شغف العوائل البغدادية يحوّل مساحات مهجورة إلى مشاريع استثمارية نابضة بالحياة

شغف العوائل البغدادية يحوّل مساحات مهجورة إلى مشاريع استثمارية نابضة بالحياة
2025-09-18T20:58:23+00:00

شفق نيوز- بغداد

في صباح هادئ على أطراف بغداد، يفرش علاء خالد مفرشه قرب بركة سباحة زرقاء صغيرة، بينما يركض أطفاله بين أشجار الرمان والبرتقال، وتتسلل أصوات ضحكاتهم إلى قلبه المرهق من ضوضاء المدينة. بالنسبة لعلاء، هذه المزرعة المستأجرة لم تعد مجرد نزهة عابرة، بل أصبحت طقسًا عائليًا متكرّرًا.

وتحوّلت المزارع الترفيهية إلى وجهة مفضلة لدى الكثير من البغداديين في السنوات القليلة الماضية، لصغر الوحدات السكنية من جهة، ولغياب المساحات الخضراء والأماكن العامة التي يمكن للعائلة البغدادية قصدها في أوقات الفراغ وأيام العطل والمناسبات والأعياد وغيرها.

يقول خالد لوكالة شفق نيوز إن "الذهاب إلى المزرعة صار بديلنا عن السفر أو المولات والمطاعم. عروض الإيجار معقولة، والمكان قريب من المدينة، فلا قلق من الطوارئ".

فأسعار الإيجار تبدأ من نحو 150 ألف دينار لـ"شِفت" مدته 12 ساعة، وقد تصل إلى 600 ألف لليوم الكامل، تبعًا للموقع والخدمات.

لا يقتصر هذا الشغف على الزبائن، فكثير من أصحاب المزارع، ممن أرهقهم شح المياه وفشل مشاريع الزراعة أو تربية الأسماك، اكتشفوا فجأة سوقًا جديدة مزدهرة.

علي الحاج، صاحب عدة مزارع شرق بغداد، يقول لوكالة شفق نيوز: "خسرت كثيرًا بسبب فشل الزراعة وفتح الاستيراد، لكن عندما طلب أصدقائي استئجار إحدى المزارع لحفلاتهم، بدأت أفكر بتحويلها إلى مزارع ترفيهية، والآن لا تخلو رزنامة الحجز من أسماء زبائن طوال العام".

ومع الطلب المتزايد، بدأ بعض المستثمرين بإنشاء مزارع جديدة بمساحات تبدأ من ربع دونم وصولًا إلى عدة دوانم، تضم بيوتًا صغيرة للمبيت، مسابح للكبار والصغار، ملاعب كرة قدم، أماكن شواء، بل وحتى ساونا وجاكوزي وتدفئة لأحواض السباحة في الشتاء.

هذا الحماس لم يقتصر على رجال الأعمال، فبشرى، وهي محامية أربعينية، قررت مع عائلتها شراء مزرعة في قضاء المدائن.

وتقول لوكالة شفق نيوز: "هو استثمار مريح ومربح، فالناس يحبون قضاء أيام وسط الطبيعة من دون عناء السفر، ونحن نوفر لهم ذلك".

وهكذا تحولت فكرة الترفيه الشخصي إلى مصدر دخل مستدام، إذ بات كثير من العائلات البغدادية تمتلك مزارع خاصة تؤجرها عندما لا تستخدمها.

ورغم طبيعتها الخاصة، تخضع هذه المزارع لرقابة إدارية وأمنية صارمة، إذ لا يسمح بفتحها دون تراخيص من دوائر البلدية والأمن، مع اشتراط توفير معايير السلامة وعمال دائمين وصيانة مستمرة.

كما يتم تسويقها عبر مواقع وتطبيقات مختصة أو منصات التواصل الاجتماعي، في مشهد رقمي يعكس التغير السريع في نمط الحياة البغدادي.

ملامح حياة حضرية جديدة

كانت المزارع الترفيهية يومًا ما تنتشر حصراً في مدن سياحية مثل شقلاوة والسليمانية ودهوك في إقليم كوردستان، أو في مواقع قديمة مثل الحبانية غرب بغداد، لكنها اليوم تمتد بكثافة من العاصمة نحو صلاح الدين وكركوك، وحتى بعض مناطق الجنوب، لتصبح جزءًا من مشهد الحياة الحضرية الجديد.

ومع توسّعها، باتت تلبي شوق العراقيين إلى المساحات الخضراء التي غابت عن أحيائهم منذ عقود، وتعيد إليهم شيئًا من بساطة الطفولة وسط حقول وبرك المياه، بعيدًا عن صخب المدينة وازدحامها الإسمنتي. وفي الوقت نفسه، خلقت هذه المزارع اقتصاد ظلّ مصغّرًا يشغّل مئات الشبّان كحرّاس ومنظّفين وطباخين وسائقي خدمات، مانحةً كثيرين فرص عمل مستقرة نادرة في سوق العمل المتقلّب.

كما غيّرت هذه الظاهرة طبيعة اللقاءات العائلية والاجتماعية، إذ لم تعد تقتصر على المقاهي أو الشقق الضيقة، بل صارت العائلات تفضّل استئجار مزرعة ليوم كامل أو عطلة نهاية أسبوع، للاحتفال بأعياد الميلاد أو حفلات التخرج في أجواء من الخصوصية والهدوء، في مشهد يعكس تحوّلاً تدريجيًا في أسلوب الحياة البغدادي من المدينة الصاخبة إلى الضواحي الهادئة.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon