مقهى فريد في كركوك.. لغة الإشارة تتسيد وتحمي ذوي الصم والبكم من "التنمر"

مقهى فريد في كركوك.. لغة الإشارة تتسيد وتحمي ذوي الصم والبكم من "التنمر"
2025-03-13 20:12

شفق نيوز/ نظم العشرات من ذوي الصم والبكم في كركوك، اليوم الخميس، صلاة جماعية تلاها تنظيم لعبة الصينية الشعبية.

صاحب المقهى الذي تجمع فيه الصم والبكم ويدعى أحمد فاضل قال في تصريح لوكالة شفق نيوز، إن "العشرات من ذوي الصم والبكم تجمعوا في المقهى الواقع قرب مبنى محكمة كركوك السابقة وهم قادمون من اربيل والسليمانية وكركوك، وهذا التجمع هو الاول من نوعه الذي ينظم في المحافظة وفي هذا الشهر الفضيل حيث تجمعوا للتعارف وللقيام بفعاليات رمضانية ودينية".

وأضاف أن "التجمع يعتبر الأول من نوعه على مستوى العراق للصم والبكم حيث قاموا بتنظيم صلاة جماعية واعقبها ممارسة لعبة الصينية الشعبية في المقهى".

كما ذكر أحد المشاركين من الصم والبكم ويدعى محمد خالد لوكالة شفق نيوز، أن "التجمع يعتبر هو الاكبر في العراق لغرض المشاركة في اداء صلاة الجماعة ومن ثم ممارسة العاب رمضانية حتى وقت السحور".

واضاف بالقول: "جئنا من اربيل والسليمانية الى كركوك حيث الاجواء جميلة وتعكس تلاحم مكونات الشعب العراقي بعيدا عن اللغة والطائفة والقومية، الذي يوحدنا هو الاشارة والتلويح بالايدي".

وما إن تحط قدمك في سوق شارع المحاكم وسط مدينة كركوك حتى يتناهى إلى اذنك أصوات طرق أقداح الشاي، كما تجذبك رائحة هذا المشروب الساخن باتجاه أحد المقاهي الذي يرتاده الصم والبكم، فلا أصوات في هذا المقهى سوى الهمهمات ولغة الإشارة التي يتبادلها رواده.

أما مرتادوه فيجب عليك مخاطبتهم بإشارات اليد، إن كنت تجيدها، وإلى جانب الهمهمات وأصوات الأقداح هناك أيضاً صوت قرع أحجار الدومينو "الدومنة" اللعبة الشعبية الأكثر رواجاً في المقاهي العراقية.

يقول أحمد عبد الجبار وهو من العاملين بالمقهي، انه "لا يعاني من مشكلة في النطق والسمع، ويعمل منذ ثلاث سنوات ويقدم الشاي والقهوة وباقي المشروبات التي يطلبها الزبائن وجميعهم من الصم والبكم، وهو يعد قائمة بالمشروبات وأسعارها أمام الزبائن".

ويضيف "العشرات من الصم والبكم يأتون إلى المقهى منذ ساعات الصباح الأولى، والكثير منهم يمتهنون أعمالاً مختلفة، وحين لا يجدون فرصة عمل ويعودون للجلوس في المقهى لحين موعد الغداء حيث ينصرفون إلى مساكنهم ويعودون في المساء للمقهى".

وتشير إحصائيات دائرة المعاقين في دائرة صحة كركوك، ومنظمات مجتمع مدني، إلى أنه في كركوك يوجد نحو 13 ألف معاق بمختلف أنواع الإعاقات، بينهم نحو ألف من الصم والبكم.

وبهذا الصدد يقول الباحث الاجتماعي في كركوك والمختص في شؤون المعاقين محمد حسين، لوكالة شفق نيوز، إن "مقهى الصم والبكم يعتبر واحداً من المقاهي المميزة فهو يجمع الصم والبكم".

لكنه يشير إلى أنه "لا توجد رعاية حكومية خاصة لهذه الشريحة، وهذا المقهى يعد الأول من نوعه في كركوك، وما يميزه أنه يجمعهم ليتداولوا في أمورهم وهمومهم".

قصص اجتماعية يعاني منها الصم والبكم لا تختلف عن التي يمرّ بها غيرهم، ففي زاوية من المقهى يجلس أحد الزبائن يدخن "النركيلة" ويحتسي الشاي، إلا أنه يبدو شارداً وبعيداً عن العالم المحيط به.

ويوضح عبد الستار خضير (31 عاماً)، لوكالة شفق نيوز، أنه "متزوج من امرأة هي الأخرى صماء وبكماء، ولديه ابن وبنت كلاهما يعانيان من نفس المشكلة، لكن هذا الأمر لا يشغله بقدر ما يشغله أمر آخر".

خضير وجد حلاً لمشكلة السمع عبر جهاز يوضع في الأذن، شائع الاستخدام، حيث يذكر "قبل 8 سنوات تعرفت على فتاة من الصم والبكم وحصل تقارب وانسجام بيننا وتقدمت للزوج منها وتم عقد القران، وبعد عام رُزقنا بولد أسميناه محمد هو الأخر وُلِدَ فاقداً للسمع والنطق وبعدها بعامين رُزقنا بطفلة أسميتها زينب وهي كذلك لا تسمع ولا تنطق، وبعد مراجعات عديدة للأطباء تمكنا من تركيب جهاز سمع للطفلين، وهذا الأمر ساهم بصورة جزئية بتجاوزهما معاناة الاندماج مع المجتمع".

ويوضح انه "بعد سنوات واجه مشكلات عائلية مع زوجته لينتهي به المطاف إلى الانفصال عنها، وأصبح المقهى جزءاً من برنامجه اليومي، فهو يخرج للعمل منذ ساعات الصباح الأولى وإذا رزقه الله بشيء يعود مساءً ليقضي بعض الوقت في المقهى".

وبالإضافة إلى المشاكل الاجتماعية التي عادة ما تعتري أي مجتمع، فإن الصم والبكم وغيرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة يعانون من مشكلة إضافية وهي "التنمر" التي عادة ما تدفع ذوي الاحتياجات الخاصة إلى الانزواء عن المجتمع، أو اللجوء للعنف كرد فعل تجاه ذلك، في حين تختار فئة محدودة تقبل الأمر والتعايش معه.

وبهذا الصدد، يرى الباحث الاجتماعي عبد الكريم خليفة، في حديثه لوكالة شفق نيوز، إن "مقهى الصم والبكم يعتبر ذاكرة لمدينة كركوك، وهو فريد من نوعه لأن جميع رواده يتحدثون بلغة مختلفة، والمقهى يعتبر من الأماكن المهمة في تاريخ المدينة".

ويختم بالقول إن "أجيالاً عديدة من الصم والبكم يرتادون هذا المقهى وأنا أزوره بين فترة وأخرى لاحتساء الشاي، وتدوين حياة الأشخاص به وما التقطه من أمور عن حياة هذه الشريحة التي هي جزء من المجتمع العراقي".

00:00
00:00
Shafaq Live
Radio radio icon