي أبرز المؤشرات الثقافية وربما أهمها. لكن إلى جانب اللغة، لا يمكن إهمال إقامة تماثيل لشخصيات مثل "غلام رضا خان أركوازي" كشاعر وصوفي من إيلام، و"ولي محمد أوميد" المعروف بـ"فردوسي إيلام" وصاحب ملحمة "ميمك". فضلاً عن تكريم نشطاء المحافظة المهتمين بالموسيقى والفنون الأخرى، إذ ينبغي الاعتناء بهم في إطار شامل للنهوض بالثقافة والفن في إيلام.

- ماذا عن وسائل الإعلام؟

مرواريد: نظراً لأن شبكات التواصل الاجتماعي وفّرت مجالاً واسعاً للناشطين الثقافيين للعمل بحرية نسبية، فمن المتوقع أن يسعى مدراء القنوات والمجموعات الافتراضية والناشطون الثقافيون إلى ردم الفجوات قدر الإمكان، تفادياً لأن يستغل بعض الأفراد هذه المنصّات لطرح أنفسهم أبطالاً أو قادة للأنشطة الاجتماعية والثقافية الكوردية، بما قد يُشوِّه المساحة الصحية القائمة.

- خلال فترة توليك منصب المحافظ، كنت حاضراً باستمرار في حفل تأبين 20000 شهيد من الكورد الفيليين في طهران. لماذا؟

مرواريد: إن تكريم الشهداء واجبٌ علينا دائماً، ومنهم شهداء الكورد الفيليين الذين قُتِلوا ظلماً نتيجة التطهير العرقي واللغوي لنظام البعث الصدامي. لقد حرصتُ على حضور هذه الفعاليات على الدوام، لكنني أتمنى أن يُعاد النظر في هذه الإبادة الجماعية الكبيرة والمهملة، التي حصلت منذ نحو نصف قرن ضد هذا الشعب النبيل والأصيل المقيم في بغداد وشرق دجلة. لا بد من دراستها أكاديمياً، لتحصيل حقوقهم الدولية، وليحظوا بدعمٍ دوليٍّ مستمر بوصفهم شعباً معرضاً لخطر الإيذاء.

للأسف، لعدة عوامل من بينها البيروقراطية المعقدة والعجز المالي عن المتابعة، ما زال آلاف منهم في إيران والعراق محرومين من الحصول على الجنسية في كلا البلدين. وهذا لا يليق بإيران ولا بالعراق، خصوصاً بعدما صار منصب رئيس جمهورية العراق بعد سقوط صدام بيد شخصية كوردية، ورئيس الوزراء شخصية شيعية، وغالبية البرلمان من الكورد والشيعة معاً، وهما الصفتان اللتان يمتلكهما الكورد الفيليون، واللتان تسببتا في العداء التاريخي لصدام ضدهم.

- يُقال إن والدك كان على علاقة جيدة بالكورد الفيليين العراقيين؟

مرواريد: نعم، كان ذلك لأسباب عائلية وأسباب تتعلق بإقامته فترة في العراق قبل الثورة وبعدها. كانت علاقته بالكورد الفيليين العراقيين ممتازة، وكان يذكرهم دائماً بالخير. لقد درس والدي في النجف لفترة عام 1969، مع بداية حكم البعثيين. عشتُ أنا شخصياً في العراق لمدة عام، ودرستُ في المدرسة الابتدائية الإيرانية في الكاظمية ببغداد، وتزامنت تلك الفترة مع أشد الضغوط التي فرضها النظام البعثي على الكورد عامة، وعلى الكورد الفيليين خاصة، متّهماً إياهم بأنهم إيرانيون لتبرير استهدافهم.

في تلك الأيام، عُرفت الحملات باسم "کوردبگیر" أي (أمسِك الكوردي)، إذ كان النظام يلاحق الكورد الفيليين في العراق ويعتقلهم أو يزجّ بهم في السجون أو يُعدمهم أو يشرّدهم إلى إيران. وكان يُقبض كل يوم على العشرات في أحياء مختلفة من بغداد، حتى إن عمي الذي كان يقيم هناك اضطُر إلى الاختباء في منزلنا في الكاظمية قرابة ثلاثة أشهر، ثم تمكن من العودة إلى إيران.

آنذاك، ومن خلال قرارات تعريب الكورد الفيليين، أجبر العديد منهم على إخفاء هويتهم العرقية واللغوية تحت أغطية عشائرية عربية، واتخذوا لأنفسهم أسماء عشائرية عربية مثل الحداد، الصفار، السراج، الصحّاف وغيرها، كي يتجنبوا الإبادة الجماعية البعثية. وبعد الحرب العراقية الإيرانية، تبيّن أن بعضهم اكتُشف وأُعدم، وبعد سقوط صدام ظهرت المقابر الجماعية لشبابهم. أما الذين تمكنوا من اللجوء إلى الكويت وسوريا وإيران بشق الأنفس، فقد بدأوا إعادة بناء حياتهم من جديد.

ولحسن الحظ، بعد سقوط صدام، استعاد الكورد الفيليون قدراً من التعافي. كذلك شاركوا في العمل السياسي ضمن مجالس المدن والمحافظات الواقعة شرق دجلة، من واسط إلى السليمانية وأربيل وكركوك. والآن باتت شوارع المدن الفيلية الأصيلة مزدانة بأسماء بعض القبائل الكوردية الفيلية كعشائر أركوازي وشوهان وملكشاهي.

وقبل سنوات، شهدت النجف اجتماعاً لوجهاء الكورد الفيليين مع أحد كبار علماء النجف. ونأمل أن نرى يوماً بعد يوم تطوراً كمياً ونوعياً للغة الكوردية، وخاصة اللهجة الفيلية، بما ينعكس إيجابياً على محافظة إيلام وسائر أنحاء البلاد.

00:00
00:00
Shafaq Live
Radio radio icon