عندما فشل كوفيد المفترس بتوحيد القلوب واسكات صوت البنادق
شفق نيوز/ لم يكن درس جائحة كوفيد19- كورونا القاسي، كافيا للبشرية لتتعلم تغليب مصالحها الجماعية على ما عداها من الخلافات الثنائية والصراعات، إذ برغم مرور اكثر من ثمانية شهور على ظهور الوباء العالمي، إلا أن نداء لـ"هدنة عالمية" وجهتها الأمم المتحدة منذ اذار/مارس 2020، لم يلق صدى عند أحد.
وكان الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش دعا قبل خمسة شهور الى وقف لاطلاق النار على مستوى العالم، من أجل التفرغ للتصدي لوباء كورونا، ثم تبنى مجلس الأمن الدولي هذه الدعوة بقرار رسمي في الاول من تموز/يوليو، لكن نزاعا وحيدا لم يحل حتى الآن او يهدأ.
والمفارقة أنه بينما تصرف فيروس كورونا معنا بدون تمييز ديني او اجتماعي او سياسي او طبقي، وساوى بين الناس جميعا بخطره، فإن دول وحكومات العالم، راحت منذ ظهور خطر الفيروس تتصرف بكثير من الانانية والانعزالية والتشرذم، ورفضت برغم موجة الموت الكبيرة، ان تتوحد في مواجهته على غرار ما حصل عندما حاولت ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب احتكار عقار محتمل كانت شركة المانية تطوره.
لا بل ان العديد من الشواهد تفيد بان نزاعات متعددة تأججت بسبب كورونا مثلما حدث بين الولايات المتحدة والصين، او تفاقمت بالتزامن مع ظهوره مثلما جرى مثلا في الصراع الليبي المسلح، أو انفجرت بالرغم من وجود الوباء مثلما حصل في النزاع الإثيوبي – المصري حول مياه سد النهضة.
ويشير هذا السلوك المجتمعي العام الى أنانية في التعاطي مع خطر الوباء، عززتها النزعات الشعبوية والقومية التي تنامت في ظل كورونا في العديد من المجتمعات، حيث صار زعماء ومسؤولون يتبارون في خطابات التهويل والتوتير لتعزيز شعبيتهم الداخلية، مستغلين القلق والاضطرابات والضيق الاقتصادي الذي جلبه الفيروس على المجتمعات.
وتدل الكثير من الوقائع الدولية على ذلك. ولعل من أبرز الامثلة سلوك الرئيس ترامب مع الصين التي يعتقد ان الفيروس سجل ظهوره الأول فيها، وتعاطى معها بلهجة فيها الكثير من الشعبوية والتعالي عندما اتهمها باختراع الفيروس والتسبب بنشره حول العالم، في هجمة شمل فيها ايضا منظمة الصحة العالمية التي اعتبر انها كانت متواطئة مع بكين ومنحازة لها.
وذهبت الامور ابعد من ذلك، ففيما كان الصينيون يكافحون – وما زالوا - من أجل الخروج من الوباء، كانت ادارة ترامب تفرض عليهم المزيد من العقوبات الاقتصادية، ثم تعلن تجميد تمويلها لمنظمة الصحة العالمية، المكلفة عالميا بتنسيق جهود مكافحة كورونا.
وقعت أحداث أقل خطورة لكنها تعكس سلوك الانانية والانعزالية التي أشرنا اليها وحدثت بدلا من ان يكون العالم في خندق واحد. فقد احتجزت دول او صادرات معدات طبية كانت تمر عبر اراضيها الى دول اخرى. فمثلا، بينما كانت أسبانيا التي ضربها الفيروس بقوة في الاسابيع الاولى من الوباء، تجاهد من أجل الخروج من محنتها، قامت تركيا بعرقلة شحنة من المعدات الطبية التي تضم المئات من اجهزة التنفس التي استوردتها مدريد، قبل ان تفرج عنها.
ايطاليا ايضا في بداية موجة الوباء التي عصفت بها بعنف، استنجدت بشقيقاتها الاوروبيات طالبة معدات طبية وامدادات، لكن المانيا وفرنسا فرضا سريعا حظرا على تصدير منتجات طبية مرتبطة بكورونا الى اي دولة. وفي المقابل، تدفقت مساعدات من الصين (الخصم الاقتصادي والسياسي المفترض للاتحاد الاوروبي) الى الايطاليين، مستغلة الأزمة بذكاء.
وحتى ان الصراع الليبي المسلح لم تردعه أخطار كورونا. وعلى الرغم من ان الهجوم العسكري الذي كان يشنه المشير خليفة حفتر على العاصمة طرابلس كان قد مضى عام على بداياته، الا ان عمليته العسكرية اتخذت زخما أكبر بالتزامن مع ظهور أول حالة كورونا في ليبيا في 25 اذار/مارس 2020.
ولم يردع انتشار كورونا بين الليبيين، والذي اصاب اكثر من اربعة الاف انسان، الجنود والمسلحين من القتال على الجبهات المتعددة في الصراع الدائر ما بين بنغازي وطرابلس والقوى الاقليمية التي تؤيد كل واحدة منهما، بينما استمر تدفق المسلحين المرتزقة من الشمال السوري الى ليبيا، للقتال الى جانب حكومة فايز السراج.
وعلى الرغم من خمود جبهات القتال في الايام الماضية بعد انكسار موجة هجوم حفتر على طرابلس، الا ان فتيل النزاع ما زال قابلا للاشتعال في اي لحظة بينما يعلن المركز الوطني لمكافحة الأمراض في ليبيا عن تسجيل 190 حالة قبل يومين، وهي الحصيلة اليومية الاعلى منذ ظهور الفيروس.
والى جانب كل ذلك، تتزايد التكهنات بأن مصر قد تتدخل بشكل مباشر في الحرب الليبية لدعم سلطة المشير حفتر، وهو ما لوح به الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي علانية، وحظي بعدها بموافقة برلمانية مسبقة تجيز للجيش العمل خارج حدود البلاد. لا بل ان مصر في خضم نزاع خطير مع جارتها البعيدة اثيوبيا التي اقامت سد النهضة على مجرى نهر النيل برغم الاحتجاجات المصرية ما اعتبرته القاهرة مساسا بحقوقها المائية.
ولغة التوتر السائدة الان بين اديس ابابا والقاهرة تنذر باحتمال تحولها الى مواجهة عسكرية، ولو كانت بعيدة المدى، خصوصا بوجود اسلحة الطيران والبحرية والصواريخ البعيدة المدى، ما يعني ان الحرب ليست احتمالا مستبعدا بين مصر التي تعاني من اكثر من 90 الف اصابة بالكورونا، وبين اثيوبيا التي سجلت فيها اكثر من 15 الف اصابة.
وتتخذ هذه العلاقة المركبة بين كورونا وبين الازمات السياسية، اشكالا عدة. ففي العراق مثلا، جاء انتخاب مصطفى الكاظمي لرئاسة الحكومة العراقية مع بدء صعود موجة كورونا في ايار/مايو الماضي، فيما استمرت المحاولات للخروج بالعراق الى بر الامان من التوترات الاقليمية، خاصة بين طهران وواشنطن.
لكن تركيا كان لها رأي آخر. في حزيران/يونيو الماضي اطلقت عمليات توغل بري وقصف جوي، داخل اراضي اقليم كوردستان ضد مواقع مفترضة لحزب العمال الكوردستاني. لم تؤخذ بالاعتبار "هدنة كورونا" المدعو اليها عالميا.
في ايران ايضا، من بين الدول الاولى التي عصف بها فيروس كورونا بقوة، وسجلت فيها حتى الان نحو 300 الف اصابة، لم تسلم من ثنائية كورونا والازمات السياسية. فبرغم مناشداتها لدول العالم لمساعدتها في كبح جماح الفيروس على اراضيها، لم تلق اذانا صاغية، بل ان الادارة الاميركية سارعت الى محاول اجهاض اي مساعدات محتملة من الخارج اليها، بسبب وقوعها تحت العقوبات، وتهديد الدول التي قد تقدم على اي محاولة لمد يد العون لها.
اما في سوريا، فانه رغم الهدوء النسبي الذي خيم على جبهات ادلب، فان سخونة الملف السوري ظلت مرتفعة. ضربات اسرائيلية جوية عدة على مواقع سورية مختلفة خلال الشهور الماضية، وعمليات "تصدير" منظمة للمرتزقة من الشمال السوري الى ليبيا، فيما يسجل "رسميا" وجود اكثر من 700 اصابة بالفيروس، وتخشى جهات دولية من اعداد اكبر من ذلك بكثير لم يتم رصدها.
اذا، فشل كورونا في توحيدنا او وأد الخلافات السياسية والعسكرية القائمة على مشهد العالم، مثلما فشلنا نحن في رص الصفوف في مواجهته على الرغم من اصابة نحو 17 مليون انسان، ووفاة أكثر من 600 ألف شخص حتى الان.