الشهداء الفيليون ثمن المواقف الوطنية
رخشان جبار الفيلي/ تحل هذه الأيام الذكرى السنوية السادسة والثلاثين على تغيب الاف من شباب الكورد الفيليين ، في كل عام . تخيم على قلوبنا مشاعر من الألم والتوجع على ضحايانا الأبرياء ومعها مشاعر من الغضب على نظام بربري جمع بين الإستبداد والعنصرية وعدم التسامح وعلى اعداء الانسانية ، ذلك النظام الشوفيني البائد أستطاع بكل بساطة من تغيب حياة اكثر من عشرين الف مواطن من مواطنيه بعد اعتقالهم والتي كانت تضم اعدادا غير قليلة من المثقفين والعقول النيرة ومن مختلف شرائح المكون ومن ثم قتلهم غدراً بعد سنوات طويلة من الإعتقال . مقابل سكوت المنظمات الدولية والعربية .
وظلت الام كما يقول الشاعر
عطشَ أصابعَ باحثةٍ في التربةِ، في الصخر
عطشي، عطشك
عطشَ مظلومٍ مدفونٍ من غير صلاةْ
منْ غير بكاءْ
من غير الكفن يغطّي بقايا الأضلاعْ
لقد دفع الفيليون ثمناً باهضاً لمواقفهم الوطنية والدينية التي شهدها العراق وتعرضوا لكل هذه المظالم ولم يغيروا مواقفهم الثابتة تجاه دينهم الحنيف .
ان الكثير من الظلم والحيف الذي مسنا يخفف كل الفواجع ويلغي كل المحن التي سببها عمدا للعراقيين النظام البائد ، وتعرضهم للمضايقات وللصهر القومي ألقسري على يد السلطات المتعاقبة خلال فترات طويلة أشدها قسوة في فترة سنوات حكم البعث في السبعينات والثمانينات ، الفضائع التي ارتكبت بحق الفيليين كانت سياسة بمنهجية تعكس سلوكية النظام الطاغوتي وحزبه الفاشي بسبب هويتهم وانتمائهم القومي والمذهبي وطمعا بقوتهم التجارية والاقتصادية وثقلهم في الشارع العراقي. ان نضال الكورد الفيليين في العراق سجله التاريخ باحرف وضاءة ، ولشهدائنا صفحة بيضاء طاهرة في تاريخ العراق الدامي ، اما في اقليم المحبة والجبال الشم كوردستان فقد كان للكورد الفيليين الدور الريادي لتشكيل الاحزاب الكوردية المناضلة وقدموا الدماء الزاكية للدفاع عن الحقوق القومية والوطنية .
وهم في ازمة العراق الحالية يعصرهم الالم مما يجري و يمثلون الحل لا المشكلة بين الاطراف المتصارعة في العملية السياسية . من المفروض ان تكون هناك آلية لعبور المرحلة وخطط تستعجل معاناة ومداواة جراح ابناء الشعب التي اخذت بالتعمق بعد زوال النظام المباد ، ويفترض ايضا ان يكون من يتبوأ المراكز العليا في الاجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية يمتلك من الضمير المنصف ما يدعو للاطمئنان والارتياح ، ووضع الحلول الجذرية بدل الحلول الجزئية وأنصاف الحلول بعد مرور كل هذا الوقت الطويل ، الكورد الفيلي سعى للخير والفلاح على مر السنوات رغم المعاتاة من اجل مستقبل زاهر لابناء شعبه.