كيف يقضي المدنيون أيامهم على الخط الأمامي لمعركة الموصل؟
شفق نيوز/ يجلس عبد الرازق عبد الكريم المصور الفوتوغرافي المتقاعد على كرسيه المتحرك خارج بيته في الموصل بعد يوم ماطر وعلى عينيه نظارته الشمسية مستمتعا بأشعة الشمس ساعة العصاري.
ولا يجفل عبد الكريم عندما تنطلق قذيفة مورتر من مدفع على الناصية.
يقع بيته على أنشط الخطوط الأمامية في هذه المدينة الشمالية في العراق حيث لا يبعد سوى 200 متر فقط عن مواقع تنظيم داعش. وخارج بيته تتمركز وحدات من الشرطة العراقية وتطلق من موقعها النار على المتشددين.
عمدت القوات الحكومية إلى إجلاء المدنيين في إطار حربها للسيطرة على الموصل المعقل الرئيسي السابق للتنظيم في العراق والتي أصبحت مسرحا لمعركة مستمرة منذ ستة أشهر.
غير أن بعض الأسر ترفض الرحيل فلا تأبه بخطر قذائف المورتر التي تطلق من مسافة غير بعيدة أو بهجوم مضاد قد يشنه المتشددون الذي يتنقلون ليلا. وتتردد أصداء النيران بلا توقف بين الشرطة الاتحادية والمتشددين المتحصنين في متاجر وشقق مهجورة.
قال عبد الكريم (72 عاما) الذي كان يعمل في استوديو للتصوير وهو يجلس بجوار ابنه المعاق وحفيده "لا أبغي الرحيل. عشت حياتي كلها في هذا البيت."
ويعيش الثلاثة في هذا البيت المكون من طابقين في زقاق ضيق مع خمسة أشخاص آخرين من أسرتين أخريين. وأمام البيت تقف سيارات الهمفي العسكرية وتنتصب مدافع المورتر.
تقول الأمم المتحدة إن حوالي 300 ألف فرد فروا من الموصل منذ بدء هجوم القوات الحكومية لاستعادة المدينة في أكتوبر تشرين الأول الماضي.
لكن عبد الكريم وأصدقاءه يرتعبون من فكرة الذهاب إلى واحد من المخيمات المكتظة بالنازحين حيث تخصص وكالات الإغاثة خيمة لكل أسرتين بسبب نقص الأماكن. ويتكدس آخرون في بيوت بعض الأقارب.
اختزنت هذه الأسر كميات من الطعام والماء والوقود اللازم لتشغيل مولد كهرباء عندما بدأت الحملة العسكرية. وتقول الأسر إنه لا توجد متاجر للمواد الغذائية على الخط الأمامي غير أن الجنود يتقاسمون في بعض الأحيان حصصهم الغذائية مع السكان أو يتوجه فرد من الأسرة إلى واحد من مراكز توزيع المواد الغذائية التي أقامها الجيش.
قال عبد الله أحمد المهندس البالغ من العمر 42 عاما المقيم مع عبد الكريم "ربما نكون ثلاث أو أربع أسر باقية. والآخرون رحلوا. في الجهة المقابلة كان 50 شخصا يعيشون في بيت واحد لكنهم فروا."
* الموت قريب
يكشف الزقاق القصير الذي يعيشون فيه عن التحديات التي يواجهها الجيش، في سعيه لإخراج مقاتلي تنظيم داعش المختبئين في المدينة القديمة، من صعوبة اجتياز متاهة الأزقة الضيقة المغطاة في كثير من الأحيان مما يتيح مخابئ مثالية للقناصة أو لنصب الكمائن.
ويقدر مسؤولون أمريكيون أن حوالي 200 مقاتل كانوا لا يزالون في الموصل في فبراير شباط في بداية المرحلة الثانية من الحملة العسكرية لإخراجهم من الشطر الغربي من المدينة.
تقترب القوات العراقية شيئا فشيئا من جامع النوري الذي أعلن منه زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي قيام دولة خلافة قبل قرابة ثلاث سنوات في الأراضي التي سيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق. فقد أصبحت القوات العراقية على بعد 300 متر فقط من الجامع.
غير أن خط الجبهة لم يكد يتحرك في الأسبوعين الماضيين إذ لا فائدة في عربات الهمفي والدبابات في المدينة القديمة.
قال أحمد "كما ترى شارعنا عرضه متر ونصف".
كان التنظيم قد أغلق محل أطباق الأقمار الصناعية الذي يملكه إذ منع المتشددون مشاهدة بث القنوات التلفزيونية في إطار تطبيق تفسيرهم المتشدد للشريعة الإسلامية.
وقال أحمد مشيرا إلى اتجاه الجامع "قرب المسجد عرض الشوارع نصف هذا العرض فقط. وهناك حوالي 40 إلى 50 بيتا صغيرا حوله. من الصعب جدا التحرك هناك."
وعندما فتحت الشرطة الاتحادية النار بمدفع رشاش منصوب في الدور العلوي لبيت من خلال فتحة في الجدار رد مقاتلو التنظيم على النار خلال دقيقتين بدقة في التصويب.
قال شرطي عراقي "يوجد قناصة هنا."
وثمة سبب آخر لرغبة هذه المجموعة من سكان الموصل في تفادي الذهاب إلى المخيمات. فقد قبض مقاتلو التنظيم على زوج شقيقة أحدهم قبل وصول القوات الحكومية.
قالت الزوجة ذكريات موفق (30 سنة) وهي تبكي في المطبخ أثناء إعداد وجبة من الأرز والبقول "خائفة أن يكونوا قتلوه لأنه كان شرطيا."
وأضافت "لا أريد الرحيل قبل أن أعرف أين هو. ضروري أن أبقى."