من سنجار إلى الشتات.. رحلة البحث عن الأمان بعد الإبادة الجماعية
شفق نيوز/ منذ عام 2014، يعيش الإيزيديون في العراق تحت وطأة الهجرة الجماعية التي شهدت مغادرة أكثر من 120 ألف شخص من أبناء الطائفة ضمن برامج إعادة تأهيل الناجين من الإبادة الجماعية، بالإضافة إلى طرق قانونية وغير قانونية، كانت السبل التي سلكها هؤلاء للهروب من واقعهم المرير.
الهجرة الإيزيدية لم تكن مسألة اختيار بل ضرورة للبقاء على قيد الحياة. تم تهجير الآلاف إلى مخيمات النزوح في العراق، بينما سعى آخرون للهجرة خارج البلاد. تركيا، اليونان، وألمانيا كانت من الوجهات الرئيسية للإيزيديين، حيث واجهوا العديد من الصعوبات في رحلتهم نحو الأمان.
برامج إعادة التأهيل التي نفذتها بعض المنظمات الدولية كانت أحد السبل التي ساعدت الناجين على الهجرة. هذه البرامج وفرت دعمًا نفسيًا واجتماعيًا للمساعدة في التكيف مع الصدمات النفسية التي تعرضوا لها. ومع ذلك، اعتمد الكثيرون على طرق غير قانونية ومهربين للمساعدة في الخروج من العراق، ما عرضهم لمخاطر إضافية أثناء الرحلة.
حسو هرمي، رئيس المؤسسة الإيزيدية الدولية لمناهضة الإبادة الجماعية والذي يقيم في هولندا، أوضح في تصريح لوكالة شفق نيوز أسباب هذه الهجرة الجماعية.
هرمي أشار إلى أن أي مجتمع يتعرض للإبادة الجماعية يفقد الثقة بالجميع ويفكر في الهروب خارج بلده خوفًا من تكرار المأساة. عدم وجود برامج حكومية لإعادة الأوضاع في سنجار، وعدم اتخاذ خطوات جدية لإعادة الإعمار وبسط الأمن في المنطقة، هي عوامل أساسية تدفع الإيزيديين للتفكير في مغادرة البلاد.
وأوضح هرمي أن وجود امتدادات مسلحة لدول الجوار في سنجار، التي أصبحت بؤرة للصراعات المسلحة بين قوى داخلية وإقليمية، هي أيضًا من الأسباب الرئيسية لهجرة الإيزيديين. وأضاف: "هذه الصراعات تجعل من الصعب على الإيزيديين العودة إلى حياتهم الطبيعية والشعور بالأمان في مناطقهم الأصلية."
الهجرة الإيزيدية خارج العراق قطعت أوصال المجتمع الإيزيدي، حيث أكد هرمي أن "الإيزيديين لا يشعرون بالأمان في العراق ولديهم مخاوف من تكرار ما حدث لهم قبل عشر سنوات عندما اجتاح تنظيم داعش مناطقهم وقام بخطف وقتل الآلاف منهم بالإضافة إلى تدمير منازلهم وممتلكاتهم."
يرى المختصون بشؤون الإيزيدية أن الهجرة المستمرة تظل جرحًا مفتوحًا في المجتمع العراقي والعالمي. مع استمرار غياب الحلول الجذرية، وإعادة بناء سنجار وضمان الأمن والاستقرار، يبقى الإيزيديون في الشتات يحملون ذكريات مروعة وآمالًا في مستقبل أفضل.
كما أن الظروف في مخيمات النزوح كانت قاسية، حيث عاش الإيزيديون في ظروف إنسانية صعبة مع نقص في الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء والرعاية الصحية. هذه الأوضاع دفعت الكثيرين للبحث عن فرصة لحياة أفضل في الخارج، حتى وإن كان ذلك يعني مواجهة مخاطر جديدة خلال الرحلة.
المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية مطالبون بمضاعفة الجهود لدعم هؤلاء الناجين وإعادة بناء حياتهم سواء داخل العراق أو خارجه، يقول ناشطون ايزيديون لوكالة شفق نيوز.
الوصول إلى بلدان جديدة كان بمثابة بداية جديدة للإيزيديين، ولكن التحديات لم تتوقف هناك. التكيف مع الثقافات الجديدة، تعلم اللغات، البحث عن وظائف، وضمان تعليم الأطفال كانت من بين القضايا التي واجهها الإيزيديين في دول المهجر، ومع ذلك، فإن الأمان الذي وجدوه في هذه البلدان كان دافعًا قويًا للاستمرار وبناء حياة جديدة.
أبو أيدن، رجل إيزيدي في الأربعينيات من عمره، هاجر إلى ألمانيا قبل خمس سنوات مع عائلته التي تتكون من خمسة أفراد. يتحدث أبو أيدن لوكالة شفق نيوز عن أسباب الهجرة قائلاً: "كنا نعيش بسلام وأمان، لكن بعد أحداث 3 أغسطس 2014 قامت عصابات داعش باجتياح مناطق الإيزيديين. خطفوا وقتلوا الآلاف واضطررنا إلى النزوح إلى المخيمات والهياكل قيد الإنشاء. منذ تلك اللحظة بدأت أفكر في مغادرة العراق."
في عام 2019، قرر أبو أيدن وزوجته وأطفاله الثلاثة مغادرة العراق. "قمنا بدفع أموال باهظة للمهربين وسافرنا عبر تركيا. قطعنا الطريق خلال سبعة أيام حتى وصلنا إلى ألمانيا. عانينا كثيرًا أنا وعائلتي خلال الطريق من جوع وعطش وخوف، ولا تزال هذه الأحداث خالدة في أذهاننا وخاصة في أذهان أطفالي."
أثناء رحلتهم، واجه أبو أيدن وعائلته العديد من التحديات. "كانت الرحلة محفوفة بالمخاطر. كنا نخشى أن يتم اكتشافنا أو أن نصبح ضحايا للعنف والسلب وحتى القتل. لكن رغبتنا في حياة أفضل كانت أقوى من كل الصعاب."
بالوصول إلى ألمانيا، بدأت العائلة حياة جديدة. "الأمر لم يكن سهلاً، لكننا استطعنا التكيف بمرور الوقت. الآن نعمل على إعادة بناء حياتنا ونسعى لضمان مستقبل أفضل لأطفالنا. بالرغم من كل ما مررنا به وحبنا لأرضنا وأرض أجدادنا، لكن هنا نشعر بالأمان وهذا هو الأهم."
الهجرة الإيزيدية تشكل جرحًا مفتوحًا في ذاكرة المجتمع العراقي والعالمي، حيث يتطلب الأمر جهودًا دولية مستمرة لدعم هؤلاء الناجين وإعادة بناء حياتهم، سواء داخل العراق أو في بلدان المهجر.