العنصرية لاحقت الفيلية حتى في السويد. استشهاد لافين وصفي اسكندر!
رزاق عبود/ سمعنا سابقا عن ان مئات العراقيين الفيلية يعانون من عدم البث في قضايا لجوئهم بسبب عدم حيازتهم لوثائق شخصية، بعد ان هجرهم نظام صدام الفاشي في ليل اسود مقتلعا اياهم من بين اهلهم، وذويهم، واصحابهم، وجيرانهم، واعمالهم، ومساكنهم. صودرت ممتلكاتهم، وسحبت منهم وثائقهم الشخصية، واستولى الاوباش على معظم ثرواتهم. لكن اقسى ما عانوا منه هو التنكر لوطنيتهم، ومواطنتهم. اقتلعوا من ارضهم، التي عاشوا فيها، وناضلوا، وقاتلوا من اجلها، وساهموا بجهودهم، ودمائهم، واموالهم، وتضحياتهم في بناء تاريخها، وحضارتها، وتقدمها. القوا على الحدود مع ايران، وسلبهم الجحوش الزيباريون، ما استطاعوا اخفائه من قليل مال، او صيغة بسيطة. "عراق صدام" تنكر لهم، واعتبرهم من اصول ايرانية، وطابور خامس، و"ايران الاسلامية"، تركتهم في العراء، واعتبرتهم جواسيس للعراق.
اضطر الالاف منهم، وبشتى الطرق الوصول الى سوريا، او اوربا لانهم عراقيون اصلاء، ولا يشعرون بأي انتماء لايران، التي مسخت تاريخهم، وتنكرت لهم رغم اعتناقهم لنفس المذهب، الذي تدين به سلطة الملالي في طهران. في اوربا عانى الكثير منهم الامرين لاثبات، عراقيتهم، ومظلوميتهم، ومن اجل حق اللجوء. في السويد استقر الكثير منهم، وانسجموا مع اهلها، ومع بقية العرقيين بشكل خاص. وكما كانوا في العراق صاروا هنا في المقدمة في الابداع، والفن، والموسيقى، والتجارة، والعمل، والسياسة، والعلم، وكل المجالات، التي توفرها الديمقراطية السويدية، وهم يحملون في عروقهم تاريخ عريق لوادي الرافدين، وقدرة عجيبة على التكييف، والابداع.
عندما قامت ثورة 14 تموز 1958هبت جماهير العراق، خاصة جماهير بغداد لحماية الثورة، ودعمها. وكان عگد الاكراد، الذي يسكنه الفيلية سباقا، فانطلقوا في مقدمة الجموع للدفاع عن الثورة، عندما قامت عصابات 8 شباط 1963 للقضاء على الثورة. سكان عگد الاكراد الفيلية اول من وصل الى "وزارة الدفاع" للدفاع عن الثورة، وزعيمها المحاصر، الذي صرعه الفاشيون في مبنى الاذاعة العراقية مع بقية رفاقه. عگد الاكراد، والفيلية اخر معقل للمقاومة سقط في بغداد بعد ان قاتل الناس بكل ما وصلت اليه اياديهم. لكن كيف يمكن لحي شعبي اعزل ان يقف بوجه الدبابات، والمدافع، ووحوش الحرس القومي الفاشي.
مثل اجداده، واعمامه، واقاربه، واهله، وعشيرته، مثل فيلية عگد الاكراد في بغداد انطلق الشاب الوديع (لافين) ليدافع عن طلابه الصغار بوجه الهمجي العنصري، الذي يحمل سيفا ليذبح كل من يصادفه، من اللاجئين، وابنائهم. جاء يذبح الاطفال العزل في مدرسة امنة، لكن الشاب الفيلي "لافين" كان له في المرصاد، ومثل اهله في بغداد عام 1963 لم يفكر بنفسه، ولا حياته، بل اعتبر مهمته هي حماية الاطفال الذين كانوا بعهدته. غيره كان سيهرب بنفسه، لكن "لافين" لم يفعل ذلك. انه ليس مثل الاخرين، تلقى طعنات العنصري الحاقد، وحمى بجسده الربيعي الشاب اجساد الاطفال الغضة. تصارع مع الموت، ادى واجبه بشرف، ونال مفخرة الشهادة. صار اسمه على لسان كل سويدي، وكل اوربي، وربما في مناطق عديدة من العالم. كل الاذاعات، ومحطات التلفاز تتغنى باسمه، وتشيد ببطولته، وتمتدح ايثاره، وعزمه. ترك ورائه ارثا خالدا في مدينته الهادئة "ترولهيتان" وفي بلده السويد حيث ولد، وتعلم، وعمل، وحلم، ان يكون في الاعالي، في المقدمة، بجده، وجهده، وعلمه، وتربيته، واخلاقه، وتفوقه، وتضحيته، فسمى مع الملائكة تاركا عائلة مفجوعة، وام ثكلى، واب مكلوم، ومصاب اليم، وخبر يصعب تصديقه. صدمة لم يفق منها الكثيرون بعد. ترك ورائه لوعة، وألما، وحيرة، وحسرة، وقهرا، وحزنا لا يسعه القلب، ولا يتحمله العقل، وجرحا لاتشفيه كل عبارات المواساة، ولادموع الفجيعة. رحل الطير الوديع "لافين" مسجلا مأثرة اخرى للفيلية، وكأنه يدون مأساة جديدة لقوم لازال حقهم مغبونا، وابنائهم مشردة، ليذكرنا بالجرح النازف بعد اختطاف نظام المجرم صدام الاف الشباب الفيلية من احضان اهلهم، وغيبهم في المقابر الجماعية. وهاهي العنصرية الحاقدة تغيب الشاب الفيلي اليافع "لافين" وتنتزعه من احضان اهله، من صدر امه، من عناق ابيه، من حنان اخوته، ولا تترك لهم سوى صوره الجميلة، ومأثرته الخالدة، وحزن اسود، وقهر يشبه قهر اهله في عاشوراء الحزين. ستبقى خالدا، وستبقى، صورك تزين شوارع المدن السويدية، والعراقية. ستبقى خالدا، ابيا، عصيا على الفناء متل حي الاكراد في بغداد. مثل عراقيتهم الابية، وتضحياهم الزكية. نم قرير العين، ولابويك، واهلك، واقاربك، واصدقائك، ومحبيك، وطلابك، ومعلميك، صبرا على فراق العزيز الوديع، ومفخرة مجيدة لعريس مقاومة الارهاب، والتعصب. سنزفك كل يوم، وكل عام لمجدك التليد.
"لافين" لن نقول وداعا فانت في قلوبنا ابدا!