مصرف سويسري متورط بتداول "أموال قذرة" لزعماء ومسؤولين عرب

مصرف سويسري متورط بتداول "أموال قذرة" لزعماء ومسؤولين عرب
2022-02-21T12:26:51+00:00

شفق نيوز/ كشفت صحيفة ألمانية، يوم الاثنين، عن تورط مصرف سويسري بتداول مليارات الدولارات من "الأموال القذرة" لزعماء وسياسيين وشخصيات عامة عربية، في ما يعد انتكاسة جديدة لثاني أكبر مصرف سويسري.

واستندت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية، إلى بيانات من مصرف "كريدي سويس" حصلت عليها من مصدر لم يكشف عن هويته، وقامت بتحليل المستندات بالاشتراك مع إذاعتي "إن.دي.إير" و"دبليو.دي.آر" وشركاء إعلاميين آخرين بينهم صحيفة "غارديان" و"لوموند" و"نيويورك تايمز".

وبينت أن مصرف "كريدي سويس" استمر على مدار سنوات عديدة في قبول أموال حكام "مستبدين" من دول عربية وأفريقية وآسيوية، وتجار مخدرات وأشخاص يشبته في ارتكابهم جرائم حرب وتجار بشر كعملاء.

وبعد سنة صعبة يواجه مصرف "كريدي سويس" منذ مساء الأحد، أزمة جديدة بعدما اتهمه تحقيق صحفي تجريه وسائل إعلام دولية عدة، باستقبال أموال مصدرها الفساد أو اوساط الجريمة إلا ان المصرف السويسري "رفض تماما" هذه الاتهامات.

وفي رد على الصحيفة، نفى المصرف الاتهامات وقال وفقا لما نقلته الصحيفة "كريدي سويس يلتزم خلال ممارسة أعماله بالقوانين والتوجيهات العالمية والمحلية المعمول بها".

وأشار إلى أن جزءا كبيرا من الحسابات تم إغلاقه منذ فترة طويلة، وذكر البنك اليوم أن "التقرير يستند إلى معلومات غير كاملة وغير دقيقة أو معلومات انتقائية اقتطعت من سياقها، مما تسبب في تفسيرات متحيزة لسلوك العمل الخاص بالبنك"، موضحا أن 90% من الحسابات أغلقت بالفعل.

وأضاف البنك "سنواصل تحليل الأمر واتخاذ إجراء إذا كان هذا ضروريا".

وحسب تقرير الصحيفة، تعطي المستندات معلومات عن حسابات أكثر من 30 ألف عميل من كل أنحاء العالم، وأفاد التقرير بأن مجرمين فتحوا حسابات وتمكنوا من الاحتفاظ بها بعد ذلك "حتى مع أن البنك تمكن من أن يعرف منذ فترة طويلة أنه يتعامل مع مجرمين".

وتضمنت البيانات مديرا سابقا في شركة "سيمنس"، قال التقرير إنه امتلك في بعض الأحيان ستة حسابات أحدها كان به ثروة تزيد عن 54 مليون فرنك سويسري (نحو 51.66 مليون يورو)، وهو مبلغ لا يمكن تفسيره من خلال راتبه السنوي في "سيمنس".

وذكر معدو التقرير البحثي أن المدير السابق نفى ارتكابه أي سوء سلوك دون أن يوضح من أين حصل على هذه الملايين. وذكرت وسائل الإعلام المشاركة في إعداد التقرير أن البنك رفض الإجابة على أسئلة محددة عن الواقعة وعن حسابات أخرى مثيرة للشك لكنه أكد أنه يتبع "أعلى المعايير السلوكية".

وقال المصدر الذي يكشف عن هويته للبيانات "أعتقد أن السرية المصرفية السويسرية غير أخلاقية.. حجة حماية الخصوصية المالية مجرد ستار لتغطية الدور المخزي للبنوك السويسرية كشركاء للمتهربين من الضرائب".

أموال عربية

وبالاستناد إلى بيانات أكثر من 18 ألف حساب في هذا المصرف منذ مطلع أربعينيات القرن الماضي وحتى نهاية 2010 تفيد  مجموعة  (Organized Crime and Corruption Reporting Project OCCRP) التي تضم 47 وسيلة إعلامية من بينها صحف "لوموند" و"ذي غارديان" و"ميامي هيرالد" و"لا ناسيون"، من المصرف السويسري "استقبل أموالا مرتبطة بالجريمة والفساد على مدى عقود" على ما ذكرت "لوموند" .

وأضافت الصحيفة الفرنسية أن ذلك أتى "على حساب الضوابط المعتمدة في المصارف الدولية".

 واستندت OCCRP على بيانات سلمتها مصادر لم يكشف عن هويتها قبل أكثر من سنة بقليل إلى صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" بشأن حسابات تعود إلى 37 ألف شخص بقيمة إجمالية تزيد عن مئة مليار دولار "من بينها ثمانية مليارات مرتبطة بزبائن حددوا على أنهم يطرحون مشكلة" على ما ذكرت "لوموند".

وأضافت لوموند أن عدة مؤسسات إعلامية ضمن OCCRP قدمت نفسها على أنها "زبائن أثرياء يسعون إلى معاملة متكتمة" تلقت عرضا يسمح بفتح حساب مجهول الهوية وإنشاء شركات قابضة مع أسماء مستعارة وهي وسيلة للحلول مكان الحسابات المشفرة التي لا تحمل أسماء وهي ممارسة في طريقها إلى الزوال في سويسرا.

وغالبية الأشخاص الذين تولت OCCRP بياناتهم يأتون من دول نامية لا سيما إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا وأميركا الجنوبية فيما لا يشكل المودعون الذين يقيمون في أوروبا سوى 1 % من المجموع وفق "لوموند".

وبين هؤلاء العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ورئيس كازخستان قاسم جومارت-توكاييف فضلا عن موظفين كبار في دول عربية عدة "أخرجوا كميات كبيرة من الأموال من بلدانهم ابان +الربيع العربي+" على ما أوضحت الصحيفة.

وتغطي هذه المعلومات حسابات بقيمة 100 مليار دولار، اضافة إلى أن الحسابات التي أثارت الشكوك تضمنت أصولا تزيد قيمتها على 8 مليارات دولار. وفقا للمشروع كان هذا أكبر تسريب للبيانات من بنك سويسري عريق.

ومن بين أصحاب هذه الحسابات؛ رئيس المخابرات اليمنية المتورط في التعذيب، وأبناء رجل أذربيجاني "قوي"، وتاجر مخدرات صربي، وموظفون بيروقراطيون متهمون بنهب ثروة فنزويلا النفطية.

زعماء وقادة عرب

قال التحقيق إنه اكتشف عشرات "الشخصيات المشكوك فيها" ضمن البيانات، بعضها مرتبط بمسؤولين حكوميين. كان من بين المدرجين على قائمة حساباتهم لدى البنك ابنا الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك والملك الأردني عبد الله الثاني.

وفقا لما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز"، كان لدى الأخوين مبارك 6 حسابات في بنك "كريدي سويس"، بما في ذلك حساب مشترك "تضخم" إلى نحو 196 مليون دولار في عام 2003.

وكان الزعيم الوحيد الذي لا يزال في منصبه، هو ملك الأردن عبد الله الثاني، والذي امتلك - وفقا للبيانات المسربة - 6 حسابات سويسرية أيضا، بما في ذلك حساب كان يحتوي على أكثر من 224 مليون دولار في عام 2015.

وذكر التحقيق أن زوجته الملكة رانيا امتلكت حسابا تجاوز 40 مليون دولار في عام 2013، لكنه أغلق هذه الحسابات في عامي 2015 و2016.

ومع ذلك، أشار التحقيق إلى أن معظم الأموال الموجودة في أكبر حسابات الملك كانت من عائد بيع طائرة في مايو/ آيار عام 2015 مقابل 212 مليون دولار، وكان الباقي "ثروته الشخصية" التي ورثها عن والده الملك السابق واستثمرها منذ ذلك الحين.

أظهرت البيانات المسربة أيضا أن الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، والذي أطيح به من الحكم في عام 2019 وتوفي عام 2021، كان لديه حساب مشترك مع عدد من الأقارب يمتلك به 1.1 مليون دولار في 2005.

كما امتلك سلطان عمان قابوس بن سعيد، الذي حكم لما يقرب من 5 عقود حتى وفاته في عام 2020، حسابين؛ أحدهما كان يحتوي على ما يقرب من 126 مليون دولار في عام 2003 والآخر به 57 مليون دولار في عام 2015.

وأظهرت البيانات أنه في عام 2003، فتح أقارب عمر سليمان، رئيس الاستخبارات المصرية في عهد مبارك، حسابا مشتركا وصلت مدخراته إلى 52 مليون دولار بعد بضع سنوات. توفي سليمان في عام 2012، لكن الحساب ظل مفتوحا حتى عام 2016.

كما فتح سعد خير، قائد وكالة المخابرات الأردنية بين عامي 2000 و2005، حسابا وصل رصيده إلى 21.6 مليون دولار قبل إغلاقه بعد وفاته في عام 2009.

ماذا قال البنك

تضمن التسريب معلومات عن أكثر من 18 ألف حساب مصرفي، ظل العديد منها مفتوحا حتى عام 2010، بينها حسابات تتضمن مئات الملايين لشخصيات عربية شهيرة.

رد البنك في بيان الأحد: "يرفض كريدي سويس بشدة المزاعم والتلميحات بشأن الممارسات التجارية المزعومة للبنك. المسائل المعروضة تاريخية في الغالب".

وأضاف أنها تعود في بعض الحالات إلى أربعينيات القرن الماضي، وتستند حسابات هذه الأمور إلى معلومات جزئية أو غير دقيقة أو انتقائية مقطوعة من سياقها، مما أدى إلى تفسيرات متحيزة لسلوك البنك التجاري.

وأشار إلى أن نحو 90% من الحسابات التي خضعت للمراجعة أغلقت - أو كانت في طور الإغلاق - قبل أن تتواصل الصحافة مع البنك، مضيفا أنه أغلق أكثر من 60% منها قبل عام 2015.

مع ذلك، قال مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد، في بيان على موقعه على الإنترنت: "نعتقد أن العشرات من الأمثلة التي ذكرناها تثير تساؤلات جدية حول فعالية كريدي سويس والتزامه بالوفاء بمسؤولياته".

عند سؤالهم عن سبب وجود العديد من هذه الحسابات، أشار موظفو "كريدي سويس" الحاليون والسابقون إلى ثقافة العمل التي حفزت على المخاطرة لتحقيق أقصى قدر من الأرباح.

وقال المؤسس المشارك للمشروع بول رادو في بيان: "لقد رأيت في كثير من الأحيان مجرمين وسياسيين فاسدين يمكنهم تحمل تكاليف الاستمرار في القيام بأعمالهم كالمعتاد، بغض النظر عن الظروف، لأنهم على يقين من أن مكاسبهم غير المشروعة ستظل آمنة وستظل دائما في متناولهم".

ليست الفضيحة الأولى

التحقيق الدولي هو الأحدث في سلسلة الانتكاسات التي عانى منها بنك "كريدي سويس" أخيرا. في مارس/ آذار 2021، تعرض البنك لضغوط بعد انهيار شركة "غرينسيل كابيتال" التي دعمها بنحو 10 مليارات دولار. وتكبد أكثر من 5 مليارات دولار بسبب انهيار صندوق "أركيغوس" الأمريكي.

في سويسرا، كان موظف سابق لدى البنك من بين المتهمين في محاكمة فساد كبرى بدأت لتوها، وتنطوي على مزاعم غسل الأموال والجريمة المنظمة في بلغاريا. قال البنك إنه سيدافع عن نفسه بقوة في المحكمة.

يرى الخبراء أن قوانين السرية المصرفية الصارمة في سويسرا تُسكِت فعليا المطلعين أو الصحفيين الذين قد يرغبون في كشف المخالفات داخل أحد البنوك السويسرية.

قال مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد إن مجموعة إعلامية سويسرية لم تتمكن من المشاركة في التحقيق بسبب خطر الملاحقة الجنائية.

 

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon