ماذا يريد مقتدى الصدر من "ترميم البيت الشيعي"؟
شفق نيوز/ منذ إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الدعوة الى "ترميم البيت الشيعي" في الثاني من كانون الاول/ديسمبر الحالي، والتكهنات والتساؤلات الكثيرة تدور في أفق المشهد السياسي العراقي وفي كواليسه، لا من أجل تلقف الدعوة، وإنما لمحاولة فهمها ووضعها في سياق معادلات اللعبة السياسية والانتخابية والشعبية الجارية حاليا.
وبرغم تلقيها دعوة مقتدى الصدر التي أعلنها في تغريدة عبر "تويتر"، والتعليق عليها من قبل بعض القوى السياسية، الا ان الاهم بحسب المراقبين، هو النقاش الذي يجري حولها بعيدا عن الإعلام، وفي دهاليز الأحزاب والقوى السياسية، خاصة ان الصدر دعا الى توقيع ميثاق شرف عقائدي وآخر سياسي، لمواجهة التحديات الخارجية والداخلية.
والتساؤلات كثيرة، وهي ليست محصورة بقضية الانتخابات المبكرة، لكن سرعان ما تركزت التكهنات حول فكرة ان مقتدى الصدر، كعادته في إطلاق مبادرات ومواقف مباغتة ومفاجئة، يحاول تهيئة الأجواء الملائمة لتياره في الشهور الاخيرة التي تسبق الانتخابات المبكرة في يونيو/حزيران 2021.
لكن القيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي، قال لوكالة شفق نيوز، ان "الدعوة الى ترميم البيت الشيعي، لا تعني تشكيل تحالف سياسي او انتخابي بين القوى السياسية الشيعية، او اعادة احياء التحالف الوطني من جديد".
وكان الزاملي يشير بذلك الى التحالف الوطني الذي فاز في انتخابات العام 2014، والذي يرى مراقبون انه ما زال يحيك خيوط التنسيق ما بين قواه حتى الان، من خلال اجتماعات متواصلة تضم أيضا ممثلين عن نوري المالكي وهادي العامري وعمار الحكيم وحيدر العبادي وغيرهم.
ولهذا، فإن التساؤلات تتمحور حول المغزى من دعوة "ترميم البيت الشيعي" بينما هذه القوى الاساسية في هذا البيت، تواصل مشاوراتها واجتماعاتها التنسيقية في العديد من القضايا المرتبطة بتطورات العملية السياسية والوضع الامني في العراق، ولها لقاءات فيما بين قواها وبينها وبين رئيس الحكومة ايضا.
وفي هذا الاطار، أوضح الزاملي ان "هدف دعوة الصدر، جاءت بسبب الإساءات المتكررة من قبل بعض المدعومين من الخارج ضد الدين والمذهب، فهذه الدعوة، جاءت لردع مثل هكذا اساءات، وهذا الدعوة دعمت من كافة الاطراف الشيعية السياسية وحتى من قبل بعض الفصائل المسلحة، بل حتى اطراف سياسية".
فهل هي إذن اعادة تموضع للتيار الصدري في خندق طائفي في محاولة لترميم شعبية الصدريين التي يعتقد بعض المراقبين انها تأثرت سلبا بتظاهرات أكتوبر/تشرين، وموقف الصدر منها؟ اجابة الزاملي تنفي ذلك، اذ يقول لوكالة شفق نيوز ان "التيار الصدري لا يسعى الى خوض الانتخابات ضمن تحالف سياسي شيعي – شيعي، فهو يريد خوض الانتخابات المقبلة بمفرده، كون القانون الجديد يدعم الترشيح الفردي".
اما عن الشبهة الطائفية المحتملة في الدعوة، فقد تحدث عنها القيادي في منظمة بدر معين الكاظمي لوكالة شفق نيوز، اذ قال ان "منظمة بدر وكل القوى السياسية في تحالف الفتح، لا تريد العودة الى التحالفات الطائفية، بل هي تريد تحالفات عابرة للطائفية والمكوناتية، كما حصل في تحالف البناء، الذي يمثل كل اطياف واديان الشعب العراقي".
وبذلك فانه من المهم في هذه اللحظة السياسية مراقبة مدى تجاوب الزعامات الشيعية الاخرى لدعوة الصدر، وما اذا كانت فكرته ستتحول الى واقع يجري العمل على تطبيقه. ومن الواضح ان بعض القوى برغم ترحيبها بدعوة الصدر، الا انها ألمحت الى ميلها نحو فكرة الاصطفافات الوطنية الأوسع، وليس وفق الهوية الطائفية.
وكان معين الكاظمي واضحا في موقف منظمة بدر من دعوة مقتدى الصدر عندما قال ان "القوى السياسية الشيعية، لا تنوي اعادة التحالف الوطني او اعادة تشكيل تحالف انتخابي او سياسي موحد بدعوة دعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لترميم البيت الشيعي".
وبين الكاظمي، ان "دعوة الصدر، رحبت بها ودعمتها الكثير من القوى السياسية الشيعية، لكن لغاية الآن لا يوجد حراك فعلي على الارض لترجمة هذه الدعوة والعمل عليها، كما لا توجد اي نقاشات رسمية بشأنها بين القوى الشيعية".
وبذلك يبقى التساؤل ملحا حول مغزى دعوة مقتدى الصدر المفاجئة، وما اذا كانت محاولة لابراز وتأكيد دوره القيادي في المشهد السياسي، أسوة بتحركه المفاجئ في الأسبوعين الماضيين بمناداة انصاره للتلاقي في الساحات العامة من أجل الصلاة والهتاف ضد الفاسدين، قبل ستة شهور فقط من الانتخابات المبكرة والتي ألمح الصدر مؤخرا الى رغبته في تحقيق الاغلبية البرلمانية خلالها لتسمية رئيس الحكومة الاتحادية من تياره.
وفي هذا الاطار، يقول المحلل السياسي أحمد الشريفي، لوكالة شفق نيوز، ان "كل القوى السياسية تعتمد في كل انتخابات على قواعدها من نفس مكونها، ولهذا تجد انها مع قرب كل انتخابات، تتكلم تلك القوى وقياداتها عن المذهب والمكون، وغيرها من الشعارات، التي تطلق مع كل انتخابات".
وبين الشريفي ان "تحالف القوى السياسية الشيعية، في الواقع هو موجود على الارض، لكنه غير معلن او غير رسمي، لكنك تجد ان هذه القوى تتوحد وتجتمع عند كل طرح يتم فيه تشكيل الحكومة او توزيع الحقائب الوزارية، فهناك لجان مشتركة بين كل تلك القوى".
وأوضح ان "قانون الانتخابات الجديد، فرض على القوى السياسية كافة وليس الشيعية فقط، خوض الانتخابات بشكل منفرد، كون الاختيار سيكون للافراد وليس للقوائم، لكن ما بعد اعلان النتائج سوف ترى التحالفات الشيعية – الشيعية تتشكل من جديد، بهدف تشكيل الحكومة وفق الشراكة، وليس وفق الاغلبية، والشراكة ستكون مع باقي المكونات الاخرى".
اذا لعلها، كما غيرها من المبادرات مؤخرا، محاولة من جانب مقتدى الصدر لتعزيز صورة زعامته التي كان أكد عليها في الانتخابات الاخيرة بعدما نال تحالفه أكبر حصة من مقاعد البرلمان في العام 2018. لكن أخرين يقولون أيضا ان مبادرة الصدر قد تكون محاولة صادقة لتنقية صورة "البيت الشيعي" التي تضررت بعد سنوات طويلة من الحكم وسوء الادارة والفساد الذي تغلغل في الحياة السياسية- الاقتصادية العراقية.
ومن الملاحظ ان البيان الصادر عن ائتلاف النصر بزعامة رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي، يسير بحذر بين المحاذير والتوقعات المشار اليها، اذ حدد ست نقاط لـ"ميثاق الشرف الوطني" الذي دعا اليه الصدر.
وذكر بيان الائتلاف إنه "استناداً إلى دعوة السيد مقتدى الصدر، وانسجاماً مع مطالب الإصلاح والتغيير التي عبّرت عنها انتفاضة تشرين الشجاعة، وإيماناً بضرورة وجود التزامات ضامنة لصلاح المجتمع والدولة، ولضمان مبدأ التكامل بين القوى والفاعليات والشرائح السياسية والمجتمعية، ندعو للبدء بحراك ممنهج لاعتماد ميثاق شرف كإطار مبادئ وطني ملزم لجميع القوى والفاعليات العراقية".
وأوضح بيان ائتلاف العبادي ان طبيعة هذا الميثاق هي أن يكون "ميثاق شرف وطني يتضمن التزامات سياسية وقيمية حافظة للهوية العراقية وقيمها وأخلاقياتها، وضامنة لسلامة النظام العام، وصلاح الحكم ونزاهته، وأداء وممارسات القوى والفاعليات السياسية والمجتمعية في الدولة"، مؤكدا على وطنية الميثاق بأن يكون "بعيداً عن أي اصطفافات إثنية أو طائفية على مستوى الهوية المجتمعية أو الحياة السياسية أو النظام السياسي أو الجبهات السياسية والعمل الإنتخابي. مع الاحترام الكامل للتنوع الإثني والديني والقيمي في مجتمعنا".
اما كتائب حزب الله العراقي، فقد اعلنت موقفها يوم الاحد الماضي من دعوة الصدر مؤكدة تأييدها له، وذلك وفق بيان صادر عن المكتب السياسي للكتائب ورد الى شفق نيوز، اذ اشارت الى ان "بعض الجهات المشبوهة عمدت إلى التغرير بشبابنا ودفعهم نحو تبني مظاهر فيها كثيرٌ من التجاوز على القيم الإسلاميّة، والإساءة للذات الإلهيّة، وثوابت الدين الإسلامي المحمديّ وقِيَمه الأصيلة، مضيفة ان ذلك "يلقي على عاتق القوى السياسية والدينية والاجتماعية مسؤولية كبيرة للتصدي لها وقطع دابرها".
وفي تغريدته على تويتر في الثاني من كانون الاول الحالي، كتب الصدر إنه في خضم التعدي الواضح والواقع ضد الله ودينه ورسوله وأوليائه من قبل ثلة صبيان لا وعي لهم ولا ورع، تحاول من خلاله تشويه سمعة الثوار والإصلاح والدين والمذهب، مدعومة من قوى الشر الخارجية ومن بعض الشخصيات في الداخل... أجد من المصلحة الملحة الإسراع بترميم البيت الشيعي من خلال اجتماعات مكثفة لكتابة ميثاق شرف عقائدي وآخر سياسي، وبمنهج إصلاحي وحدوي نزيه بلا فاسدين ولا تبعيين.
وكان أول تعليق على تغريدة الصدر جاء من تحالف الفتح بزعامة هادي العامري، اذ قال القيادي في التحالف، النائب كريم عليوي، لوكالة شفق نيوز، إن "دعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مرحب بها"، مؤكداً "سيكون هناك تأييداً ودعماً سياسياً وشعبياً لها، كونها تصب في خدمة العراق والعراقيين"، مضيفا ان "العراق والعراقيين، يتعرضون الى مؤامرة مدعومة من الخارج، وينفذها عملاء في الداخل"، معتبراً أن "مواجهة هذه المؤامرة، تتطلب فعلاً، توحيد للقوى السياسية ذات التأثير البرلماني والشعبي".
وبالاضافة الى الدعوات الى التظاهر وعودة الصدر عن قراره مقاطعة الانتخابات، ثم الدعوة مكافحة الفاسدين ثم الى "ترميم البيت الشيعي"، من الملاحظ ان نواب ممثلي التيار الصدري عززوا في الفترة الاخيرة ايضا من نشاطهم الاعلامي للترويج للانتخابات وحث المشاركين في التظاهرات الاحتجاجية ضد الحكومة الى التركيز على التغيير من خلال الانتخابات، وذلك في ظل قناعة سائدة في التيار الصدري ان القانون الانتخابي الجديد سيصب في صالح مرشحيه بالنظر الى قدرته على تجييش وحشد ناخبيه في العديد من الدوائر الصغيرة التي جرى اعتمادها كفكرة في الانتخابات المقبلة.