لحمايتها من "الإبادة".. أرشفة رقمية لتراث الايزيديين ومعتقداتهم
شفق نيوز/ ذكر معهد "تشاتهام هاوس" البريطاني، يوم السبت، إن الإيزيديين الناجين من الإبادة الجماعية على أيدي عناصر تنظيم داعش في العراق، ينكبون على توثيق معتقداتهم الدينية وتراثهم الثقافي المهدد بالانقراض وحفظ تاريخهم الشفوي بغالبيته من خلال الرسم والافلام والموسيقى وارشفتها على الانترنت.
وتناول تقرير المعهد البريطاني الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، واحدة من حكايات التجارب الملحة الجارية لحفظ التراث الايزيدي، وتتعلق بالشابة "ملاين لقمان" التي كانت تبلغ من العمر 13 عاما عندما خطف مسلحو داعش عائلتها خلال هجومهم على الايزيديين في جبال سنجار في العام 2014.
واشار التقرير الى انه بعد انفصال لقمان عن والدتها ونقلها الى الرقة في سوريا، استطاعت الفرار الى تركيا بعد 12 أسبوعا من أسرها.
الناجيات الـ16
واوضح التقرير ان "ملاين لقمان" أصبحت واحدة من 16 امرأة ناجية منتشرات في أنحاء المخيمات في شمال العراق ويقمن بتوثيق تجارب وعادات الشعب الايزيدي بالكاميرا والقماش والافلام من اجل اقامة أرشيف ثقافي رقمي.
واضاف ان ذلك يمثل واحدا من العديد من المبادرات الهادفة الى الحفاظ على هوية هذه الاقلية منذ أن حاول تنظيم داعش القضاء على تراثهم بقتلهم جماعيا واستعبادهم جنسيا وتدمير أضرحتهم التاريخية وقراهم.
وبعدما لفت التقرير الى ان 5 الاف ايزيدي قتلوا بوصفهم من جانب الارهابيين "هراطقة" لرفضهم التخلي عن معتقداتهم الدينية والتحول الى الإسلام، اشار الى ان نحو 40% من الايزيديين المقدر عددهم بنحو 600 ألف، فروا الى الخارج، في حين ان أكثر من 200 الف نازح انهكهم العيش في مخيمات النزوح حول دهوك، وهو في حال طلبوا اللجوء الى دول الغرب، فإن ذلك سيثير المخاوف من أن ذاكرتهم وعاداتهم الثقافية والدينية، ستتلاشى ايضا.
وفي حين اشار التقرير الى هذه الطائفة "باطنية"، تعتمد على خليط من المعتقدات الزرادشتية والمسيحية والاسلامية، وليس لها كتاب مقدس، وتنقل تعاليمها شفهيا من خلال "طائفة كهنوتية"، لفت الى ان الايزيديين لا يتقبلون فكرة المتحولين الى الدين، ويعارض العديد من كبار الطائفة كتابة التقاليد الشفوية او وضعها على الانترنت.
الحاجة الملحة لحفظ ثقافتهم
وذكر التقرير أن حملة القتل الجماعية والخطف التي تعرض لها الايزيديون، اقنعت النشطاء الايزيديين بأن هناك حاجة الى توثيق نظام معتقداتهم المهددة بالانقراض وتسجيل تاريخهم الشفوي المتميز.
وبين ان مشروع الأرشيف الثقافي الممتد لعام، بدعم من جمعية "مجتمع جميل" وبقيادة منظمة "يازدا" المدافعة عن الأقليات الدينية، يساهم ايضا في التعافي النفسي لفتيات مثل "ملاين لقمان"، وهو ما تؤكده مديرة الفنون والصحة في جامعة نيويورك نيشا ساجناني التي كانت مستشارة لهذا البرنامج.
ونبه التقرير إلى ان ورش العمل والرحلات الميدانية تشجع هؤلاء السيدات على اعادة التواصل مع انفسهن وتبادل الدعم بين بعضهم البعض، حيث تختار كل مشاركة موضوعها الخاص للعمل عليه لأن الاختيار جزء مهم بالنسبة الى الفتيات اللواتي تم تجريدهن من كل سلطة لهن عندما تم سجنهن.
ونقل التقرير عن ساجناني قولها إن الفن يمثل وسيلة للتعبير عما يشعرن به داخليا وذلك من خلال تحويل غير المرئي الى مرئي وغير ملموس، الى شيء ملموس.
وتابع التقرير انه بالنسبة لـ"ملاين لقمان"، فإن قيامها برسم وجه انثوي على شكل هيئة ضبابية باللونين الرمادي والازرق، يعكس شدة الألم الذي تعاني منه النساء.
ونقل التقرير عن لقمان قولها "كنت طفلة عندما اسروني، وأصبحت امرأة عجوز بعد ثلاثة أشهر.. انني ارسم لانني اريد ان يدرك الناس كيف كانت حياتي في الأسر. شعرت بالراحة في التعبير عن نفسي لأنه لم يكن بمقدوري التحدث".
الزواج المحرم
وذكر التقرير ان الايزيديين يحرمون الزواج من خارج مجتمعهم والعلاقات الجنسية مع غير المؤمن، قد تؤدي الى نفي الايزيدي المتورط بذلك، الا انه بعد هجمات العام 2014، ابتكر الزعيم الديني للايزيديين بابا شيخ، بعض الطقوس الجديدة للنساء اللواتي تعرضن الى الاستعباد سابقا.
واوضح التقرير انه في معبد لالش يتم غسل هؤلاء النساء العائدات بالمياه من نبع مقدس، ثم يتم اعتبارهن من "الطاهرات" مجددا من جانب مجتمعاتهم ويعاد الترحيب بهم مرة اخرى.
ونقل التقرير عن استاذة الدراسات الكوردية في جامعة اكستر البريطانية كريستين روبينز قولها إن خطوة بابا شيخ "كانت جذرية بشكل لا يصدق، وهي مؤشر على ان واحدة من أقدم الديانات في العالم، بإمكانها التكيف مع العصر الحديث".
واوضح التقرير ان مثل هذه الطقوس تم توثيقها في فيلم عن لالش انتجه ناجون من الابادة كجزء من الارشيف، وهو متوفر على منصة "Google Arts & Culture".
التراث الموسيقي
وتابع التقرير انه في مشهد آخر، يؤدي ايزيدي موسيقى دينية من داخل المعبد، وهي ترانيم كان يتم تناقلها شفهيا من جيل الى آخر، حيث يتعلم الموسيقيون نحو 500 ترنيمة موسيقية، مضيفا ان "مؤسسة عمار" الخيرية البريطانية هي من يقوم بتسجيل وفهرسة هذه الموسيقى القديمة.
وذكر التقرير أن الحفاظ على الاغاني الشعبية التقليدية يجري من جانب مجموعة من الايزيديات اللواتي شكلن كورال في مخيم للاجئين، وبينهن العديد من المختطفات سابقا، حيث يشكل الغناء ملاذا من الذكريات التي تطاردهن، مضيفا ان هذه الاغاني حول الحب والخسارة والبطولة المأساوية.
وتابع التقرير أنه يجري ارشفة هذه التسجيلات المقدسة في "مكتبة بودليان" في اكسفورد، وفي مكتبتي الموصل ودهوك، مضيفا انه يجري جمع المزيد من الاغاني المكتوبة للمرة الاولى.
انتهاك الدين والجسد
ولفت التقرير الى ان الايزيدية نادية مراد الفائزة بجائزة نوبل للسلام لعام 2018، قالت ان تمكين الايزيديين من الاحتفال بتراثهم وتوفير أماكن امنة لممارسة شعائرهم الدينية يشكل مسألة مهمة من أجل مواجهة تداعيات الابادة الجماعية، مضيفا ان العديد من الايزيديات، تم بيعهن وتزويجهن من مسلحي داعش، وإجبارهن على اعتناق الإسلام. ونقل التقرير عن مراد قولها "لقد انتهكوا ديننا بالاضافة الى اجسادنا".
ولفت التقرير إلى ان مؤسسة "مبادرة ناديا" قامت بترميم 3 معابد ايزيدية مدمرة، حيث بإمكان العائلات الحضور للمشاركة في المناسبات الدينية والمهرجانات، وقالت مراد ان "معرفة ان تراثنا سيحفظ للمستقبل، يمثل التعافي".
وبالاضافة الى ذلك، فأنه في مدن الخيام المنتشرة في العراق، أمضت مجموعة من الشعراء والموسيقيين وصناع الأفلام الشباب العام الماضي وهم يقومون بإجراء مقابلات مع السكان المسنين، حيث انه من العادات أن يكون لكل عائلة "حكواتي" عادة ما يكون احد الاجداد حيث ينشد الأغاني ويروي حكايات من الفولكلور ويكون بمثابة وصي يحرس تاريخ العائلة.
الذاكرة الجماعية
واوضح التقرير ان هؤلاء يتحدثون عن الحياة في القرى ويروون حكايات عن هجوم الذئاب والدببة على الاغنام، وعن الالام المرتبطة باجبار الدكتاتور العراقي صدام حسين لهم على النزوح، مضيفا ان ارشفة هذا التاريخ الشفوي سيتم على الإنترنت لكي يتمكن الايزيديون في جميع أنحاء العالم من استخدامه كذاكرة جماعية لهم.
وختم التقرير بالاشارة الى ان الايزيديين يقولون انهم نجوا عبر القرون من 74 محاولة لابادتهم، مضيفا ان "ملاين لقمان" تتحدث عن تأثير خوضها تجربة الرسم وتوثيق ثقافتها، موضحة أن "ذلك ساعدني على ان اتذكر من انا ومن هم شعبي".
وقالت لقمان إن "الإيزيديات لسن ضعيفات. اريد ان يعرف الاخرون اننا عدنا وأكثر قوة من السابق".
ترجمة: وكالة شفق نيوز