طهران تمطر أربيل بـ"رسائل باليستية" وصل مداها لأربعة أرجاء
شفق نيوز/ على متن 12 صاروخاً باليستياً، بعثت إيران على ما يبدو برسائل، عراقية محلية، إقليمية، دولية، حاول معسكر الحرس الثوري في إيران عكس التوجه الإيراني بوضوح، في وقت تتوتر فيه الأجواء بالاجتياح الروسي لأوكرانيا.
"باليستي اربيل- الحنّانة"
ليلة السبت/ الأحد، دوت انفجارات هي الأعنف في أربيل منذ سنوات، في محيط منزل رجل أعمال كوردي، ومحطة تلفزيونية، على الطريق المؤدي للقنصلية الأمريكية- قيد الإنشاء- التي لم تصلها شظايا الصواريخ الـ12، لكن الرسائل التي بعث بها طهران، سمع دويها في أرجاء اخرى.
على ما يبدو، حاولت "الرسائل الباليستية"، أن يسمع دويها في "الحنّانة" مقر زعيم التيار مقتدى الصدر، والفائز في الانتخابات المحلية، في نظير خسارة حلفاء طهران، وحاولت إيران عبر وفود سياسية واخرى عسكرية لأشهر عدة دمج المعسكرين، لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، لكن تلك المحاولات باءت بالفشل إلى الآن، وهو أمر لم يألفه الجار الشرقي مما ولد مخاوف من كسر التأثير الإيراني على القرار السياسي في العراق، الصدر بدوره، توجه صوب عقد تحالف مع زعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني من جهة، ومع محمد الحلبوسي وخميس الخنجر من جهة اخرى.
"باليستي إقليمي- دولي"
قصف أربيل حمل ايضاً رسائل للمحيط الإقليمي لإيران، حيث لم تمر أيام معدودة منذ ضربة وجهتها في سوريا وتسببت بمقتل قائدين في الحرس الثوري الإيراني، بالإضافة إلى تعثر جولة مفاوضات مع السعودية لاحتواء التشنج بين القطبين في المنطقة.
كما دوى صدى "باليستيات" في أروقة فيينا، حيث المفاوضات الخاصة بالاتفاق النووي، والتي شهدت تعثراً مع القوى الكبرى الدائرة، وبالتالي تعثر رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، وهو أمر ملح لإيران.
وعلي هذا النسق، انتقدت صحيفة ”وول ستريت جورنال“ الامريكي ما وصفته بـ“السعي المتهور“ من جانب إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، للوصول إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، لا سيما بعد الهجوم الصاروخي الذي استهدف أربيل.
وقالت إن إيران ”عادة ما تنشر الخراب عبر وكلائها، ولكنها هذه المرة أعلنت مسؤوليتها المباشرة عن الهجوم“.
وأردفت الصحيفة بالقول ”هبطت الصواريخ على أراض كوردية، الكورد هم أفضل حلفاء للولايات المتحدة في العراق.. يبدو أن إيران ترغب في توجيه رسالة حول إمكانية ضرب مصالح وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، بينما يقترب الطرفان من اتفاق نووي جديد“.
لماذا العراق؟
منذ عام 2003 وحتى هذا اليوم لم تُقصف ايران من الجانب العراقي؛ حقيقة تثبتها دعوات العراق الدائمة بأن يكون مصدراً للهدوء وليست مصدراً لتهديد جيرانه، إلا أن قصف أربيل، عاصمة إقليم كوردستان، في ليلة الصواريخ الباليستية جاء ليفتح باباً جديداً من الاعتداء "الصريح" على العراق بحجة "الوجود الإسرائيلي" في أربيل، في حادثة أحرجت أصدقاء طهران من السياسيين العراقيين، وأيدتها فصائل مقربة منها.
