متحف الموصل.. عندما ينتصر الأمل على اليأس
شفق نيوز/ استعرض موقع "بلو.لووب" البريطاني تاريخ متحف الموصل الثقافي منذ نشأته والتحولات التي مر بها بما في ذلك تدميره ونهبه خلال مرحلة سيطرة تنظيم داعش، والجهود المحلية والدولية التي تبذل منذ سنوات من اجل انعاشه والابقاء على ارثه التاريخي، والتي تتضمن التعاون مع متحف اللوفر الباريسي الشهير، بما يحمل رسالة من الموصل والعراقيين عموما بانتصار الامل على اليأس.
وبداية، ذكر التقرير البريطاني الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، بان المتحف اعلن في 11 ايار/مايو الماضي، اطلاق مرحلة الترميم الى جانب افتتاح "معرض متحف الموصل الثقافي: من الدمار الى اعادة التأهيل". واشار الى ان "المهندس المعماري العراقي الرائد محمد مكية، هو الي صمم المتحف في ذروة حياته المهنية، وجرى افتتاحه في العام 1974".
واضاف التقرير انه بعد احتلال داعش للموصل في العام 2014، جرى نهب القطع الاثرية التي تحمل اهمية عالمية وتدميرها، وان المتحف تعرض لهجوم متعمد يستهدف محو التاريخ والثقافة، وتعرضت الاعمال الاثرية الاشورية الاساسية، للتخريب او التدمير خلال الهجوم الداعشي.
ولفت الى ان الجزء من المتحف الذي تعرض لاكبر درجة من الضرر خلال هجوم داعش هو المعرض الاشوري المركزي، حيث تسبب انفجار بفتح حفرة كبيرة في الارضية.
الا ان تحالفا دوليا يضم منظمات التراث الثقافي، اطلق في العام 2018 مشروع اعادة تأهيل متحف الموصل، حيث ذكر التقرير انه بفضل هذا التحالف الذي هو بقيادة مجلس الدولة العراقي للآثار والتراث، وبالشراكة مع متحف اللوفر، و"مؤسسة سميثسونيان"، وبدعم وتمويل من "التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع" (ALIPH)، فان عودة الحياة الى المتحف تجري تدريجيا.
واوضح ان الاعضاء المؤسسين لهذه الشراكة قاموا بتدريب وتجهيز فريق متحف الموصل الثقافي للتحضير لاعادة تأهيل المتحف ومجموعاته على نطاق واسع، وبدأ الترميم في العام 2020، وهي خطوات تستهدف اعادة المتحف الى مواطني الموصل في اسرع وقت ممكن، والسماح لهذا المعلم الثقافي المهم باظهار ثقافة العراق الغنية مجددا.
وتابع التقرير ان مشروع اعادة تأهيل المتحف دخلت في ايلول/سبتمبر العام 2021، مرحلة جديدة ، حيث انتقل من تدعيم المبنى الى التخطيط لمستقبل المتحف كمكان تجمع ينبض بالحياة من اجل مساعدة المدينة على التعافي بعد الحرب، مضيفا انه يجري اتباع نهج مجتمعي بحيث يشرك الخبراء المحليين والمقيمين في عملية التصميم، وهو ما سيؤدي الى اعادة احياء المتحف كمركز حي للثقافة والتعليم.
واوضح التقرير ان المشروع يتضمن القيام بتقييم للتراث ومسح الموقع وتطوير تصميم لعملية اعادة التاهيل بما يتلائم مع الظروف الهيكلية للمبنى والاهمية التاريخية والمعمارية، والسياق الحضري، والحاجات المستقبلية.
ونقل التقرير عن المديرة الاقليمية لصندوق النصب التذكاري العالمي اليساندرا بيروزيتو، وهي عالمة اثار متخصصة في الشرق الاوسط واسيا الوسطى، ورئيسة مشروع الموصل، قولها ان متحف اللوفر ركز على ترميم القطع الاثرية بينما ركزت "مؤسسة سميثسونيان" ومجلس الدولة العراقي للاثار والتراث، على تدريب الموظفين على ادارة المتحف.
ولفتت بيروزيتو الى انه عمل طموح لان الضرر كان مدمرا، وتناولت احداث العام 2014 بالقول "نحن نعلم ان الموصل تم الاستيلاء عليها في تلك الفترة، الا اننا لا نعلم بالضبط متى تعرض المتحف للهجوم"، مضيفا انه هناك مقطع فيديو بتاريخ شباط/ فبراير 2015، الا انه من غير الواضح تماما متى جرت الاحداث، اذ ان الصور في الفيديو لا تظهر الضرر الكامل الذي لحق بالمتحف.
وقالت بيروزيتو انه "عندما تمكن الفريق من الوصول الى المتحف مرة اخرى بعد تحرير الموصل، كان من الواضح ان الاضرار المعمارية الكبيرة جرت في القاعة الاشورية".، مضيفة ان "تمثالي اللاماسو (الثور المجنح) اللذان كانا على الحائط تم تفجيرهما ومهاجمتهما بمطارق الثقب".
واستعرض التقرير بعض القطع الاثرية المتضررة في متحف الموصل الثقافي، وهي اللاماسو، وهي الالهة الاشورية التي تحمي، وهي مجنحة باجساد ثيران ورؤوس بشرية، وتم ذكرها في ملحمة جلجامش السومرية.
وتابع انه جرى استخدام الديناميت لتفجير قاعدة العرش في منتصف القاعة، ولهذا فان هناك فجوة كبيرة في وسط القاعة الاشورية، وبعض الاضرار التي اصابت السقف. وبالاضافة الى ذلك، فقد جرى تدمير اسد الموصل الذي كان يبلغ عمره 3 الاف سنة، والذي كان تم نصبه اساسا في معبد عشتار في مدينة نمرود الاشورية.
الى ذلك، ذكر التقرير ان عمليات التخريب التي قامت بها داعش جرت في نفس الوقت تقريبا الذي اختطفت فيه الجماعة 220 قرويا اشوريا مسيحيا في شمال شرق سوريا، وهو ما شكل اعتداء اخر على التعايش في المنطقة.
ونقل التقرير عن الكاتب الاشوري ماردين اسحاق، وهو عضو في منظمة "ديماند فور اكشين" التي تعمل في ميدان الدفاع عن حقوق الاشوريين والاقلين في العراق وسوريا، قوله انه "بينما قام تنظيم داعش بتطهير عرقي بحق السكان الاشوريين المعاصرين في العراق وسوريا، فانه قام ايضا بحرب متزامنة على تاريخهم القديم وحق الاجيال القادمة من جميع الاعراق والاديان في الذاكرة المادية لاسلافهم".
كما نقل التقرير عن بيروزيتو قولها انن "كان بالتأكيد هدفا رمزيا، ولكن بعد ذلك مباشرة ، في العام 2018، اجرت مؤسسة سميثسونيان ومجلس الدولة العراقي للاثار والتراث، تقييما اوليا حيث تقرر من خلاله ان هيكل المبنى امن بدرجة كافية، وان بالامكان استعادته"، مذكرة بان الجزء الغربي من الموصل جرى تحريره قبل الجزء الشرقي، وان المبنى لم يصبح هدفا لقوات التحرير.
واشار التقرير الى انه جرى الحفاظ على ادلة الهجوم على متحف الموصل الثقافي، مضيفا انه خيار مثير للاهتمام اتخذه فريق الترميم.
ونقل التقرير عن بيروزيتو قولها ان نقاشات مع كافة الاطراف جرت حول هذه النقطة، موضحة "تحدثنا عن ذاكرة المكان، وهل نترك ذكرى التدمير ام لا، وتحدث خبراء في التواصل المجتمعي مع المجتمع المحلي حول دور المتحف واهميته، وظهرت رغبة قوية من الخبراء والمجتمع للاحتفاظ بذكرى ما حدث".
ولفتت الى ان اللاماسو والاسد فقدا رأسيهما، ولهذا فانه من غير الممكن استعادة كل شيء تماما كما كان من قبل، ولكن ذكرى ما حدث ستبقى في الاشياء ايضا.
وتابع التقرير انه سيكون هناك دمج لذكرى اعمال التدمير التي ارتكبها داعش، بما يساهم في تعزيز استعادة الرواية لما جرى، وان اهل الموصل وخبراء التراث في بغداد كانوا مصرين على ذلك، في حين تساءل البعض "لماذا نترك ذكرى شيء كارثي حيث ان احدا لا يود تذكر ما جرى، لكنهم كانوا اقلية صغيرة مقابل هؤلاء الذين قالوا انه يجب الاحتفاظ بالقصة ولو كانت سيئة وحزينة، اذ يجب الا يتم نسيانها.
ولفت التقرير الى ان المتحف استضاف في الشهر الماضي، اول معرض للقطع الاثرية من مجموعته منذ الهجمات التي تعرض لها، حيث جرت اقامة "عرض متحف الموصل الثقافي: من الدمار الى اعادة التاهيل" في القاعة الملكية السابقة التي تم ترميمها حديثا والمتاخمة للموقع حتى 1 يونيو/حزيران 2023، وذلك برعاية مدير متحف الموصل الثقافي زيد غازي سعد الله ، بالشراكة مع متحف اللوفر الفرنسي، وبتمويل من مجلس الدولة العراقي.
ونقل التقرير عن المديرة في متحف اللوفر لورانس ديكار قولها ان "متحف الموصل الثقافي ومتحف اللوفر يتشاركان بتاريخ طويل ومشترك"، مضيفة انه منذ نحو 3 سنوات وبناء على طلب السلطات العراقية، شارك متحف اللوفر بنشاط في اعادة متحف الموصل وكنوزه الى الحياة، بدعم لا يقدر بثمن من مجلس الدولة العراقي وبالتعاون الوثيق مع صندوق الاثار العالمية ومؤسسة سميثسونيان".
وقالت ديكار "اننا فخورون بالمساهمة في هذا المشروع المتميز لاعادة تأهيل المتحف"، مضيفة "انه لشرف لمتحف اللوفر ان يواصل التزامه مع شركائه الدوليين لمشاركة افضل ما لديه من خبرات لحماية هذا التراث الذي لا يقدر بثمن، واعادة متحفهم الى سكان الموصل، والاستمرار في نقل ذاكرة العالم الى الاجيال المقبلة".
اما الباحث في "مؤسسة سميثسونيان" ريتشارد كورين فقد قال ان "العام اصيب بالصدمة منذ 8 سنوات بمشاهد التخريب والدمار في متحف الموصل. ما تعرض للهجوم وقتها كان الاحترام للتاريخ والثقافة والمنح والتعليم. نحن الان نقف معا كمؤسسات ومهنيين لاستعادة هذا الاحترام".
واضاف ان "ترميم متحف الموصل هو استثمار في الحضارة والتسامح والمستقبل، وتاكيد من اهل الموصل والعراق والمنطقة والعالم على ان الامل يجب ان ينتصر على اليأس، والمعرفة على الجهل، والخير على الشر".