هل ينتهي داعش مع فقدانه أراضي "دولة الخلافة"؟
شفق نيوز/ فقد تنظيم داعش مساحات شاسعة من الأراضي، فضلا عن المقاتلين والأموال، نتيجة الهجمات الروسية والتركية والعراقية والسورية والكوردية، وكذلك الهجمات الجوية الأمريكية، فماذا يعني هذا لتلك الجماعة الإسلامية المتشددة؟ وهل انتهى التنظيم؟
في 13 أغسطس/ آب من هذا العام، حررت بلدة منبج في شمال سوريا من تنظيم داعش. وبعد رحيل آخر مقاتل للتنظيم، ثارت المدينة، فجلس الرجال عند نواصي الشوارع يحلقون لحى بعضهم بعضا، ومزقت النساء النقاب الذي كن يرتدينه وأضرمن النار فيه، وأشعلت امرأة عجوز سيجارة وهي تضحك والدخان يخرج من فمها.
وكان تنظيم داعش يحظر كل هذا قبل ذلك. وفقد التنظيم مدنا أخرى أيضا، مثل كوباني في سوريا وتكريت والفلوجة والرمادي في العراق.
لكن ما مجموع الأراضي التي فقدها التنظيم؟
أصدرت مجموعة "أي اتش إس" الاستشارية خرائط تظهر المناطق التي يسيطر عليها التنظيم حاليا. وتقول إن مساحة الأرض التي فقدها التنظيم تعتمد على الطريقة التي تقيس بها تلك المساحة.
يقول فراس أبي علي، محلل رئيسي بالمجموعة: "إذا قمت بتضمين الصحراء، فإن التنظيم قد فقد نحو نصف ما كان يسيطر عليه قبل بضع سنوات."
لكن ربما يكون من المفيد أن ننظر إلى المدن التي فقدها. ففقدان السيطرة على مدن مثل منبج يعني عدم قدرة التنظيم على الوصول إلى الحدود التركية، ما يعني تجفيف إمدادات التنظيم من المقاتلين الأجانب والأسلحة والذخيرة.
وفقدان المدن يعني فقدان المال أيضا.
يقول أبي علي: "عندما تسيطر على الأرض والناس، يمكنك الوصول إلى الإيرادات. يمكنك ابتزاز السكان. وفقدان السيطرة على الأرض يعني فقدان الوصول إلى هذا القدر الكبير من النقود وقلة الأموال المتاحة."
يرى أبي علي أن التنظيم فقد نحو ثلث قدرته على كسب المال، ويتوقع أن يهزم التنظيم عسكريا في أواخر عام 2017.
والسؤال المهم الآن هو ما إذا كان التنظيم قادرا على استعادة بعض من هذه المدن. وتكمن الإجابة على هذا السؤال جزئيا في الدعم.
سيطر التنظيم على مسقط رأس حسن حسن في سوريا قبل بضع سنوات، وهو الآن محلل بمعهد التحرير في واشنطن العاصمة.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، كان حسن يتحدث بانتظام إلى مقاتلي التنظيم على الإنترنت، ويقول إنه قد لاحظ شيئا جديدا.
يقول حسن: "إنهم يشعرون بالقلق بكل تأكيد. يمكنك أن تشعر بأن كثيرين فقدوا الروح المعنوية والحماس الذي كان لديهم عام 2014 عندما انضموا للتنظيم لأنه كان "الخلافة" وكان يتوسع."
والآن مع تقلص "الخلافة"، يرحل آلاف المقاتلين. وجنبا إلى جنب مع أولئك الذين قتلوا في المعارك، يعتقد حسن أن التنظيم فقد نحو نصف مقاتليه.
وهناك أيضا أولئك الذين لم يقاتلوا مع التنظيم لكنهم دعموه أو على الأقل تغاضوا عن أفعاله، وهم ليسوا كثيرين لكنهم بالعدد الكافي الذي يجعل التنظيم قادرا على احتلال العديد من المدن. وهذا الوضع يتغير الآن أيضا.
يقول حسن: "الناس داخل سوريا والعراق لم يفهموا تنظيم داعش في البداية، لكنهم يفهمونه الآن. لم يعد الناس يتحدثون عن التنظيم بنفس الطريقة التي كانوا يتحدثون بها عنه في عام 2014."
ويبدو أن التنظيم نفسه يتقبل موقفه الجديد والأضعف عن ذي قبل، وبدأ يتحدث في نشرته الإخبارية باللغة العربية والتي تحمل اسم "دابق" عن التراجع.