مقر استراتيجي أم رسائل باليستية؟
قبل أن تعلم بغداد من هي الجهة المستهدِفة وكيف حصل الاعتداء بالصواريخ الباليستية، نشر الإعلام الإيراني تفاصيل قصف مدينة أربيل، فيما وصف الحرس الثوري العملية، في بيان رسمي، بأنها "انتصارٌ للأمة الإيرانية".
وقال الحرس الثوري الإيراني في بيان نشره يوم الأحد (13 آذار الجاري) وأطلعّت عليه وكالة شفق نيوز؛ إن "بعد الجرائم الأخيرة للنظام الصهيوني الزائف… لن تمر دون رد، اُستهدف المركز الاستراتيجي للتآمر وشر الصهاينة بصواريخ قوية ودقيقة تابعة للحرس الثوري الإسلامي".
وأضاف الحرس "مرة أخرى نحذر النظام الصهيوني المجرم من تكرار أي شر سيواجه بردود قاسية وحاسمة ومدمرة".
بيان يعكس، وبحسب محللين سياسيين، أن العراق أصبح وبشكل فعلي "الحديقة الخلفية" لإيران، تقصف فيه أو تقاتل فيه عدواً لايبعد عنها سوى كيلومترات قليلة في سوريا وتلجأ للعراق لتحل أزمتها فيه.
وبهذا الشأن يقول الباحث المتخصص في الشؤون الإستراتيجية والأمنية فراس إلياس في تحليل خاص إن "قوات الجوفضائية التابعة للحرس الثوري المتواجدة في مدينة تبريز غرب إيران، أطلقت 12 صاروخاً باليستياً نحو القنصلية الأمريكية في أربيل، ولم يكن هناك إستهداف لأي موقع تابع للموساد في المدينة، فقد حاولت إيران ربط القصف على أنه جاء كرد على مقتل ضابطين في القوة الجوفضائية في الحرس الثوري في دمشق الأسبوع الماضي، عبر قصف قامت به إسرائيل هناك، ولوحت إيران منذ ذلك اليوم بالرد، إلا إنه على مايبدو كانت تبحث عن الأهداف الرخوة التي لا تستوجب التصعيد".
ويضيف إلياس وهو دكتوراه في العلاقات الدولية؛ أن "القصف جاء عبر صاروخ (فاتح 110)، من الجيل الثالث، هو صاروخ باليستي قصير، يعمل على الوقود الصلب، الأمر الذي يمنحه سرعة في الإطلاق دون الحاجة إلى تحضيرات مسبقة".
ويحلل سبب القصف الإيراني بالقول إن"إيران تدرك أن إختيار العراق كبيئة للرد سيمنحها حرية الإفلات من الرد المماثل، لان العراق لا يملك إمكانية الرد والتصعيد، وهي حادثة مكررة عن أخرى جرت في أكتوبر 2021 هاجمت فيه فصائل مسلحة تابعة لإيران القوات الأمريكية بعد ضربة إسرائيلية في سوريا من دون رد أمريكي، ومن ثم فإن حسابات طهران أن الولايات المتحدة لن ترد، وقد تكتفي بالتنديد، خصوصاً وإن القصف الإيراني لم يتسبب بأي ضرر، بينما إسرائيل سترد سريعاً، سواءً في الداخل الإيراني أو السوري، وبالتالي جاءت حسابات القصف الأخير على أربيل".
ويبيّن إلياس قائلاً؛ إن "إيران حاولت أن تبرز العملية على أنها موجهة ضد أهداف إسرائيلية، إلا إنه لم يثبت حتى اللحظة وجود مقر للموساد في أربيل، كما إن إعلانها في وقت متزامن تفكيك خلية إسرائيلية في أذربيجان، يأتي في إطار التهويل الإعلامي، إذ تمكنت من إلقاء القبض على شخص واحد فقط، وليس خلية كبيرة، فيما حملت الضربة الإيرانية إجمالاً ثلاثة رسائل مهمة، الاولى؛ للحراك السياسي المتعلق بتشكيل الحكومة العراقية، والثانية؛ للتحول الإقليمي في غير مصلحتها، وثالثة؛ للمجتمع الدولي الذي أوقف المفاوضات النووية معها، مفادها نحن أو الفوضى في المنطقة".