وهو من المكونات الكبيرة التي تسكن هذا الوطن ، ويتشكل من عشائر مختلفة ، لقد ثبت لكل صاحب ضمير ومن يتابع التاريخ ماهية هذا الشعب الابي في التفاني والاخلاص و وطنيتهم وحرصهم على انتماءهم لا عبر المواقف السطحية انما عبر طبيعة الهوية التي يحملونها ومن خصائص تركيبة اصيلة ونفسية اجتماعية متفانية و تطلعات فكرية وسياسة زاخرة و في تاريخ موثق يثبت تقيمهم وجودهم الانساني والقومي ووضوح الانتساب لهذه الارض بكل مفردات اخلاصهم وعطاأتهم وعيشهم السليم وتفانيهم المخلصة والمحافظة على عقائدهم الدينية والمذهبية التي يتشرفون بالانتماء لها . وفي ابشع انتهاك للشرائع السماوية والدنيوية وللأعراف الأخلاقية والمواثيق الدولية عمدت الأجهزة القمعية آنذاك، وبإيعاز مباشر من رأس السلطة ، إلى حرمان الآلاف منهم من حقهم في المواطنة العراقية التي اكتسبوها أبا عن جد ، ونهبت أموالهم وممتلكاتهم وتركوا على الحدود عرضة لمصير مجهول . ومن تبقى منهم رُحَّل إلى سجن نقرة السلمان وابي غريب الرهيب والى سجون أخرى واختفى الكثيرون منهم ومازال مصيرهم مجهولا حتى اليوم .. الحكم الطاغوتي لم يجعل جرائمه تقتصر على الخصوم السياسيين بل شملت النساء والأطفال والشيوخ والأبرياء من الشبان والرجال لبث الهلع والخوف باعتبارهما من أدوات تثبيت السلطة الفردية .
و الحديث عن دورهم في الحركة السياسية العراقية التي قد اطروها بالذهب بكل شموخ في التاريخ القديم والحديث وبصفحات من نور بعد ان اختلطت دمائهم ، وقدمت هذه الامة ولازالت قوافل من الشهداء الذين طرزوا صفحات التاريخ العراقي بفخر واعتزاز ، و ساهموا في مجالات الحياة كافة وفي بناء الثقافة والفنون والسياسة. ومن الخطأ تحويل قضاياهم إلى إجراءات جزائية وإدارية بين دوائر الجنسية واخراجهم من التبعية في وزارة الداخلية ، وسرعت انجاز معاملاتهم في وزارة الخارجية والسفارات في بلدان الهجرة وغيرها من الوزارات من جهة كما حصل مثلا بالنسبة لقضية الممتلكات غير المنقولة العائدة لهذه الامة الكريمة بتحويلها من قبل الدولة إلى أملاك متنازع على ملكيتها بين أفراد هم أصاحبها الشرعيين الأصليين ومالكيها الحاليين والتي أدت إلى مشاكل لايسمح المجال لذكرها في هذا الموضوع وكلفتهم مبالغ كبيرة وإجراءات إدارية روتينية وقضائية هددت حياتهم لم ينتهى البعض منها لحد الان.
نحن اليوم امام مسؤولية يجب ان لا تؤدي بنا إلى الاستسلام وفقدان الأمل واللامبالاة بل على العكس يجب أن تدفعنا إلى التفكير الجدي بعيدا عن العواطف لتشخيص أخطائنا ونواقصنا ونقاط ضعفنا وأن تحفزنا على أن نواصل جهودنا بأساليب مختلفة وأن نثابر أكثر من السابق إلى أن يتم إحقاق حقوقنا وإنصافنا ونحصل على معلومات عن شهدائنا الإبرار ويتم رد الاعتبار إليهم والينا. علينا برص صفوفنا وترتيب بيتنا وتقييم مسارنا.
وفي الختام لتكن هذه المناسبة الأليمة مناسبة إستذكار لكل الضحايا الأبرياء من أبناء العراق الذين فقدوا حياتهم ظلماً تحت خيمة الإستبداد . الذكر الطيب وننحني إجلالاً واكراماً للشهداء وللبطولة التي تحلوا بها والمجاهدين الذين ما زالوا يحملون راية الدفاع عن العرض والمقدسات .
تحية اجلال واكبار لشهداء الكورد والكورد الفيليين