يقول حسن: "لقد بدأوا إعداد مقاتليهم نفسيا للتراجع إلى الصحراء. إنهم يظهروا مقاطع فيديو لأعضاء التنظيم وهم يقاتلون في الصحراء، وهذه المقاطع جديدة."
وهناك تساؤلات أيضا حول ما يعنيه فقدان الأراضي والمقاتلين والمال في قدرة تنظيم داعش على شن هجمات.
يعكف سيث جونز، مدير مركز سياسة الأمن والدفاع الدولي بمؤسسة راند للأبحاث، على دراسة وثائق تنظيم داعش التي عثرت عليها القوات العراقية والأمريكية في سوريا والعراق.
يقول جونز: "تنظيم الدولة الإسلامية يتحول من منظمة تسيطر على مساحات كبيرة من الأراضي إلى جماعة إرهابية تشن هجمات على أهدافها."
في عام 2014، كان هناك ما يتراوح بين 150 و200 هجوم. وفي بعض الأشهر من عام 2016، كان هناك ما يقرب من 400 هجمة، حسب جونز.
ويضيف: "إنهم يحاولون تشجيع الناس الذين يعتقدون أن التنظيم آخذ في التراجع على مواصلة القتال. ومن أجل إظهار ذلك، لا يزالون موجودين ولا يزالون يستهدفون 'الكفار' ".
ويقول جونز إن وثائق أخرى للتنظيم تظهر أنه يريد مهاجمة الدول المشاركة في العمليات ضده؛ مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا. لكن انخفاض الموارد المالية يجعل من الصعب عليه القيام بذلك.
وبالتالي يعتمد تنظيم داعش بشكل متزايد على دفع الناس لتنفيذ هجمات باسمه، ما يعني أنه لا يتعين على قادته أن يكونوا العقل المدبر للمؤامرات المعقدة. ويملك التنظيم فروعا له في الخارج أيضا: في نيجيريا وأفغانستان والسعودية والجزائر ومصر، وكذلك أجزاء من أوروبا. لكنه تحت التهديد هناك أيضا.
وهذا يثير سؤالا: إلى متى يمكن للتنظيم الاستمرار في التشجيع على الهجمات ونشر أيديولوجيته؟ هل يأتي اليوم الذي يفقد فيه قوته؟
يقول جونز: "في مرحلة ما سوف تتوقف تلك الهجمات على الأرجح، إذ بدأ التنظيم يخسر أكثر وعلى نطاق واسع. ومن غير الواضح متى سيحدث ذلك للتنظيم. لا أعتقد أن ذلك حدث الآن، لكن من الممكن حدوثه بالتأكيد على المدى القريب أو المتوسط."
ويعتقد كثير من الخبراء أن الأمر بات مجرد مسألة وقت قبل أن يفقد التنظيم أهم المدن التي يسيطر عليها: الموصل في العراق والرقة في سوريا. وإذا حدث ذلك، فماذا بعد؟
يقول فواز جرجس، مؤلف كتاب "تنظيم الدولة الإسلامية: تاريخ": "حتى لو تفككت أراضي ما يسمى بالخلافة فهذا لا يعني نهاية التنظيم."
ورغم أن تنظيم داعش يشترك في أيديولوجيته مع غيره من الجماعات المتشددة، مثل تنظيم القاعدة، فإنه يختلف في شيء رئيسي واحد، وهو أنه لم يتحدث فقط عن الخلافة الإسلامية ولكنه احتل مدنا وأزال حدودا وأعلن أخرى. وبذلك فإن التنظيم، حسب جرجس، قد شجع "الحركة الجهادية" العالمية.
يقول جرجس: "من المرجح أن يطارد نموذج الخلافة مخيلة الجهاديين لسنوات عديدة قادمة."
إذا ما تأثير كل ذلك على تنظيم داعش؟
قبل عام، لم يتوقع أحد أن يفقد التنظيم كل هذا بهذه السرعة. ولأنه سيفقد المزيد من الأراضي خلال الأشهر المقبلة، فمن المحتمل أن يفقد المزيد من المقاتلين.
فكيف سيكون هناك تنظيم داعش بدون دولة؟
فهل انتهى تنظيم داعش؟ نعم، سوف يفقد التنظيم خلافته. لكن ستبدأ العمليات المسلحة بعد ذلك.
بي بي سي