من جهته يكشف الخبير في الشأن السياسي والأمني سرمد البياتي، عن الرسائل السياسية والأمنية من قصف الحرس الثوري الإيراني لمدينة أربيل.
وقال البياتي، لوكالة شفق نيوز، إن "الرسالة الأولى من القصف الإيراني لمدينة أربيل بانكم كـ(عراق) تحت ضربات الجيران سواء الإيرانية أو التركية، وتحديداً إقليم كوردستان وخاصة زعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، فهي رسالة تقول لهم أنتم تحت المطرقة".
وأضاف البياتي أن "الأجهزة الأمنية العراقية، حتى هذه اللحظة لم يثبت لديها وجود مقرات للموساد في أربيل، ولهذا الحجة الإيرانية للقصف غير صحيحة، كما أن القصف الإيراني لمدينة أربيل لا يخلو من الرسائل السياسية وربما هذا القصف هو للتنبيه على ملفات معينة ومحددة، خصوصاً أن قائد الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني كان في اجتماع مع زعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، قبل فترة ليست بعيدة".
موقف إيران وفصائلها العراقية
بعيداً عن بيان الحرس الثوري وتبنيه عملية القصف في أربيل يبرز "في الخفاء" نوع من الانقسام الإيراني، فمع عملية القصف صدرت تصريحات صحفية للمتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، محمود عباس زاده مشكيني وتابعتها وكالة شفق نيوز، أكد فيها أن "لا علاقة لإيران بقصف أربيل بالصواريخ"، فجر يوم الأحد.
مشهد يوضح حقيقة الأمر بأن هناك انقساماً بشأن التعامل مع الموقف الخارجي وخصوصاً مع الولايات المتحدة وإسرائيل في ظل الوجود الإيراني في سوريا ومفاوضات النووي مع(الدول الكبرى)، ولكن بعد ان اتضحت الصورة، يبدو أن السفير الإيراني في العراق لم يبدِ أي حرج من تأكيد العملية ودوافعها والدفاع عنها إذ أوضح ايرج مسجدي في كلمة له في مؤتمر "الكرامة الإنسانية" في الخطاب الحسيني بمحافظة كربلاء وحضرته شفق نيوز إن "الهجوم الصاروخي الذي نفذه الحرس الثوري على اربيل عاصمة اقليم كوردستان لم يستهدف السيادة العراقية وانما استهدف "قاعدة التجسس التابعة للموساد (هناك)"، بحسب زعمه، مبينا ان "إيران لن تساوم على أمنها اطلاقاً".
ويوضح مسجدي في كلمته؛ أن "هذا الاجراء لم يستهدف السيادة العراقية كما لم يشكل اساءة الى الحكومة والشعب في هذا البلد"؛ مطالبا العراق ان "يضع حدّا لتحركات (الإسرائيليين) الشريرة في المنطقة والحؤول دون تكرار هكذا ممارسات".
وعلى غرار كلمة مسجدي وقفت فصائل مسلحة عراقية مقربة من طهران موقفاً مسانداً للضربة الصاروخية، واعتبروا أن من حق طهران قصف أربيل، وفيما برر بعضهم بأن العملية تأتي رداً على قصف "طال العمق الإيراني بطائرات مسيرة انطلقت من داخل العراق"، وصف آخرون العملية بأنها "مباركة".
الموقف العراقي
يبدو ان كل الأطراف المعنية بعملية القصف أعلنت مواقفها، (واشنطن استنكرت، ايران دافعت، فصائل مسلحة باركت)، إلا أن الأكثر تحفظاً في هذا الأمر هي الحكومة العراقية ذاتها وكذلك الأحزاب السياسية التي انقسمت بين (رافض، وصامت)، ولكن كان أكثرها وضوحاً هو زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي أصدر عقب الهجوم تغريدتين، أوضح في إحداها أن "أربيل لن تركع الا للاعتدال والاستقلال والسيادة"، ليختم تغريدته بـ"صبراً حتى تحقيق حكومة أغلبية وطنية".
فيما أصدر تغريدة ثانية طالب فيها بـ"رفع مذكرة احتجاج إلى الأمم المتحدة والسفير الايراني في بغداد بشأن قصف الحرس الثوري الإيراني لمدينة اربيل عاصمة اقليم كوردستان، مع أخذ ضمانات بعدم تكرارها مستقبلا، فزج العراق وتعريض سمائه وأرضه و(مقدساته) في تلك الصراعات سابقة خطيرة لا ينبغي السكوت عنها".
كما تواصل مع زعيم الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني بشأن الحادث وعقد غرفة عمليات داخلية وخارجية بشأن الاعتداء على اقليم كوردستان.
موقف سياسي كان أكثر سرعة وقوة من مواقف كتل سياسية "تجنبت" او "صمتت" او استنكرت القصف ولكن من دون تسمية الجهة التي قصفت.
فيما كان موقف الحكومة العراقية "مستنكرا" وقد انتقل رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي رفقة وفد وزاري رفيع الى أربيل وتحديداً مكان قصف الصواريخ الباليستية.
وقد التقى الكاظمي، بحسب بيان صدر عن مكتبه، كلاً من "رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، ورئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني، ورئيس وزراء إقليم كوردستان مسرور بارزاني"، فيما نقل البيان عن رئيس الوزراء "تأكيده رفض الاعتداء الذي تسبّب بترويع المدنيين، متخطياً حدود القوانين والأعراف الدولية، والتوجيه بتشكيل لجنة من مستشارية الأمن القومي وعدد من القيادات الأمنية، لتقديم تقرير عن تداعيات القصف وجمع الحقائق والأدلة".
وأكد رئيس مجلس الوزراء على "ضرورة احترام سيادة العراق من مختلف الجهات، وأنه قد تم إبلاغ هذا الأمر رسمياً عبر الطرق الدبلوماسية، وبين ضرورة اعتماد الأدلة، وألّا يكتفي بالشكوك، وأن يكون هناك تعاون أمني بين مختلف دول المنطقة؛ لمواجهة التحديات المشتركة"، داعياً القوى السياسية العراقية إلى "توحيد الكلمة إزاء سيادة العراق، وأن يكون ما حصل حافزاً لحلّ الإشكالات وتوحيد الصف أمام التحديات التي تواجه البلد".
وفيما عدا ما صدر من مواقف عراقية رافضة ومؤيدة يبرز هناك موقف اخر "ناقشت" القصف ليكون ملفاً من ضمن عدة ملفات وردت في بيانها بشأن هذه الحادثة وغيرها.
مشهد القصف وتحت أي ذريعة يلغي باختصار وبشكل واضح وصريح دور الحكومة العراقية أو استئذانها بالرد، بل يلغي كل العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ويتيح لقوة السلاح أن تتصدر المشهد في حال انزعاج دولة من دولة أخرى.
الحاجة لدفاعات جوية
وفي ظل القصف الإيراني جاءت الحاجة أكبر لمنظومة دفاع جوية عراقية قادرة على مواجهة القصف حيث قال الخبير الأمني فاضل ابو رغيف في تغريدة على موقع تويتر وتابعتها شفق نيوز إن "من المؤسف جعل العراق ساحةً للصراع، فكما يرفض العراق أن يكون منطلقًا للعدوانِ على أي دولة مجاورة، بالوقتِ عينه يرفض التدخل بشأنهِ عِبرَ استهدافه عسكريًا".
ويضيف أبو رغيف في تغريدته أن أي استهداف يزيد الوضع ضبابية والعراق متشبع بالانسدادات السياسية وأي شدة خارجية تؤزم الوضع، يجب الحصول على منظومة رادار متطورة".