نيجيرفان بارزاني وانتخابات 25 شباط: ما وراء الخبر
شفق نيوز/ تاريخ 25 شباط/ابريل 2024 المحدد من اجل اجراء انتخابات برلمان اقليم كوردستان، ليس مجرد موعد لمناسبة سياسية، هو باب للمشاركة الشعبية في انتخابات الدورة السادسة لبرلمان الإقليم، ربما ما كان سيفتح لولا جهود حثيثة بذلها رئيس الاقليم نيجيرفان بارزاني، تطلبت منه كالعادة حنكة المهارة السياسية في تخطي العديد من المطبات والعراقيل والخلافات.
صحيح ان الوضع القائم حاليا لم يكن طبيعيا بالنظر الى ان آخر انتخابات برلمانية للاقليم كانت في العام 2018، وهي الخامسة منذ العام 1992، ثم تأجلت الانتخابات السادسة منذ اكثر من عام، الا انه كان من الواضح ان رئاسة الاقليم، بشخص نيجيرفان بارزاني، كانت تتحرك طوال الوقت، تارة من اجل كسر جليد الفتور، وتارة من اجل فتح الابواب المغلقة، وتارة اخرى من اجل طرح الحلول والتسويات.
ويقول مراقبون ان الاعلان أخيرا عن موعد 25 شباط 2024، يمثل نجاحا لاقليم كوردستان وقدرته على انتاج مسيرته الديمقراطية، وخياراته السلمية، وقدرة قواه السياسية والاجتماعية، على التعايش والتنافس بحرية، وانتاج هياكل السلطة القادرة على ادارة شؤونهم، الا ان تحديد موعد الانتخابات يمثل برأيهم أيضا نجاحا شخصيا وسياسيا لبارزاني في خضم العواصف والتحديات الداخلية والاقليمية التي تحيط بالإقليم نفسه.
وكان برلمان الاقليم مدد في تشرين الاول/ اكتوبر 2022، مدد دورته عاما اضافيا مؤخرا بذلك الانتخابات التي كان من المفترض ان تجري في ذلك الشهر، وذلك في ظل خلافات كانت ظاهرة امام القاصي والداني، خصوصا بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني، ثم جرى الاعلان عن موعد جديد للانتخابات في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، ثم الاعلان عن الموعد الجديد في 25 شباط المقبل.
وتسبب تأجيل الانتخابات اكثر من مرة، في صدور انتقادات داخلية وخارجية، خصوصا من عواصم غربية ومنظمات حقوقية، ما كاد يثير شكوكا في قدرة الاقليم على ادارة عمليته الديمقراطية.
وبدا ان الخلافات بين الحزبين الرئيسيين تتمحور حول آلية الانتخابات وتوزيع الدوائر بين مدن الاقليم. لكنها ايضا كانت مجموعة من الملفات المتراكمة من الخلافات التي احتاج نيجيرفان بارزاني الى تسويتها تباعا منعا لانسداد العملية السياسية والافق امام مستقبل الاقليم، وهو حراك أثمر اختراقا بتحديد الموعد، وايضا لفت انتباه العواصم الغربية التي انهالت ببيانات الاشادة والترحيب والتفاؤل.
وكان من الضروري امام بارزاني طرق ابواب كل الاحزاب السياسية في الاقليم، وليس فقط الاتحاد الوطني الكوردستاني، حيث فتحت قنوات التواصل والتشاور ايضا مع احزاب وقوى حركة التغيير، والاتحاد الإسلامي، وجماعة العدل، والشيوعي الكوردستاني وحزب العمال والكادحين.
ولت، بنظر نيجيرفان بارزاني، تلك الايام التي كان الحزبان الرئيسيان يتقاتلان فيها، مثلما جرى خلال التسعينيات. الا ان المراقبين يشيرون الى ان العديد من الخلافات، كانت قائمة، وهي ظاهرة طبيعية بنظر بارزاني في العمل السياسي وفيما يتعلق بالشأن العام.
وبصفته رئيسا لكل اهل الاقليم، فان بيت الرئاسة هو بيت الجميع، وليست مسألة حياة او موت تلك المتعلقة بحصص حزبه، الديمقراطي الكوردستاني، او بحصة "الخصم الطبيعي" المتمثل بالاتحاد الوطني الكوردستاني، اذ يتمتع الاول ب45 مقعدا في البرلمان الحالي، ويحظى الثاني ب 21 مقعدا".
فبنظر رئيس الاقليم، فان المهم ان تجري العملية الانتخابية بنجاح، وتحقق المراد منها، بما يساهم في تخطي الخلافات القائمة منذ شهور عديدة بين الحزبين حول الميزانية وإدارة صادرات الموارد النفطية وتقسيم الدوائر الانتخابية والشؤون الامنية والعلاقات مع بغداد وغيرها، وخصوصا ايضا ما هو مرتبط بالتوتر الاقليمي سواء في ما يتعلق بالملف التركي او الايراني.
وقبل عشرة ايام، وجه نيجيرفان بارزاني، بإطلاق مباحثات مع القوى السياسية في الاقليم، بغية تحديد موعد اجراء الانتخابات التشريعية في الاقليم، حيث رحبت الجهات السياسية بهذه الخطوة، وأبدت استعدادها لدعمها وإنجاحها، وهي وصفت جهود رئيس الاقليم من اجل وحدة الصف الداخلي والموقف والخطاب السياسي تجاه المسائل المصيرية، بانها "مهمة".
ووفق هذه التوجيهات، وقبلها، عقد الحزبان الرئيسيان كما في 9 تموز/يوليو الماضي، اجتماعات عدة سواء في اربيل او السليمانية، من اجل بحث الملفات العالقة بينهما. وفي 31 تموز/يوليو، اتفق الحزبان على حماية كيان الاقليم وحقوقه الدستورية، وذلك خلال اجتماع في منزل الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، واتفقا ايضا على دعمهما لخطوة اجراء انتخابات الاقليم في موعد يحدده رئيس الاقليم نفسه، بعد التشاور مع القوى السياسية.
ولاقى هذا التفاهم الحزبي ترحيبا امريكيا سريعا، حيث قالت القنصلية الامريكية في اربيل، انها تتطلع الى "رؤية تقدم حيث يجتمع الطرفان ويتفاوضان بشأن القضايا المتبقية لصالح شعب كوردستان العراق".
وبعد هذا الاجتماع الحزبي، اصدر نيجيرفان بارزاني الخميس الماضي، مرسوماً اقليمياً يقضي بإجراء انتخابات برلمان كوردستان في دورته السادسة بتاريخ 25 من شهر شباط من العام 2024. وقال المتحدث باسم رئاسة الاقليم دلشاد شهاب ان "على الجهات ذات العلاقة التعاون والتنسيق مع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لتنفيذ هذا المرسوم".
وفيما يمثل انتصارا سياسيا للاقليم، وللرئاسة بشكل خاص، تدفقت رسائل وبيانات الترحيب من البعثات الدبلوماسية الاجنبية، داعين الى الالتزام بالموعد الانتخابي الجديد، وخصوصا من السفيرة الامريكية لدى العراق ألينا رومانوفسكي التي قالت ان انتخابات حرة ونزيهة وفي الوقت المناسب ضرورية لأي ديمقراطية سليمة.
كما صدرت بيانات الاشادة من سفارات وقنصليات دول مثل كندا وهولندا وايطاليا وبريطانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي الذي دعا "الجميع الى التعاون من اجل انجاح العملية" الانتخابية.
ومن المعلوم ان قانون الانتخابات في الاقليم ينص على تسمية رئيس الاقليم الجديد وتشكيل الحكومة من قبل الكتلة التي تحصل على العدد الاكبر من مقاعد البرلمان خلال الانتخابات، تحت اشراف مفوضية الانتخابات الاتحادية في بغداد وتتم مراقبتها من جانب بعثة الأمم المتحدة.
ويعتقد المراقبون ان الانتخابات بحد ذاتها لن تكون خاتمة المشكلات والازمات، لكن من المؤكد ان صناديق الاقتراع التي ساهم نيجيرفان بارزاني في الاستعداد لفتحها في 25 شباط المقبل، تمثل الطريق الأمثل والاسلم لمعاجلة التحديات، من تطوير الوضع الاقتصادي والمعيشي لاهل الاقليم، ومعالجة الخلافات المتراكمة مع بغداد حول الميزانية وموارد النفط والغاز ومبيعاتها، بالاضافة الى تعدد الاجهزة الامنية والعسكرية في الاقليم والتي تضغط عواصم غربية من اجل توحيدها ورفع كفاءتها، الى جانب التعامل مع التحديات الامنية التي لا يزال يمثلها الارهاب، والعلاقات التي تشتعل احيانا مع انقرة وطهران، بسبب قضايا حزب العمال الكوردستاني او تمركز فصائل ايرانية في الاقليم، وهي كلها قضايا يبدو نيجيرفان بارزاني قادرا على موازنتها سواء بحكم تمتعه بعلاقات طيبة اقليميا، او بادارته الواعية لملفات الخلافات الداخلية مع القوى السياسية في الاقليم.