"أخطر" داعشية تخلع النقاب وترتدي بنطالاً ضيقاً
شفق نيوز/ استبدلت المتشددة الفرنسية إيميلي كونيغ بنقابها وعباءتها السوداء سروالا أسود ضيقا، وأسدلت ضفيرتها الشقراء الطويلة على كتفها في مخيم روج شمال شرق سوريا، مؤكدة أنها تفعل هذا من أجل تأكيد رغبتها في العودة إلى فرنسا.
وكونيغ (36 عامًا)، وهي أشهر داعشية فرنسية، محتجزة لدى المقاتلين الكورد منذ 2017، حين ألقي القبض عليها في منطقة الشدادي في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا خلال معارك بين القوات الكوردية وتنظيم داعش، الذي كان يسيطر آنذاك على مساحات شاسعة من سوريا، وهي متهمة بالتجنيد والدعوة لتنفيذ هجمات في الغرب.
وأدرجت الأمم المتحدة كونيغ على لائحتها السوداء للمقاتلين الأكثر خطورة، ثم الولايات المتحدة على لائحتها "للمقاتلين الأجانب الإرهابيين".
منذ احتجازها، شوهدت مرة واحدة عام 2018 دون عباءة وحجاب، وذلك في شريط فيديو وزعته وحدات حماية الشعب الكوردية، وطلبت كونيغ فيه من السلطات الفرنسية التدخل لإعادتها إلى بلادها التي تركتها في 2012 لتلتحق بـ"الخلافة".
تقول كونيغ تعليقًا على زيها الجديد "أرتدي (هذه الملابس) من أجل نفسي وبطريقة تسمح لي بالتعود عليها بعد عودتي.. بجميع الأحوال لن أتمكن من ارتدائه (النقاب) بعد عودتي إلى فرنسا"، وفق ما نقلت فرانس برس.
وتأمل كونيغ التي ارتدت النقاب قبل سنوات، وشاركت في تظاهرات للدفاع عنه في فرنسا، أن تعود في بلادها إلى عملها في مجال المحاسبة الذي كانت تعمل فيه قبل مغادرتها.
وتقول "لا يمكنني ارتداءه في المهنة التي أريدها، وكنت أمارسها".
ويوجد في مخيمي روج والهول الواقعين تحت إشراف المقاتلين الكورد الذين كانوا رأس حربة في قتال داعش في سوريا، الآلاف من أفراد عائلات التنظيم الأجانب.
وقبل بضعة أسابيع، شاركت كونيغ لأيام معدودة في إضراب عن الطعام مع نساء فرنسيات أخريات محتجزات معها للضغط على باريس من أجل استعادتهن.
وكانت كونيغ قد أرسلت مطلع العام الحالي أطفالها الثلاثة، وهم صبي في السادسة من عمره وطفلتان توأمان (أربعة أعوام)، إحداهن تعاني من مشاكل تنفسية، إلى فرنسا، حيث تركت منذ سنوات ولدين هما اليوم في الرابعة عشرة والسادسة عشرة من زواج أول، وقد أنجبت أطفالها الثلاثة الآخرين من زواجين في سوريا، أحدهما مع فرنسي قتل في المعارك، والآخر مع بلجيكي.
وتقول كونيغ: "جزء مني مات دون أطفالي".. وتضيف: "منذ ذهابهم، لا يمر يوم دون أن أفكر بهم، أتمنى أن ألقاهم يومًا، ونجلس نحن الستة حول طاولة واحدة"، وتمسح دموعًا من عينيها اللتين كانت تغطيهما نظارات شمسية.
وفي مخيم روج الذي بات مرادفًا خلال الأعوام الماضية لصور نساء منقبات، شاهد فريق صحفي خلال زيارته الأحد، مشهدًا جديدًا لمجموعة من النساء المتبرجات حاسرات الرأس، اللواتي يرتدين سراويل وألوانًا زاهية مبتسمات أمام الكاميرا.
خلف سياج حديدي تنتشر وراءه عشرات الخيم البيضاء، كانت ست نساء أجنبيات، عرفن عن أنفسهن بأنهن فرنسيات، يتبادلن الحديث.. وصرخت إحداهن "نريد أن يتم ترحيلنا"، وقالت أخرى "نريد العودة".
وباستثناء واحدة منهن غطت شعرها وارتدت ثيابًا ضيقة ونظارة شمسية، بدا أن الأخريات تخلين عن غطاء الرأس، ومن حولهن، لا تزال غالبية النساء يرتدين العباءة والحجاب.
وتوضح مسؤولة في المخيم فضلت عدم الكشف عن اسمها أن إدارة المخيم "منعت إخفاء الوجه وارتداء الملابس السوداء"، وهو ما يفسر ارتداء غالبية النساء عباءات واسعة ذات ألوان غامقة، كالبني والأخضر والأزرق.
وترى أن النساء اللواتي انتقلن إلى اللباس العصري "يحاولن إيهام وإقناع حكوماتهن بإعادتهن"، معتبرة أنهن غير صادقات وقلة منهن فقط "يعشن الندم" فعلًا.
ويأوي المخيم، وفق ما تشرح المسؤولة 800 عائلة من الأوروبيين ومئة عائلة سورية وعراقية.
وتقول: "نحاول نقل الأشخاص الأكثر خطرًا (إلى روج)، ومن حاولوا الهرب مرات عدة، لتخفيف الضغط عن الهول"، المخيم الآخر في شمال شرق سوريا الذي يضم أفراد عائلات المتشددين الذين قتلوا في المعارك، أو هم مسجونون في معتقلات لدى المقاتلين الكورد.
وقرب باب يؤدي إلى سوق المخيم، وقف طابور طويل من النساء يرتدين العباءات تتقدمه سيدة وضعت نظارة شمسية وتركت شعرها الأسود منسابًا على كتفيها.. وما إن يفتح الحرس الباب، حتى تركض النسوة باتجاه المحال ومنهن من وضعن كمامات طبية على وجوههن.
وتبدو التدابير الأمنية في روج أكثر صرامة من مخيم الهول الذي يكتظ بنحو 60 ألف شخص، بينهم بضعة آلاف من الأجانب، ويشهد حوادث أمنية عدة من جرائم قتل ومحاولات فرار دفعت قوات سوريا الديمقراطية الى بدء حملة أمنية واسعة النطاق فيه منذ الأحد.
بعد اعتناقها الإسلام، بدأت كونيغ مشوارها في عالم التشدد، وكانت تقف أحيانًا قرب أحد المساجد في فرنسا لتوزيع منشورات تدعو إلى "الجهاد".
وفي 2012، قبل مغادرتها إلى سوريا، استدعيت للمثول أمام محكمة فرفضت نزع النقاب وتشاجرت مع أحد الحراس.
وفي سوريا، ظهرت إيميلي في أشرطة فيديو دعائية، وتوجهت في أحدها لابنيها في فرنسا قائلة: "الجهاد لن ينتهي ما دام هناك أعداء للتغلب عليهم".
أما اليوم، تشدد إيميلي أنها نادمة، نافية أن تكون تورطت في انتهاكات التنظيم المتشدد الذي زرع الموت والرعب في أماكن سيطرته، وتقول: "بالطبع أنا نادمة، لأن الأمر دمر حياتي كلها.. أريد العودة لينتهي ذلك.. أريد أن أحارب من أجل أطفالي".
وتضيف: "أعلم أن هذا الكابوس سينتهي".
ومنذ إعلان القضاء على التنظيم المتشدد في آذار/مارس 2019، تطالب الإدارة الذاتية الكردية ذات الإمكانات المحدودة، الدول المعنية باستعادة مواطنيها المحتجزين في سجون ومخيمات أو إنشاء محكمة دولية لمحاكمة المتشددين في سوريا.
وحثت الأمم المتحدة 57 دولة على إعادة رعاياها بلا تأخير، إلا أن فرنسا وبضع دول أوروبية أخرى اكتفت باستعادة عدد محدود من الأطفال اليتامى.
وتعيش 80 امرأة و200 طفل فرنسي في مخيمي روج والهول، ويدعو أقارب هؤلاء ومنظمات دولية فرنسا إلى إعادتهم إلى البلاد.
وتكرر باريس أنها تعتمد سياسة دراسة كل حالة على حدى.
وتقول إيميلي "يجب أن يأتوا أكثر وأن يمحصوا في (أوضاع) الجميع فعليًا، ثم يدرسوا كل حالة على حدى كما يقولون".
وتشكو من قلة العناية الصحية في المخيم، وتقول إنها تعاني من أوجاع في خاصرتها وركبتيها، وتتحدث عن فقدان أسنانها.
وتضيف: "أنا سجينة هنا، لا أستطيع الخروج… والظروف المعيشية صعبة".
ولا تقتصر المعاناة في المخيم على نقص الأدوية والمساعدات الغذائية، بل تشمل غياب البنى التحتية الخدمية الأساسية.
وتكرر الإدارة الذاتية الكوردية نداءاتها الى المجتمع الدولي والمنظمات لمساعدتها على تحمل التكاليف وتأمين احتياجات المخيمات.
وإن كانت إيميلي تؤكد أن غالبية الفرنسيات اللواتي تعرفهن يرغبن بالعودة إلى فرنسا، تخشى أخريات السجن في بلادهن وتفريقهن عن أطفالهن، مفضلات التريث في المطالبة بالعودة.
لكن إيميلي تكرر: "أريد العودة إلى فرنسا وإصلاح أخطائي، لا يهمني إن قبل بي الناس أم لا".