3 كيلومترات من أجل قطرة ماء.. العطش يجتاح جنوب العراق (صور)

3 كيلومترات من أجل قطرة ماء.. العطش يجتاح جنوب العراق (صور)
2025-07-25T08:12:22+00:00

شفق نيوز- بغداد

يقطع صادق عاشور، من قرية آل ملال مع أبنائه بين يوم وآخر مسافة 3 كم من أجل الاستحمام بماء نظيف، حيث يعيش عاشور في هذه القرية التي تبعد نحو 12 كم عن قضاء الشطرة التابع لمحافظة ذي قار جنوبي العراق.

وفي هذه القرية النائية، يبدو كل شيء معطلاً بسبب الجفاف الذي أدى إلى توقف الزراعة التي تُعد المصدر الأساسي للأهالي.

قصص من الواقع

وفي هذا الصدد، يقول صادق لوكالة شفق نيوز، إن "منذ العام 2021 والمنطقة تعاني من شحة المياه بعد انقطاعها التام"، مبيناً أن "الجميع يشرب ويسقي الحيوانات من خلال سيارات المياه السطحية التي تأتي إلى القرية بين حين وآخر حيث نشتري الماء".

"كانت هناك معالجات حكومية محدودة، وقد رفدتنا العتبة العباسية قبل سنوات عدة بمشروع مياه التنقية الـ RO، بعد تبين أن الأمر كان مؤقتاً، فمنذ شهر آذار من العام الحالي وحتى الآن لم يصل القرية مياه الشرب، وأصبح سكانها يقطعون مسافات بعيدة من أجل الوصول إلى مكان بيع الماء صالح للاستحمام والشرب"، هذا ما يرويه عاشور.

وتسبب جفاف الأهوار والأنهار بتضرر العديد من القرى في محافظتي ذي قار وميسان، وأدى إلى تدهور الأوضاع المعيشية لسكان القرى والأرياف.

وكانت وزارة الموارد المائية قد أكدت في وقت سابق، أن الجفاف يمثل تحدياً كبيراً، وأنها تعمل على اتخاذ الإجراءات اللازمة لتخفيف آثار الجفاف على المناطق الحيوية.

هجرة السكان

بينما، يقول جاسم الأسدي، مسؤول منظمة طبيعة العراق، إن "الأهوار في جنوب العراق تشهد جفافاً حاداً وغير مسبوق منذ العام 2021"، مبيناً أن "مناسيب نهر الفرات في قضاء الجبايش بمحافظة ذي قار انخفضت ووصلت إلى (55 سنتيمتراً) بعد أن كانت تبلغ (194 سنتيمتراً) في العام 2019".

وفي حديث للوكالة، يضيف أن "هذا الانخفاض يؤدي إلى قلة إغمار مساحات الأهوار بالمياه، إذ لا يتعدى الإغمار الحالي نسبة 25% من حاجة الأهوار، فيما غزا الجفاف أيضاً البحيرات الواسعة الكبيرة في هور الحويزة كبحيرة أم النعاج والسناف”، مؤكداً أن “مربي الجاموس ينتقلون أربع مرات في العام الواحد ويغيرون سكنهم تبعاً للمياه، وأن هناك هجرة للسكان المحليين إلى خارج مناطق الأهوار، لأن للجفاف تأثيراً مباشراً على المناطق الزراعية المتاخمة للأهوار التي تضررت بشكل كبير، إضافة إلى تعرض السكان للإصابات بالعديد من الأمراض الجلدية".

ويصف الأسدي وضع المياه في الأهوار والأنهار بـ "الكارثة"، خاصة وأن كمية المياه في السدود الرئيسية تبلغ أقل من 8 مليارات متر مكعب، و هي النسبة الأقل في العراق منذ 80 عاماً.

وتشكو القرى والمناطق المتاخمة للاهوار من العطش وانعدام الزراعة والأمراض المختلفة، وامتدت التأثيرات إلى التنوع الإحيائي والاقتصاد بعد تعذر صيد الأسماك وقص الحشائش والقصب.

ويعزو خبراء المياه أسباب الجفاف إلى سوء إدارة الجهات المسؤولة عن ملف المياه وتبذير الخزين المائي في زراعة الشلب، والوصول إلى درجة الاكتفاء بمحصول الحنطة.

وكان الخبير المائي عادل المختار قد أوضح في تصريحات سابقة لوكالة شفق نيوز، أن العراق شهد أمطاراً غزيرة وبلغ الخزين المائي في السدود خلال العام الماضي 21 مليار متر مكعب، إلا أن سوء الإدارة كان وراء تبديد المياه، الأمر الذي تسبب بأزمة جفاف كارثية.

خسائر ملحوظة

بدوره، يؤكد عضو مجلس النواب العراقي حسن وريوش، خلال حديثه للوكالة، أن "العراق يمر بأسوأ موسم جفاف، إذ وصل الخزين الاستراتيجي إلى أقل من 9 مليارات متر مكعب بسبب سوء إدارة ملف المياه".

ويشير إلى أن "قلة الاطلاقات المائية من قبل وزارة الموارد المائية إلى الأهوار والأنهار التي تتفرع عنها أثرت بشكل كبير على مرافق الحياة، ووصلت مناطق جنوب الناصرية إلى مستويات غير مسبوقة ألقت بظلالها على الجانب المعيشي لسكان هذه المناطق، وأدت إلى هجرة واسعة".

ويتابع وريوش، قائلاً إن "هجرة السكان شملت مناطق أخرى جنوب الناصرية كانت تعتمد على الأنهار التي جفّت هي الأخرى، فيما لا توجد مياه جوفية بهذه المناطق".

من جانبه، يرى مدير زراعة ذي قار، محمد عباس، أن الخسائر في الثروة الحيوانية والمائية بلغت مستويات مقلقة، مشيراً إلى نفوق أكثر من 14 ألف رأس من الجاموس منذ بدء موجة الجفاف وحتى الآن، بالإضافة إلى هلاك نحو 85% من الثروة السمكية في الأهوار، وهي نسبة تُعد مرتفعة للغاية.

وفي ذات السياق، يؤكد الاكاديمي، نجم الغزي، أن "85% من المياه التي تصل مدينة الناصرية هي مياه مجاري وبزل"، لافتاً إلى أن "99% من المدينة تعتمد على نهر الغراف الذي أصبح ساماً بسبب قلة الإطلاقات ومياه المجاري العالية دون أن يتم اتخاذ أي تدابير ومعالجات لهذه المشكلة".

وتُعد مناطق الحمار والجبايش والشيب والدجيلة من أكثر المناطق تضرراً بسبب الجفاف، والتي نزح غالبية سكانها إلى مناطق أخرى.

الأسوأ منذ أجيال

في حين، يقول الحاج رضوان عبد علي، إنه لم نشهد موسم جفاف مثل هذا الموسم، فلا يوجد ماء للشرب والزراعة وسقي الحيوانات، ما يضطرنا إلى قطع مسافات بعيدة لشراء الماء، وهذه الظاهرة ليست جديدة، بل الماء الصافي لم نره منذ 2023.

ويشير في حديثه للوكالة، إلى "نزوح عدد كبير من العوائل باتجاه مركز مدينة الناصرية بعد أن تضررت مصالحهم ولم يبق لديهم ما يعتاشون به".

ووفقاً لعلي، فإن النزوح الجماعي الحالي من منطقة الجبايش والفهود والمناطق الأخرى المجاورة يذكرنا بالهجرة الواسعة للأهالي خلال فترة الثمانينيات بعد قطع النظام السابق المياه عن الأهوار وأدى إلى جفاف تام أرغم الأهالي على النزوح".

ويذهب المختصون، في حديثهم بالإشارة إلى ضرورة اعتماد معايير علمية وتبني سياسة مائية مستدامة تعتمد على ترشيد الاستهلاك وتطوير أنظمة الري، واستخدام تقنيات زراعية حديثة لمنع تكرار أزمة المياه في العراق.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon