ألوية من الحشد الشعبي وفصيلان شيعيان "على حين غرة" صوب جبهة سنجار
شفق نيوز/ "قد نأتي على حين غرة ذات ليلة. هذه هي خلاصة الأمر"، لم يأتِ هذا التصريح على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من فراغ، فهو يمهد هنا لإجتياح عسكري صوب سنجار معقل الإيزيديين في العراق، حيث تشابكت خطوط التماس، لتتحول تلك البقعة لساحة معركة مرتقبة بين أنقرة وحزب العمال الكوردستاني الذي يتموضع فيها.
تلك التصريحات جاءت بعد أيام من زيارة وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إلى العراق، حيث التقى القادة السياسيين والعسكريين في بغداد وأربيل، مؤكداً أن تركيا “تتابع عن كثب إخراج الإرهابيين من محيط سنجار” وأن أنقرة مستعدة لتقديم الدعم في هذا الخصوص، لافتاً إلى أنه توصل “إلى تفاهمات حول العديد من المسائل مع المسؤولين العراقيين”، دون أن يقدم توضيحات ما إن كانت تشمل أي توافقات حول عمل عسكري تركي أو عراقي أو مشترك في سنجار.
لكن المعركة المرتقبة قد تشهد تحولاً في القتال التقليدي بين أنقرة والعماليين، إذ يدخل على الخط هذه المرة الحشد الشعبي الذي دفع بثلاثة ألوية لدعم حلفائه من المقاتلين المحليين الذين تتهمهم تركيا بالولاء لحزب العمال.
لماذا سنجار؟
تلك المدينة الواقعة 120 كم غرب الموصل مركز محافظة نينوى، الموطن الأم لاتباع الديانة الايزيدية في العراق، ما زال اغلب سكانها يواجهون عقبات بالعودة لمنازلهم منذ أن سيطر عليها تنظيم داعش وشهدت ابادات جماعية وسبي ٍ للنساء الايزيديات.
كما تقع سنجار قرب الحدود العراقية مع سوريا، حيث تعتبرها أنقرة حلقة وصل لمناطق تواجد العمال الكوردستاني في شمالي سوريا وصولاً إلى جبال قنديل الحدودية بين كوردستان العراق وتركيا، والتي يتخذ منها حزب العمال قاعدة له ومنطلقاً لهجماته العسكرية ضد الأراضي التركية.
فتموضع حزب العمال في سنجار الذي جاء بعد مشاركته بمعارك لإستعادتها من قبضة داعش، تقرأ تركيا حيثياته بأن تلك المدينة قد تكون "قنديل ثانية". كما تقول أنقرة إن تواجد العماليين آخذ بالتوسع على الرغم من توقيع بغداد وأربيل في أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي على اتفاق يقضي بحفظ الأمن في قضاء سنجار من قبل قوات الأمن الاتحادية، بالتنسيق مع إقليم كوردستان، وصولاً لإخراج كل الجماعات المسلحة غير القانونية، حيث ينص الاتفاق على إنهاء وجود “بي كا كا” في سنجار، وإلغاء أي دور للكيانات المرتبطة بها في المنطقة.
تحشد للحشد في سنجار
التهديد التركي باجتياح سنجار، دفع بفصائل منضوية بالحشد الشعبي ومقربة من إيران بالتصعيد السياسي والعسكري، فبعد أن دعا رئيس منظمة بدر هادي العامري الحكومة العراقية أن "تتخذ كل الإجراءات اللازمة لردع أي عدوان على الأراضي العراقية والقوات المسلحة العراقية والحشد الشعبي"، تحركت بالفعل فصائل في الحشد الشعبي، وتمركزت قرب سنجار.
ويقول مصدر أمني لوكالة شفق نيوز، إن "تلك التعزيزات قوامها ثلاثة ألوية للحشد الشعبي بمعداتها والياتها الى جانب تشكيلات من عصائب أهل الحق وحزب الله وجميعها تمركزت في معسكر دوميز ضمن قضاء سنجار تحركت بتوجيه من رئيس أركان الحشد عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك)".
وأضاف انه "منذ قرابة اكثر من شهر يجري ترتيب معسكر تواجدت فيه الفرقة 20 من الجيش العراقي الذي يضم مركز تدريب مشاة كربلاء سابقا وموقع سنجار العسكري إذ سيطر الحشد على اغلب المواقع العسكرية من الجيش العراقي، حيث تمتد مساحة المعسكر لأكثر من 5 كم مربع".
وبهذا الخصوص، أكد القيادي في الحشد الشعبي محمد البصري، لوكالة شفق نيوز، موضوع الإنتشار، وقال إن "الحشد مؤسسة أمنية عسكرية رسمية تابعة للقائد العام للقوات المسلحة، صدرت له أوامر بالتحرك في سنجار ومحيطها لمنع أي اعتداء على الاراضي العراقية".
وأضاف "في حال هناك تقدم تركي وتوغل داخل الأراضي العراقية، بكل تأكيد ستكون هناك أوامر تصدر من القائد العام للقوات المسلحة بالرد عسكري او غيرها من الطرق، فنحن ملزمون بما يصدر من القائد العام حصراً".
من جانبه قال أستاذ العلوم السياسية احمد حسين لوكالة شفق نيوز، "اعتقد بإن سنجار على حافة مواجهة عسكرية ما بين القوى الدخيلة عليها من جهة وما بين بغداد واربيل برعاية وتنسيق تركي من جهة أخرى".
ويرى بأن "المهلة التي منحت لاتفاق اربيل بغداد ستنتهي بنهاية الشهر الثاني فبراير هذه المهلة اعطتها بغداد للقوات الدخيلة حسب وصفها، ومع وجود بعض الألوية التي دخلت مؤخرا سنجار، أعتقد أنها محاولة لإيقاف أي مواجهة قد تحدث ما بين حلفاء هذه الفصائل مع الدولة العراقية أو تركيا".
كما رأى بأن "حلفاء الفصائل الشيعية هم كل من وحدات مقاومة سنجار- اليبشة-، ووحدات حماية سنجار والأجنحة العسكرية الأخرى إلى جانب المقاتلين المحليين الايزيدية وجمعيهم مقربون أو تابعون لحزب العمال الكوردستاني، وأي عملية استهداف لهم أو إخراجهم ستخسر الفصائل الولائية لإيران موقعاً ستراتيجياً مهماً يربطها مع سوريا".
وفي سنجار مجلس أسسه حزب العمال الكوردستاني ضمن هيكلية تسمى الإدارة الذاتية وتضم قوات وأجهزة أمنية على رأسها "وحدات حماية سنجار" التي تتلقى رواتب من بغداد تحت مظلة الحشد الشعبي.
وما تزال أنظمة وهيكلية الحزب الإدارية تعمل في سنجار رغم اتفاق الأخير بين بغداد وأربيل.
ماذا تريد تركيا؟
الكاتب والصحفي في موقع "خبر تورك"، جيتين جيتن، تحدث في مقالة له عن خطة من ثلاث مراحل تدرسها أنقرة لتحجيم نفوذ "حزب العمال" في سنجار، ليتم الانتقال فيما بعد إلى نشاطاته العسكرية في سوريا.
المرحلة الأولى حسب الكاتب التركي، هي التوجه إلى إنهاء وتقييد أنشطة "حزب العمال الكوردستاني" (pkk) في منطقة سنجار المحاذية لسوريا، مشيرا "بهذه الطريقة، فإن الرأي السائد هو أن علاقة التنظيم بسوريا ستنقطع بطريقة مشابهة لجبال قنديل في غضون عامين".
أما المرحلة الثانية ستتجه أنقرة فيها إلى قتال "الفرع السوري لحزب العمال" في الداخل السوري، لكن هذا الأمر سيصطدم بموقف الولايات المتحدة الأميركية، والذي ما يزال غير واضح حتى الآن.
ويتابع الكاتب التركي: "المرحلة الثالثة تتضمن عملية الترميم والعودة إلى الوضع الطبيعي، وضمنها سيتم تعزيز خط التواصل بين أنقرة وموسكو بشأن المحادثات السورية".
ويشير جيتين إلى أنه "تم تقديم توقعين مهمين خلال زيارة الوزير آكار إلى بغداد، حيث اقترحت أنقرة عملية مشتركة بدعم من إدارتي بغداد وأربيل، على أن يتم التحرك فيها في النصف الثاني من مارس المقبل، وانطلاقا من 9 نقاط مختلفة.
رأي عمالي
لكن حزب العمال الكوردستاني وعلى لسان مسؤول علاقاته كاوه شيخ موس، قال لوكالة شفق نيوز، ان "هناك نية للقوات التركية للدخول الى محافظتي نينوى وكركوك، من أجل احتلال اراضي فيها، وهذه معلومات استخباراتية دقيقة"، مشيرا إلى أن "هذا الأمر مخطط له منذ سنين، وليس وليد اليوم".
وبين موس ان "القوات التركية لا تخرج من اي منطقة عراقية تدخلها، فهي تخطط الى احتلال اراضي عراقية جديدة في نينوى وكركوك، وهي تعمل على هذا الاحتلال منذ سنتين من خلال عمليات برية وجوية، لكنها تفشل لوجود مقاومة شرسة لهذا الاحتلال".
إقليم كوردستان على تماس الجبهة المرتقبة
يرفض العمال الكوردستاني دعوات متكررة من إقليم كوردستان بمغادرة المنطقة التي تتعرض لهجمات تركية بين الحين والآخر، وهو ما يعيق عودة عشرات آلاف النازحين الايزيديين إلى منازلهم.
كما أن مناطق حدودية في الإقليم، باتت مسرحاً لمعارك بين العماليين وجنود أتراك، فضلاً غارات جوية مستمرة تستهدف مواقع لحزب العمال، تسبب بتهجير سكان 500 قرية، والحديث هنا على لسان أربيل.
ويقول الكاتب والباحث السياسي كفاح محمود سنجاري لوكالة شفق نيوز، "استبعد قيام القوات التركية بإنزال جوي في مناطق سنجار، كون مثل هذه العمليات وفي هذه المناطق تعتبر انتحاراَ من الناحية اللوجستية والعسكرية، لكن لا استبعد لجوء تركيا لضربات جوية استدعت الحاجة، كالتي وقعت سابقا في جبل سنجار".
كما قلل سنجاري من أهمية دفع الحشد الشعبي بألوية صوب سنجار، وقال إن ذلك "استعراض للقوة ويقف بالضد من اتفاق سنجار بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان والذي ينص على إخراج اذرع حزب العمال الكوردستاني من هناك".
سنجاري وهو مقرب من مركز القرار السياسي في أربيل، قال ايضاً "إن اقليم كوردستان لم يعلق بعد على تحركات الحشد هذه صوب سنجار".