ما الذي يجعل زيارة البابا فرانسيس إلى العراق تاريخية؟
شفق نيوز/ عندما تحط طائرة البابا فرانسيس في بغداد، تكون لحظة تاريخية قد كتبت بالفعل، ذلك انه البابا الاول للفاتيكان الذي يزور العراق، وبالتالي أول حبر أعظم يحج الى أرض الرافدين ويعقد أول قمة روحية مع مرجع شيعي بهذا المستوى هو السيد علي السيستاني.
لكن للزيارة البابوية أبعاد أخرى لا تقل أهمية. فالبابا بمجيئه إلى بغداد والنجف وذي قار ونينوى واقليم كوردستان، يقوم بمجازفة لم يسبقه إليها أي زعيم روحي، في ظل المخاطر الامنية التي تحدق به، وفي ظل تفشي وباء كورونا الذي بسببه لم يغادر البابا الفاتيكان مسافرا منذ أكثر من عام، لكنه برغم ذلك، صمم على المجيء الى العراق.
وعلى الرغم من هذه الاهمية الرمزية لكل ما يتعلق بزيارة البابا بين 5 و8 مارس، الا ان العراقيين عموما من الاعراق والديانات كافة، يتطلعون أيضا الى آمال التغيير التي قد يجلبها البابا معه بما يحسن حياتهم وأوضاعهم ومستقبلهم المشوب بالتوتر والقلق.
وآخر محاولة جدية للمجيء الى العراق كانت ايام البابا يوحنا بولس الثاني الذي سعى في العام 1999 لزيارة العراق، لكن إشكاليات الحصار الدولي الذي كان مفروضا، والضجة التي أثارتها نيته الذهاب الى بغداد في عهد الرئيس السابق صدام حسين، بالاضافة الى عدم قدرة العراق على تأمين الاستضافة الملائمة للحبر الأعظم، كانت كافية لتطيح بالفكرة.
ومع ذلك، فإن الفاتيكان حافظ على خوفه على العراق وطوائفه كافة بمن فيهم المسيحيون، فبينما كانت طبول الحرب تقرع قبل غزو العام 2003، رفع البابا يوحنا بولس الثاني الصوت معترضا على استخدام لغة السلاح.
ولهذا فإن البابا فرانسيس يستكمل الان حلما طويلا لم يتحقق، ولا بد ان "رسالته العراقية" ستكون مدوية وهو يخاطب الجميع:
الحكومة العراقية: ستكون حكومة مصطفى الكاظمي مدعوة من جانبه للعمل على المصالحات السياسية والعرقية والدينية، ومحاولة المضي قدما في بناء دولة قادرة وعادلة للجميع، بما يساعد العراق على الخروج من مستنقع الأزمات والاضطرابات.
المسلمون والمسيحيون: بأنهم "كلهم أخوة"، وهو نداء في صلب اهتمام البابا فرانسيس، وهم ايضا من ابناء النبي ابراهيم الذي جاء ليحج اليه، تأكيدا على الدعوة التي اطلقها في الامارات في العام 2019، بالشراكة من الازهر، ممثل العالم السني، وبالتالي فإن المسيحيين كأخوتهم المسلمين، مرتبطون بهذه الأرض ووجودهم فيها طبيعي ومتجذر.
الاغلبية الشيعية: من خلال اللقاء مع المرجع الاعلى السيد علي السيستاني، وهو اللقاء الأرفع مستوى بين مرجعية شيعية والحبر الأعظم، يأمل البابا فرانسيس ان يعزز الحوار والتواصل القائم منذ سنوات عديدة بين الطرفين، لكنه سيغتنم بالتأكيد وجوده في العراق والنجف من أجل تمرير رسالة ولو ضمنية، بأن على القوى المتمتعة بالغالبية في اي دولة، السعي بنفسها من أجل احتواء واحتضان الاقليات الاخرى في المجتمع، لا تهميشها، والمساواة معها في الحقوق كما في الواجبات.
اقليم كوردستان: غالب الظن أن البابا فرانسيس سيذكر العالم بالمعاناة التي عاشتها هذه المنطقة في العقود الماضية والتي قادتها الى تحقيق ذاتها، وما واجهته في الهجمة الارهابية الاخيرة من تنظيم داعش، ومعاناة النازحين من كل الطوائف الذين احتضنتهم. وهناك في اربيل، سيصلي من أجلهم.
اميركا وايران: ليست من عادة البابا ان يسمي الدول بأسمائها، لكنه سيوجه نداء، يعلم ان الحكومة العراقية ستكون سعيدة بسماعه، الى ابعاد العراق، مهد الديانات السماوية والحاضن للعديد من الاقليات والعرقيات، عن الصراعات الاقليمية والتدخلات الخارجية.
وبكل الاحوال، فإن البابا فرانسيس، في كل ما سيفعله في العراق، ستكون عيانه على المسيحيين، وهم في أساس هوية العراق وحضارته القديمة، وتراجعت أعدادهم بشكل كبير منذ العام 2003، ما يهدد وجودهم.
الا ان الرسالة الجامعة ستكون الشغل الشاغل للبابا، وهي من أجل بث الأمل بنفوس العراقيين وخاصة الشباب منهم والذين لا بد انه سمع صوتهم في الاحتجاجات التي يشهدها العراق منذ اكثر من سنة.
ومن بغداد الى النجف ثم إلى مدينة أور الأثرية في ذي قار، حيث ولادة النبي إبراهيم- بحسب المرويات الدينية-، ثم الى محافظة نينوى وإقليم كوردستان، سيسير البابا حاملا لواء السلام والتعايش والاخوة. وقد عبر رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني خير تعبير عن معاني الزيارة عندما قال إنها ستفتح باباً عالمياً أوسع في وجه العراق وإقليم كوردستان، وهي مبعث ارتياح لكل المكونات، وفرصة لتعميق ثقافة التعايش والتسامح وقبول الآخر بين المكونات كافة.
ويأمل العراقيون ان تترك زيارة البابا اثارها السياسية الواضحة على الصعيدين الداخلي والخارجي، الى جانب انعكاسها على الاستقرار الاجتماعي. ويفترض ان تعكس زيارة الحبر الاعظم الى العراق صورة ايجابية عن البلد الذي تطغى عليه أخبار الاضرابات والقتل، في العالم، كما قد تعزز ثقة العراقيين ببلدهم وحكومتهم في مرحلة صعبة يمرون بها، من مسلمين ومسيحيين وصابئة ومندائيين وإيزيديين وآشوريين وعرب وكورد وسنة وشيعة.
في ما بعد مرحلة الذروة في المصاعب التي عاشها العراقيون في السنوات الماضية، ستكون زيارة البابا، كما يأمل كثيرون، مساهمة في مداواة الجروح، على طريق الجلجلة العراقية، تماما مثلما حاول من قبل القديس فرنسيس الاسيزي خلال القرن الثالث عشر، تخطي آلام الحروب الصليبية-الاسلامية.
لقد حان الوقت بالنسبة للعراق الى تحدي الموت وطي صفحته. هذه كانت رؤية الفاتيكان البعيدة المدى لما سيحل بالعراقيين عندما عارض الحرب قبل 18 سنة، ولا يبدو سوى ان البابا فرانسيس، سيعيد التأكيد على هذه الرسالة بان الحروب هي هزيمة للانسانية دوما.