كيف يستفيد العراق من التقارب السعودي الإيراني.. رؤية بريطانية تحدد أهداف بغداد وبكين
شفق نيوز/ سلطت "مجموعة الأزمات الدولية" البريطانية الضوء على التداعيات المحتملة للاتفاق السعودي-الإيراني على الأوضاع في العراق، معتبرة بشكل مبدئي ان تأثير الصفقة سيتمثل بخفض التوترات في البلد، كما ان احتمالات الحلول السريعة للأزمات والتوترات الاقليمية، لا تزال ضئيلة، فيما كشفت المجموعة البحثية ان الصين سترعى اجتماعا مشابها قريبا، سيضم ممثلي الدول الخليجية وايران سوية في بكين.
وفي الوقت نفسه، اعتبر التقرير البريطاني الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، ان الاتفاق بين الرياض وطهران المعلن في 10 مارس /اذار 2023، كان مدفوعا جزئيا برغبة السعودية في حماية نفسها في حالة تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وايران، بينما اشار الى ان المبادرة التي رعتها الصين، هدفها الحد من التوترات في جميع انحاء الشرق الاوسط.
وبعدما لفت التقرير الى ان العراق وسلطنة عمان استضافتا في السابق جولات حوار سعودي-ايراني، الا انه قال إن دور الصين في توليد الاتفاق لم يكن متوقعا وكذلك السرعة التي سارت بها عملية التقارب، معتبرا في الوقت نفسه، انه من غير الواضح حتى الان المدى الذي يعكسه مستوى البيان المشترك الصادر عن الدول الثلاث (الصين والسعودية وايران)، كتحول "جيوسياسي من شأنه ان يشهد تولي الصين دورا اكبر في منطقة تهيمن عليها الولايات المتحدة منذ فترة طويلة".
واعتبر التقرير ان السؤال الذي لا يقل اهمية يتعلق بما اذا كانت اتفاقية بكين ستساهم في ادارة او حل النزاعات في اماكن اخرى من الشرق الاوسط بعدما ضاعفت الاجندات الاقليمية المتنافسة للرياض وطهران الحروب المدمرة في اليمن وسوريا ، وتفاقم عدم الاستقرار في لبنان والعراق، فيما رأى ان تقليص حدة المنافسة الاقليمية من شأنه المساعدة في اعادة توجيه الطاقة السياسية نحو النزاعات الداخلية الاساسية، الا ان احتمالات الحلول السريعة لا تزال ضئيلة.
كما يشير التقرير الى ان التقارب الايراني السعودي قد يخفف من المخاوف الامنية لدول الخليج، الا ان لا يحد من خطر حدوث ازمة ناجمة عن برنامج ايران النووي والتهديد الذي يمثله، خصوصا بالنسبة لاسرائيل، وايضا لبعض جيران ايران، بما في ذلك المملكة السعودية.
العراق
وحول العراق، يقول التقرير إن "الصفقة السعودية الايرانية بمقدورها خفض التوترات في العراق"، مذكرا بأن بغداد تحاول منذ مدة التقريب بين جارتيها".
وتابع ان حدود ايران مع العراق هي ضعف طول حدود السعودية مع العراق، وتتمتع ايران ايضا بعلاقات دينية واقتصادية وثقافية قوية مع العديد من العراقيين، وبنفوذ سياسي كبير، خصوصا من خلال القوى والاحزاب الشيعية، وجماعات مسلحة، ربما تكون مسؤولة عن هجمات على المملكة السعودية في عامي 2019 و 2021.
وفي المقابل، لفت التقرير الى ان السنة في العراق يقيمون تاريخيا علاقات عشائرية وتجارية ودينية مع السعودية التي تمارس نفوذا ضئيلا نسبيا من خلال العشائر السنية واحزاب سياسية كانت شريكة في حكومات تقاسم السلطة بعد العام 2003.
وتابع التقرير ان السعودية وجدت في الوضع الامني العام، وخصوصا وجود الجماعات المدعومة ايرانيا، بالقرب من حدودها التي يبلغ طولها 800 كيلومتر مع العراق، ما يشكل تهديدا لمصالحها.
واشار التقرير الى ان بغداد، ومن اجل الحد من حرارة التوتر، فإنها بذلت جهودا لاعادة جعل العراق ساحة للحوار الاقليمي بدلا من المواجهة بالوكالة، حيث طالب العديد من السياسيين العراقيين بعلاقات افضل بين السعودية وايران.
وفي هذا السياق، لفت التقرير الى الجهود التي بذلها رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي للاستفادة من الروابط التي اكتسبها كرئيس سابق للمخابرات، من اجل جمع ممثلين عن ايران والسعودية في بغداد لعقد خمس جولات من المحادثات المباشرة خلال فترة ولايته.
وفي حين رأى التقرير ان تلك المفاوضات كانت ضرورية من اجل توضيح مخاوف الطرفين، وتطوير ممارسة للحوار المنتظم الذي مهد الطريق لاجتماع بكين.، قال انه خلال عهد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني سعت بغداد الى تعزيز علاقاتها مع المملكة السعودية حيث وقع مسؤولو وزارة الداخلية من السعودية والعراق في شباط/فبراير مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون الامني.
ورأى التقرير ان الانفراج السعودي الايراني قد يؤدي ايضا الى ازالة العقبات السياسية التي وقفت في طريق الاستثمار السعودي في العراق. وفي الوقت نفسه، اشار التقرير الى ان العديد من العراقيين لا يزالون متشككين في ان ايران مستعدة لاجراء تغييرات كبيرة على سياساتها الطويلة في العراق، بالاضافة الى تشككهم في انهاء تدخلها في السياسة الداخلية.
وتابع انه في حين ان بعض الاحزاب العراقية الجديدة والمستقلين تبدي ترحيبا بالانفراج السعودي الايراني وامكانية ان يؤدي الى الحد من التوترات الاقليمية، فان اخرين يحذرون من ان زيادة التنسيق مع العراق والاستثمار المحتمل في العراق من قبل السعودية لن يكون مفيدا سوى للنخبة الحاكمة ويعزز قبضتها على العراق.
كما يخشى اخرون في العراق، بحسب ما يشير اليه التقرير، من ان التوتر المستمر بين ايران والولايات المتحدة، حول البرنامج النووي الايراني مثلا او حول استمرار الوجود العسكري الامريكي في العراق، قد يؤدي مجددا الى اعمال عنف من قبل الجماعات شبه العسكرية.
وفي حين نوه التقرير الى ان الاتفاق السعودي الايراني كان مدفوعا جزئيا برغبة المملكة في حماية نفسها في حالة تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وايران، الا انه قال ان اندلاع عنف كهذا سيجعل من الصعب على الرياض الاستمرار في الانخراط مع بغداد.
الخليج واتفاق بكين
وحول تأثيرات الاتفاق السعودي-الايراني على دول الخليج، قال التقرير إنه يوفر خريطة طريق لاعادة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران في غضون شهرين، وقد يحد كثيرا من العداء الشديد الذي كان قائما بينهما طوال الجزء الاكبر من العقد الماضي.
ونقل التقرير عن مسؤول سعودي رفيع المستوى قوله إن الرياض "تريد ان تبني على الزخم الذي خلقه نجاح محادثات بكين". وذكر التقرير بتصريح لوزير المالية السعودي بان المملكة مستعدة لبدء الاستثمار في ايران "بسرعة كبيرة".
ورأى التقرير انه الى جانب تحسين العلاقات الثنائية، فإن اتفاق بكين قد يساهم في تخفيف التوترات في منطقة الخليج الأوسع، مذكرا بأن مسؤولين في الامارات والكويت وعمان رحبوا بالاتفاق باعتباره خطوة نحو الاستقرار والازدهار ستكون في صالح كافة الاطراف.
لكن التقرير نقل عن مسؤول قطري رفيع المستوى قوله إن الاتفاقية كانت "خطوة اولى ايجابية" ، لكن المملكة السعودية ستحتاج وقتا لكي تستعيد درجة من الثقة في النوايا الايرانية بعد سنوات من العداء.
ومع ذلك، لفت التقرير الى ان العلاقات قد تحسنت بين دول الخليج وايران بشكل ملحوظ خلال العامين الماضيين.
لكن التقرير خلص الى ان الاختبار الاساسي لنجاح الصفقة السعودية-الايرانية، يتعلق بما اذا كانت الاطراف ستستمر في التدخل في السياسات المحلية لبلدان الاخرى، مذكرا بان الرياض اشتكت دوما من الدعم الايراني للجماعات المسلحة في كافة انحاء المنطقة والمحاولات الإيرانية المفترضة لاثارة التمرد بين الاقلية الشيعية في السعودية.
وفي المقابل، فإن إيران قد اتهمت دول الخليج بتسهيل الوجود الاميركي والاسرائيلي بجوارها. وقال التقرير إن "هناك خطوتين اوليتين واضحتين يمكن لايران والسعودية القيام بهما لإثبات التزامهما بعدم التدخل" ضد بعضها البعض، مشيرا الى ان السعودية ستكبح دعمها للشبكات الاعلامية التي أثارت غضبا ضد النظام الايراني، بينما قالت ايران انها ستقلص شحنات الاسلحة الى المسلحين الحوثيين في اليمن.
وبحسب التقرير، فإن اتفاق بكين، يمكن ان يساهم في فتح الباب امام حوار امني بين دول الخليج وايران والعراق.
واضاف ان مثل هذا الحوار يمكن ان يكون فرصة للدول لمناقشة وتطوير طرق لمعالجة مخاوفها الامنية الاساسية، خصوصا في الخليج نفسه، وهو حوار يمكن ان يكون له تاثير ايجابي على الحرب في اليمن وربما حتى، مع الوقت، في ساحات اخرى.
واشار التقرير الى ان الصين عرضت استضافة اجتماع بين دول الخليج وايران في بكين في وقت لاحق من العام 2023.
ونقل التقرير عن مسؤول سعودي كبير قوله مثل هذا الاجتماع سيكون "منطقيا"، لكن لم يتم الاتفاق على اي شيء حتى الان.