إنهاء أزمة وفضح ضغوط.. تعرف على كواليس الاتفاق النفطي بين بغداد وأربيل
شفق نيوز- بغداد/ أربيل
يشكّل الاتفاق التاريخي بين الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كوردستان لاستئناف تصدير النفط الخام عبر خط الأنابيب العراقي-التركي، خطوة محورية لإنهاء خلافات طويلة أثرت بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني وحياة ملايين العراقيين، خاصة في الإقليم الذي شهد توقفاً لأكثر من عام ونصف في تصدير نفطه إلى الأسواق العالمية.
ويؤكد خمسة مراقبين لوكالة شفق نيوز، أن هذا الاتفاق يشكل نقطة تحول استراتيجية في قطاع النفط العراقي، إذ يعيد فتح باب تصدير نحو 230 ألف برميل يومياً من نفط الإقليم إلى الأسواق العالمية بعد توقف طويل دام أكثر من 18 شهراً.
ويأتي هذا الإنجاز بعد سنوات من النزاعات القانونية والسياسية، التي شملت حكماً دولياً يلزم تركيا بوقف استيراد النفط من كوردستان دون موافقة بغداد، وقرارات المحكمة الاتحادية التي أكدت حصرية التصدير بيد الحكومة الاتحادية.
ويرى المراقبون أن هذا الاتفاق ليس مجرد إنجاز اقتصادي، بل هو مخرج ضروري لحل النزاعات بين بغداد وأربيل، وإعادة ضخ النفط مجدداً إلى الأسواق الدولية، مما يسهم في استقرار رواتب الموظفين وتحسين الظروف المعيشية لشعب الإقليم.
كما يعتبر المراقبون أن هذا الاتفاق يحقق مصالح جميع الأطراف، حيث تستعيد الحكومة الاتحادية السيطرة على الإيرادات النفطية وفق الدستور، فيما يضمن الإقليم الحصول على حصصه المالية من الموازنة الاتحادية التي تشمل الرواتب، ما يمثل بداية حقيقية لمعالجة الخلافات السابقة التي عرقلت التنمية والاستقرار.
وفي هذا السياق، يرى الباحث في الشأن السياسي أحمد يوسف، أن "الاتفاق خطوة ضرورية لحل الخلافات بين بغداد وأربيل، خصوصاً أن النفط يعد عصب الاقتصاد في العراق ويعتمد بشكل كبير على صادراته إلى الأسواق العالمية".
ويوضح يوسف لوكالة شفق نيوز أن "استئناف تدفق النفط من كوردستان عبر تركيا يمثل انفراجة اقتصادية تنهي أزمة توقف الصادرات التي أثرت سلباً على شعب الإقليم، من حيث تأخر صرف الرواتب، وهو ما رحب به الجميع كخطوة حاسمة نحو الاستقرار".
وهذا ما يسلط عليه الضوء عضو الحزب الديمقراطي الكوردستاني وفاء كريم، بالقول إن "الإقليم عانى كثيراً من عدم الالتزام بالاتفاقيات مع بغداد منذ عام 2014 رغم زيارات الوفود المتكررة".
ويؤكد كريم لوكالة شفق نيوز، أن "الاتفاق الحالي يصب في مصلحة الجميع، حيث تستفيد بغداد من استعادة الإيرادات النفطية التي تدار مركزياً، بينما يستفيد الإقليم عبر حصوله على حصص مالية من الموازنة الاتحادية تشمل الرواتب، كما تستفيد الشركات العاملة في الإقليم بإعادة تصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي".
ويلفت كريم، الانتباه إلى أن "الخلافات الكبرى لأربيل مع بغداد كانت تتعلق بالملف النفطي، وأن هذا الاتفاق يمهد لحل معظم النزاعات، مع ضرورة السعي لتشريع قانون النفط والغاز في الحكومة المقبلة لضمان الاستقرار القانوني".
بدوره، يرى النائب السابق في برلمان كوردستان عبد السلام برواري، أن "الاتفاق يمثل خطوة متفائلة تنسجم مع نص المادة 111 من الدستور العراقي التي تحدد أن واردات النفط والغاز ملك للشعب العراقي وتودع في الموازنة العامة، بينما تسمح المواد 112 و115 للإقليم بإدارة استخراج النفط والغاز".
وينوّه برواري، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز إلى أن "المشكلة الحقيقية كانت في العقلية المركزية ببغداد التي لم تستوعب خصوصية الإقليم، لذلك كانت خلافاتها ليست بسبب تصرفات غير قانونية من الإقليم، وإنما كانت سياسية بحتة".
لكن في المقابل، يعتبر عضو لجنة النفط والغاز في مجلس النواب العراقي كاظم الطوگي، أن "الحكومة الاتحادية كانت ملتزمة بإبرام الاتفاق مع الإقليم وفق المادة 12 من قانون الموازنة الاتحادية، التي تنص على تسليم الإقليم 450 ألف برميل نفط يومياً ودفع المستحقات المالية".
ويشير الطوگي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز إلى أن "الخلافات السابقة كانت نتيجة عوامل سياسية وأمنية وفنية، حيث حاول الإقليم التهرب من دفع إيرادات المنافذ ومنع توطين رواتب الموظفين، مما أعاق التوصل إلى اتفاق سابقاً".
من جانبه، يذهب السياسي العراقي مثال الألوسي، إلى تقديم رؤية أعمق عن الخلافات والاتفاق الحالي، معبراً عن تشككه في حرية تصرفات الحكومة الاتحادية الحالية.
ويقول الألوسي لوكالة شفق نيوز، إن "تأثير الميليشيات الإيرانية على القرارات الحكومية كان واضحاً، لكن جاء هذا الاتفاق نتيجة جهود رئيس وزراء إقليم كوردستان مسرور بارزاني، الذي تمكن من انتزاع حق التفاوض الشرعي رغم الضغوط الميليشياوية ومحاولات إعاقة حقوق الكورد الدستورية"، على حد تعبيره.
وبحسب الألوسي فإن "هذا الاتفاق فضح محاولات بعض الأطراف لتعطيل اقتصاد كوردستان من خلال إعاقة تصدير النفط والنشاط الصناعي، لكن ثبات القيادة الكوردية حال دون تحقيق مخططات تأجيج الصراعات الداخلية في الإقليم".
وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، قد أكد مساء أمس الخميس أن هذا الاتفاق يعكس التزام الحكومة الاتحادية بإدارة الثروة الوطنية وفق الدستور والقانون، مع ضمان شفافية الإيرادات وتوزيعاً عادلاً للثروات بين جميع أبناء الشعب العراقي.
كما رحبت وزارة النفط العراقية بالاتفاق معتبرة إياه ثمرة جهود مشتركة تهدف إلى تعزيز دور العراق كلاعب رئيس في سوق الطاقة العالمي.