قراءة عراقية لفوضى تعيشها ديالى وكركوك: سلطة فوق القانون تتسيد المشهد المضطرب
يشير الوضع الحالي في ديالى وكركوك، إلى تصاعد حزم تقليدية من الأزمات، التي تشكل كل واحدة منها تحدياً كبيراً لحكومتي ديالى وكركوك، وتشكل أيضاً أزمة بين بغداد وكردستان، حيث تطغى الأحزاب والفصائل المسلحة المتنمرة المحلية على المشهد، مشهد تقاسم السلطة والثروة. وتشمل مشاريع التقاسم والتناتش، الوظائف الحكومية وتجارة النفط والمعابر الحدودية والداخلية والكراجات والسلاح والأدوية، فيما يبدو القانون غائباً، وتحاول العشائر والفصائل المسلحة ملء فراغه.
وكان من إفرازات ذلك ما حدث في مركز كركوك وجنوبها وشرق ديالى ومناطق أبو صيدا وبهرز والمخيسة وخانقين وشيروين والسعدية وجلولاء ودلي عباس، فهذه المناطق الهشة بسبب تنمر الفصائل المسلحة والعشائر المساندة لها، عززت نفوذ شبكة “داعش” وامتدادها.
من خلال الرصد والمتابعة، فإن معدل العمليات التي تنفذها مفارز “داعش” في كل من ديالى وكركوك أسبوعياً، يتراوح بين 14 و16 عملية إرهابية، بين حرق محاصيل زراعية وخطف وقنص وعبوات ناسفة وعجلات مفخخة مركونة وهجمات على القوات الأمنية المرابطة على الطرق الخارجية. في هذا الإطار، يسعى المراقب لشؤون الأمن والحركات المسلحة في العراق إلى رصد أهم المقالات والتحليلات ووجهات نظر ما بعد الحدث خلال شهر أيار/ مايو 2019، حول أبرز الملفات والقضايا على الساحة العراقية، لتقييم الاستراتيجية العراقية بعد النصر على “داعش” لمطاردة فلوله. هذا إضافة إلى توسع نفوذ الأحزاب السياسية واذرعها المسلحة وتسلطها على اقتصاد محافظتي كركوك وديالى، وتداعيات التوصل إلى تفاهم أميركي – ايراني على أمن العراق والمنطقة وخريطة التحالفات السياسية العراقية الجديدة، بعد تمزق تحالف المحور السني وأنباء جدية عن ذهاب تحالف “سائرون” مع تحالف “الحكمة”، إلى معارضة سياسية وتنازل الدكتور العبادي عن جميع مناصبه داخل حزب الدعوة الإسلامية مع بقاء عضويته. يضاف الى ذلك وتهديدات مباشرة لفصائل ولائية داخل الحشد الشعبي وتهمتها بمهاجمة المنطقة الخضراء في ليلة 19 أيار 2019 بصاروخ كاتيوشا.
حرب أولويات
ظهور إصدار مرئي عن ولاية العراق/ الفلوجة، لم يؤكد هزيمة “داعش” جذرياً، فقد ركز الإصدار على مجموعة مشاهد سجلت على امتداد عام كامل من حزيران/ يونيو 2018 وحتى حزيران 2019، وعلى نقاط الضعف في صفوف القوات الأمنية والعسكرية والحشد الشعبي. وركز على التعريف بـ”العدو”، والأولوية عند مفارز “داعش”، وهي رسالة خطيرة وإن كان المحتوى مكرراً. هذا الإصدار المرئي أخطر ما فيه عودة مفارز “داعش” إلى الفلوجة والكشف عن تغير في تكتيكات شبكات “داعش” التي تتبناها القواطع في العراق.
الحشد العشائري أعطي الأولوية لمهاجمة العشائر العربية السنية أكثر من الحشد الشعبي، لإرهاب أبناء العشائر ومنع تعاونهم مع القوات الأمنية.
القيادة المشتركة العراقية في شهر أيار قامت بتسليح 55 قرية من أبناء العشائر السنية حيث تتبنى استراتيجية تتألف من جهود تشاركية مع العشائر السنية في المناطق التي هي أحزمة المدن المحررة من “داعش”. وهذا ما يعرف بصحوات ديفيد بترايوس، ما يعني أنه يدعو إلى تبني جهد جماعي وتعاوني، تشارك فيه القوات المشتركة العراقية النظامية مع حلفائها من أبناء العشائر العربية السنية وهناك خصوصية لكل منطقة.
وقد حددت القيادة المشتركة وقيادة جهاز مكافحة الإرهاب الأولويات في نقطتين رئيسيتين وهما:
-استخبار أهداف لـ”داعش” في مناطق قرى الحدود والمناطق المهجورة والمفتوحة بالتعاون مع السكان المحليين، لدعم القوات البرية العراقية.
-تدريب وتجهيز أبناء تلك المناطق.
ويرى الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي قائد قوات مكافحة الإرهاب، إن بناء قوات مسلحة عراقية وطنية متعددة الطوائف هي هدف عظيم وليست مناورة سياسية.
ووفقاً للفريق الأول ركن عثمان الغانمي رئيس اركان الجيش، فإن الآليات التي ستتخذها وزارة الدفاع العراقية لتحقيق ذلك أصبحت واضحة، بخاصة في ما يتعلق بدمج جميع المكونات في القوات العراقية، وإبعاد الجيش العراقي من أن يكون طرفاً في التوترات السياسية بين الأكراد والعرب.
في المناطق المحررة تفتقر الجهود الحكومية الاتحادية والمحلية المتصلة لبناء قدرات الشركاء المحليين إلى الوضوح، بخاصة في إيجاد شركاء من العرب السنة في المناطق التي تحررت من سيطرة “داعش”. ويتحدث أبو مهدي المهندس عن وجود أعداد محددة من أبناء العشائر العربية السنية الذين لهم دور في المفاصل القيادية في هيئة الحشد الشعبي، وذلك يعني غياب أي نهج حكومي لتقليص التوترات بين قيادات الفصائل الشيعية وفصائل العرب السنة والأقليات.
تتباين أسباب انتشار العمليات الإرهابية في ديالى وكركوك طبقاً لظروف وملابسات كل محافظة، لكن يتمحور معظمها حول أسباب، يمكن تلخيصها فيما يلي:
1- التعددية القومية والطائفية والدينية، والتي عادة ما تمثل محفزاً للانفصال، لا سيما إذا ما اقترنت بممارسات انعدام العدالة الانتقالية والتضييق على الحقوق المكونات الضعيفة. ومحافظتا ديالى وكركوك تتميزان بوجود مكونات رئيسية ذات ذاكرة جمعية عريقة أهمها: العربية والكردية والتركية.
2- تباين اللغات والهويات الفرعية داخل المحافظة، ما يؤدي إلى ترسيخ الاعتزاز بالهوية الفرعية بخاصة للضعفاء الذين لا يحميهم قانون الدولة الضعيف، ويزيد من فرص تفكك المجتمع وتناحر الجماعات والفئات، ويتجلى ذلك الأثر في حالة كركوك وشمال شرقي ديالى. فكركوك تتكوّن من التركمان والأكراد والعرب، ويبدو أن الخلاف حول الاحقية في حكم كركوك سيظل عائقاً أمام استقرار كركوك وديالى.
3- تصاعد الصفقات السياسية الطائفية والقومية لتقاسم السلطة والثروة: فقد اتجهت الفصائل المسلحة واحزابها عام 2016، إلى تكريس الانقسامات الطائفية السنة والشيعة، والتركمانية والكردية، والشيعية والكردية.
4- فقدان القانون قدرته على فرض قواعد الضبط في احتكار السلاح والعنف بيد الدولة. وهو ما كشف عنه واقع محافظتي ديالى وكركوك في حكومة عادل عبد المهدي، فلم تعد الأجهزة الأمنية النظامية في بعض اقضية كركوك وديالي قادرة على بسط نفوذها بشكل كامل على قواطع صلاحياتها، ما شجع الكثير من الأحزاب السياسية وفصائلها المسلحة إلى توسيع نفوذها الاقتصادي خلافاً للقانون، وتوظيف وجودهم في البرلمان والحكومة الاتحادية وفصائلهم المسلحة في الضغط على الحكومة الاتحادية والمحلية للاستجابة لمطالبهم.
قرى مهجورة طاردة السكان
أصبحت نحو 116 قرية من القرى في جنوب كركوك وشمال وشرقي ديالى، بمنزلة “قرى مهجورة طاردة للسكان”، ومن ثم هي قرى بلا اقتصاد ولا يوجد من يفرض القانون من رجال الأمن، فإنها في المقابل تشكل “مضافات جاذبة” لتجمع فلول داعش، لعوامل عدة، من أبرزها:
1-التضاريس الدفاعية، إذ تتمتع القرى الحدودية والزراعية بميزة “التضاريس الطبيعية المعقدة والصعبة” لأنشطة مفارز تنظيم “داعش”، بفعل تضاريسها المعقدة والمتنوعة، إذ تنتشر الجبال والوديان والكهوف والكثبان الرملية، التي لا يتكيف معها سوى السكان المحليين والعشائريين الذين ارتبطوا بتاريخ هذه القرى.
ينطبق هذا الوصف على قرى حوض سنسل وحوض حمرين وحوض العظيم وقرى الحويجة والعباسي.
2-ثمة نمط جغرافي آخر للقرى التي أصبحت هدفاً لـ”غزوة الاستنزاف” في الأحزمة الزراعية، بخاصة تلك التي تقع بين محافظات ديالي وكركوك وصلاح الدين ونينوى والانبار، إذ يغلب عليها الطابع الريفي القاسي، علاوة على قربها من موارد مهمة مثل، المنشآت النفطية والطرق السريعة الرابطة بين المحافظات والمخازن العسكرية وسيطرة الجمارك والمنافذ الحدودية، وهي أراض صالحة لزراعة القنب الهندي المخدر.
في المقابل، القرى الحدودية والزراعية والأحزمة الريفية والصحراوية المفتوحة في المناطق بين نينوى والانبار، هي قرى مهجورة وتُمنع عودة سكانها لأسباب أمنية واقتصادية ودينية وقومية وطائفية. وبعد عام 2018 ساعدت على توغل تنظيم “داعش”، باتجاه عمق محافظات صلاح الدين ونينوى وكركوك وديالي، فالمعطيات تؤكد توغل قرابة 1500 عنصر من “داعش” إلى العراق من سوريا. واعترافات من ألقي القبض عليهم تؤكد حملهم مبالغ نقدية، قرابة 150 أو 180 دولاراً مع كل عنصر، ومصوغات وسبائك ذهبية، إذ تبرع مفارز “داعش” في صناعة أماكن الاختباء من أجهزة الأمن وطائرات المراقبة وعيون المصادر الاستخباراتية، بحسب تسريبات صحفية عن مصادر من استخبارات التحالف الدولي.
3- ديموغرافيا القرى الحدودية والريفية تشكل مناطق أكثرية العرب السنة المؤثرة عشائرياً والمحافظة دينياً، بما يساعدها على جذب الجماعات الجهادية التي تتبنى خطاباً يحمل قضية الدفاع عن الهوية السنية التي تتعرض للتهميش والاضطهاد، بسبب تحكم الفصائل المسلحة الآتية من خارج تلك القرى باقتصادها وسلوكها الديني والاجتماعي.
وتترافق معضلة ضعف تنفيذ برامج تمكين الاستقرار مع أزمات سياسية واقتصادية تجعل منها مكاناً أكثر أماناً للمفارز الإرهابية المحلية التي تعتمد التجنيد عبر التخادم الاقتصادي والوظيفي. فالقيادة المشتركة لم تستطع بناء قوات مسلحة وطنية تؤمن حدود تلك المدن المحررة بفعل انتشار الفصائل المسلحة المنتصرة على “داعش”، التي تتنمر على سلطة القانون والقوات الأمنية النظامية في تلك المناطق بعد هزيمة “داعش”.
4-توجد علاقة بين مناطق تجمع مفارز وفلول “داعش” في تلال حمرين وجبل الخانوكة وجبال مكحول، ومسارات تهريب الدعم اللوجيستي والسلاح والتقنيات والوقود، وذلك لتوفير بنية لوجيستية، للتدريب أو لتمويل العمليات الإرهابية وتطوير الأسلحة وتخزينها. كما أن تلك القرى الغنية بالأراضي الخصبة والبساتين، تمتلك أيضاً موارد بشرية تسعى الشبكات الجهادية إلى تجنيدها. وتشير تقارير معلوماتية عراقية إلى وجود معسكرات للتدريب بخاصة لمفارز “داعش” في تلك القرى، وهذا واضح في قرى جنوب الموصل وحزام بغداد الشمالي وشرق ديالى وغرب كركوك. أما في محافظة صلاح الدين فيتم تجنيد عشرات العناصر من المناطق المحيطة ليتم تكليفهم بمهمات لوجيستية واستخبارية واستثمارات اقتصادية، كون هؤلاء غير مطلوبين لقوات الأمن العراقي.
عمليات نوعية
في قاطع ديالى منطقة تلال حمرين، يقود الساعدي عمليات نوعية لملاحقة عشرات الأهداف التي تم استخبارها بشكل جيد منذ فترة طويلة، بعد فشل الكثير من الحملات التقليدية التي قامت بها القوات العسكرية هناك.
عندما فقدت وحدات “داعش” التقليدية سيطرتها الفعلية على مناطق شمال ديالى وشمال شرقها، ومناطق أخرى كانت تسيطر عليها نهاية عام 2015، أهملت المنطقة بعمليات خاصة بالتطهير وملاحقة الفلول، وذلك لانشغال القوات المسلحة العراقية بعمليات التحرير في جبهات محافظة صلاح الدين ومحافظة الانبار. هذاالامر مكن ما يعرف بقاطع ديالى في تنظيم “داعش” من التكيف مع واقع الهزيمة وإعادة تأهيل عناصره والاعتماد على العناصر المحلية والتمويل الذاتي وأيضاً التحصن بالموانع الطبيعية المتمثلة بتلال ووديان وكهوف حمرين.
ويمكن اعتبار التكيف والموانع الطبيعية أحد أهم مؤشرات نشاط هذه الشبكات الإرهابية، ولكن في الوقت نفسه يمكن اعتبار فقدانها تأييد سكان القرى المجاورة والمحيطة بتلال حمرين، أهم الدفاعات والحواجز الأمنية المتقدمة (خطأ كبير يؤشر على أصحاب القرى الأمنية في تلك المنطقة، إذ تم تهجير قرابة 116 قرية من القرى المجاورة لحمرين لأسباب أمنية وأخرى قومية وطائفية واقتصادية). تستند شبكات قاطع ديالى في تلال حمرين في بقائها، إلى وجود حواضن وظيفية متخادمة، توفر الدعم اللوجيستي من طعام ودواء وعتاد ولوجيستيات عسكرية وتقنية ووقود، نتيجة الفقر والبطالة والتدهور الاقتصادي لسكان تلك المناطق، أو نتيجة الخوف الذي يتعرض له المواطنون من هذه الشبكات في المناطق الخاضعة لسيطرتها بالقوة. فمثلاً في آخر تقرير صدر عن صحيفة النبأ الأسبوعية أشير إلى حصول 12 عملية إرهابية في قاطع ديالى، خلال الأسبوع الماضي، قريبة بمعظمها من منطقة تلال حمرين. ويمكن اعتبار هذه العمليات نتيجة لتراجع حضور دوائر المعلومات والاستخبارات والعمليات الاستباقية والمفاجئة، وكذلك ضعف القوات التقليدية في ملء ثغرة عمليات مطاردة هذه الشبكات.
برزت منطقة تلال حمرين في السنوات الأخيرة باعتبارها كبرى المناطق المفتوحة التي تحمل مخاطر إرهابية، ليس على مستوى محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين فقط، ولكن على مستوى العراق. فقد شهدت المنطقة امتداداً واضحاً لشبكات الارهاب، يمتد من ديالى مروراً بمنطقة شرق صلاح الدين وصولاً إلى جنوب كركوك. ويعني ذلك أن ثمة امتدادات إرهابية من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب عبر صلاح الدين ثم نينوى والانبار. وبذلك باتت منطقة تلال حمرين تجتذب اهتمام فلول تنظيم “داعش” من معظم محافظات العراق، أكثر من أي وقت مضى خلال الأعوام الأخيرة، حتى أن القوات المسلحة في تلك المناطق أنهكت، وباتت تحتاج الى تدريب ودعم بقوات إضافية.
تعود أهمية المنطقة إلى سهولة توغل التنظيمات الجهادية، إذ على رغم مساحتها الواسعة التي تعتبر فاصلة بين الكثير من المحافظات وهي كذلك منطقة حدودية مع إيران، فإنها تعد واقعياً أقرب طريق بين بغداد وغرب إيران. وتمر فيها أهم طرق إمدادات الطاقة والتجارة، بين كل من ايران والعراق، وهذا ما يجعل من المنطقة ذات قيمة حيوية لأمن الطاقة العراقية. وتجدر الإشارة إلى أن خطوط الطاقة التي تمر عبر مناطق شرق ديالى وشمال شرقها، هي جزء من مصلحة العراق الاستراتيجية، وهي تزداد أهمية كلما تلكأ ملف إعادة تأهيل الكهرباء الوطنية.
الشيء الظاهر أن كلا طرفي معادلة السلاح خسر كسب الاهالي المحليين الى جانبه، بسبب بعض ممارسات الخشنة التي تؤدي إلى فقدان الثقة، والتوقف عن تقديم الخدمات وتمكين المجتمع من الاستقرار، واستخدام الثأر والتنكيل في مواجهة المدنيين، بعد كل عملية عسكرية.
التنظيم والتفكك الذاتي
وبحسب اعترافات الذين ألقي القبض عليهم في قاطع ديالى، فإن التنظيم يتعرض للتفكك الذاتي. وهذا ينبغي استغلاله في المخطط العسكري والأمني العراقي، ويشمل ذلك: قتل معظم القيادات المؤسسة، وعدم قدرة القيادات البديلة على ملء الفراغ التنظيمي الذي تركته القيادات السابقة، وكذلك عدم قدرتها على إدارة الشبكات، وهناك تأكيدات أن عدداً كبيراً من الأفراد قد غادر التنظيم إلى جهة مجهولة، فيما نكث آخرون البيعة وعادوا إلى بيعة تنظيم القاعدة. هذا إلى جانب فقدان الشبكات القدرة على استقطاب كوادر جديدة بسبب تراجع الموارد المالية وغواية الإعلامية وفقدان مركزية الخطاب الذي تمثله.
صدق توقع الكثير من المتخصصين بانتقال شبكات الإرهاب بقوة إلى المناطق المفتوحة، بخاصة عندما ضعفت في المدن الحضرية والقرى المسكونة. فقد برزت شبكات تقاتل بطريقة المفارز الجوالة وبتكتيك المقاتل الشبح، وبات الملمح الواضح اليوم، أن ثمة امتداداً إرهابياً مسلحاً، يصل من خانقين الى طوزخورماتو، لتكون المناطق المفتوحة، “أرض التكوين والتأهيل لتنظيم داعش”، أو كما يقال إنها “مثلث جديد للموت”.
ويمكن القول إن معاناة مناطق وقرى تلال حمرين من المشكلات الاقتصادية والنزاعات الطائفية والقومية الكثيرة، التي تضاف إلى النزاعات حول تقاسم الثروات والسلطات بين الجماعات المسلحة، والمنطقة تمثل تربة خصبة للإرهاب بكل أشكاله. لكن البيئة المحيطة بهذه المناطق قد تدفع بالبعض إلى التعاون الوظيفي مع الإرهاب، خصوصاً في غياب الاستقرار والفقر والبطالة السائدة بين قطاعات واسعة من المواطنين بالمنطقة؛ إذ تستغل هذه الشبكات ذلك لتجنيد العناصر المحلية التي يتم تدريبها في معسكرات تدريب متنقلة وموقتة في المناطق الوعرة. وينتمي هؤلاء بمعظمهم إلى فئة الشباب العاطلين من العمل، الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و20 سنة، والذين لا يعلمون الكثير عن الدين أو السياسة. فهؤلاء بالطبع من العناصر الأقل تعليماً والأكثر إحباطاً، بسبب الفقر والبطالة، وفساد الحكومات المحلية عموماً، والأمن المناطقي خصوصاً. هذا علاوة على مئات المقاتلين من محافظات كركوك وصلاح الدين ونينوى، الذين يستغلون ضعف السيطرة على المساحات الشاسعة بين تلك المحافظات للتسلل إليها.
إن أي حملة عسكرية تتم مناقشتها وتوضع موضع التطبيق، إنما تأخذ في الاعتبار المشكلات التي تواجهها وظهور شبكات إرهابية عنيدة مسلحة في تلك المناطق. وكان ينبغي على القيادة المشتركة العراقية أن تستفيد أقصى استفادة من قوات جهاز مكافحة الإرهاب وقوات الرد السريع في ملاحقة فلول شبكات “داعش” في تلال حمرين، حيث لا خيار ولا قوة لإخراجهم من هناك في ظل ظروف المرحلة الحالية، من دون قوات خاصة وبإمكانات وتدريبات متميزة وبإسناد جوي ومروحي وتقنيات متطورة. في الجانب الآخر كانت شبكات “داعش” تأخذ خطوات أبعد، مستغلة ضعف تكتيكات خصمها في ملاحقتها أو إضعافها إلى حد العجز.
هشام الهاشمي عن درج