قمم بغداد... من المنفى السياسي إلى العودة للمسرح العربي

قمم بغداد... من المنفى السياسي إلى العودة للمسرح العربي
2025-05-10T14:41:43+00:00

شفق نيوز/ قبل أكثر من أربعة عقود، استضافت بغداد أول قمة عربية في تاريخها، في وقت كانت فيه تحاول أن تضع نفسها في قلب القرار العربي، ومنذ ذلك التاريخ، كانت كل قمة تنعقد في العاصمة العراقية مرآة دقيقة لتحولات المنطقة، من الانقسام بسبب كامب ديفيد، إلى الغزو، فالانكفاء، ثم الصعود الحذر مجددًا.

والآن، بينما تستعد بغداد لاستضافة القمة الخامسة في 17 أيار/مايو 2025، يبدو العراق في لحظة رمزية فارقة: فقد خرج من ظلال الحروب والإرهاب، ويحاول تثبيت مكانته كمركز للقاء العربي لا كساحة للصراع.

1978: بداية الدور وصوت الرفض

في تشرين الثاني 1978، كانت بغداد تعيش استقرارًا سياسياً نسبياً، قبل أن تنزلق نحو الحروب. في تلك اللحظة، جمعت أول قمة عربية لها بدعوة من الرئيس أحمد حسن البكر، وبمشاركة حيوية من نائبه آنذاك صدام حسين. الموضوع الأبرز، رفض اتفاقيات كامب ديفيد، وتحديداً الخطوة المصرية المنفردة نحو السلام مع إسرائيل.

القمة، التي خرجت بموقف صارم ضد التطبيع، أدت إلى تجميد عضوية مصر لاحقًا، ونقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس، ما شكّل محطة مفصلية في تاريخ العلاقات العربية البينية. بدأ العراق حينها في موقع القائد المتحمس للقومية العربية، يقود محورًا رافضًا للسلام المنفرد.

1990: قمة على حافة الانفجار

بعد 12 عامًا، وفي ظل صعود صدام حسين إلى رأس السلطة، عقدت بغداد قمة استثنائية ثانية في أيار/مايو 1990. كانت المنطقة لا تزال تتلمس تداعيات انتهاء الحرب العراقية-الإيرانية، لكنّ العراق كان في حالة توتر اقتصادي خانق، يحمّل جيرانه خصوصاً الكويت مسؤولية أزماته.

ورغم أجواء التهديد السياسي، حضر معظم الزعماء العرب، وبحثوا قضايا مثل القدس وتوحيد اليمن. لكنّ القمة سرعان ما تحولت إلى مشهد ما قبل العاصفة، إذ اتضح لاحقًا أنها لم تفلح في كبح جماح أزمة ستتفجر بعد أسابيع بغزو الكويت. هذه القمة كانت الأخيرة لبغداد قبل أن تدخل نفق العزلة الطويل.

2012: عودة مشروطة ومحكومة بالحذر

بعد أكثر من عقدين من الغياب، عادت بغداد لتستضيف القمة في آذار/مارس 2012. تغيّرت الوجوه والنظام، وشارك الرئيس جلال طالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي في تنظيمها. لكن البلاد لم تكن في وضع طبيعي. التفجيرات متواصلة، والانقسام السياسي عميق، والربيع العربي كان يغير ملامح الجغرافيا السياسية من تونس إلى سوريا.

رغم أن المشاركة لم تكن كاملة إذ اكتفت دول كثيرة بتمثيل منخفض إلا أن حضور أمير الكويت شكّل اختراقًا دبلوماسيًا لافتًا. وكان ملف الأزمة السورية هو محور الجلسات، وسط انقسام حاد بين من يطالب بإسقاط النظام السوري، ومن يدعو للحوار. بالنسبة للعراق، كانت القمة لحظة إثبات للقدرة، ولو بالحد الأدنى.

2025: محاولة لاستعادة الدور الكامل

الآن، ومع اقتراب انعقاد قمة بغداد الخامسة، تبدو الصورة أكثر اتساعًا. العراق بقيادة محمد شياع السوداني، يعرض نفسه كجسر عربي بعد أن كان عبئًا في ملفات الأمن والتوافق. يسوّق نفسه كمضيف جامع، بعد أن جمع في السنوات الماضية دولًا متخاصمة (مثل مؤتمر بغداد للشراكة في 2021 و2022).

التحدي، هو تحويل هذا الحضور من رمزية إلى فعل. ففي ظل قضايا معقدة كفلسطين، وسوريا، والسودان، وليبيا، وغياب مشروع عربي موحد، لن يكون مجرد نجاح تنظيم القمة كافيًا. لكن بغداد تراهن على لحظة قد تُعيد إليها صوتها المفقود، في زمن يتغيّر فيه المشهد الإقليمي بلا ضمانات.

مع ذلك، تبدي الحكومة العراقية تفاؤلًا مشوبًا بالحذر تجاه هذه القمة. فهي ترى أنها فرصة لتقديم نهج عربي جديد قائم على احترام سيادة الدول وعدم التدخل المتبادل، وفتح باب التكامل الاقتصادي بدل الصراعات.

فإذا استطاعت قمة بغداد 2025 بلورة مواقف فعّالة مثلاً تجاه دعم إعادة إعمار غزة، أو بدء مصالحة عربية في ملفات خلافية كسوريا وليبيا فستكون حقًا علامة فارقة في مسار النظام العربي، وتأكيدًا على طي صفحة أفوله. أما إن جاءت المخرجات دون التوقعات، فلن تنتقص ذلك من أهمية استضافة العراق للقمة بحد ذاتها، التي ستلقي الضوء على عودة بغداد لممارسة دورها في منطقة متوترة.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon