رأي بريطاني: إنهاء الدور القتالي للأمريكيين في العراق.. خطوة بالاتجاه الصحيح بالنسبة لإيران
شفق نيوز/ اعتبرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) ان الاعلان في واشنطن خلال زيارة رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي عن مغادرة القوات القتالية الامريكية العراق بحلول نهاية العام 2021، يطرح تساؤلين أساسيين: اولا، ما هو الفارق الذي يشكله هذا على الوضع ميدانيا، وثانيا، هل تفتح هذه الخطوة الباب امام عودة تنظيم داعش الذي أرهب مناطق واسعة من الشرق الاوسط واستقطاب مقاتلين من أراض بعيدة من لندن الى ترينيداد واستراليا؟
وفي تقرير كتبه مراسل الشؤون الامنية فرانك غاردنر، وترجمته وكالة شفق نيوز، قالت "بي بي سي" ان القوات الامريكية المؤلفة من 2500 جندي عادي وبعض القوات الخاصة المحدودة وغير المعروفة العدد، بعد 18 سنة على الغزو الامريكي للعراق، تتمركز في ثلاثة قواعد، وهم لا يمثلون سوى جزءا ضئيلا من ال160 الف جندي الذين كانوا في العراق، ومع ذلك فانهم عرضة بشكل مستمر لهجمات الصواريخ والطائرات المسيرة من ما يشتبه انها الميليشيات المدعومة من ايران.
وتتلخص مهمة هذه القوة بتدريب ودعم قوات الامن العراقية التي لا تزال تقاتل تمردا متفرقا لكن مميتا من جانب مسلحي داعش. لكن الوجود العسكري الامريكي في البلد يثير جدلا.
واوضح ان السياسيين والميليشيات المدعومين من ايران يريدون مغادرة هذه القوات خاصة منذ اغتيال قائد قوة القدس الجنرال قاسم سليماني والقائد العراقي ابومهدي المهندس قرب مطار بغداد في بداية العام 2020. وتابع انه حتى العراقيين غير المنحازين سياسيا يودون ان يروا بلدهم يتخلص من القوات الاجنبية.
واعتبرت "بي بي سي" ان هذا الوضع يلائم البعض في واشنطن وانما ليس على حساب تسليم العراق الى ايران. واوضحت ان الولايات المتحدة تحاول منذ مدة طويلة انتشال نفسها مما يسميه الرئيس بايدن "الحروب اللانهائية" في الشرق الاوسط. وبالتالي فان القوات الامريكية تستعجل بانسحابها من افغانستان فيما يتزايد اهتمامها مع حلفائها باتجاه منطقة آسيا-الهادئ وبحر الصين الجنوبي.
وفي خلفية هذا المشهد، شبح احياء داعش واحتمال ان يكرر التاريخ نفسه. ففي العام 2011، اعلن الرئيس الامريكي باراك اوباما انسحاب القوات العسكرية من العراق. وبرغم ان عددا محدودا من الجنود بقوا هناك منذ ذلك القوات، فان الانسحاب، بالترافق مع خليط السياسة العراقية المسمومة والحرب الاهلية المشتعلة عبر الحدود في سوريا، خلقت كلها المساحة الملائمة لداعش للسيطرة على الموصل، ثاني اكبر المدن، ثم احتلال اراض بمساحة دولة اوروبية.
ولهذا، تساءلت "بي بي سي"، هل من الممكن ان يحدث هذا مجددا ؟ وهل من الممكن ان تكتسح داعش جديدة الجيش العراقي المحبط معنويا والمحروم من الدعم العسكري الامريكي؟
وقالت "انه اقل احتمالا بكثير لعدة اسباب"، موضحة داعش تمكنت في ذلك الوقت من استغلال الاستياء السني الواسع ازاء حكومة نوري المالكي الذي ادار البلد بين عامي 2006 و2014 وهمش السنة بدرجة كبيرة، ودفع العديد منهم الى احضان داعش.
والان، فان المعادلة السياسية وبرغم انها بعيدة عن كونها مثالية، الا انها مقبولة اكثر من المكونات العرقية العراقية المتنافسة.
ومنذ هزيمة داعش، فان الولايات المتحدة وبريطانيا امضت الكثير من الوقت والجهود لتدريب قوات الامن العراقية على مكافحة التمرد وهذا التدريب سيستمر بدعم من حلف الناتو.
وثالثا، يبدو ان القيادة الاستراتيجية لداعش، أو ما تبقى منها، تركز بشكل أكبر على استغلال المساحات غير الخاضعة لسلطة حكم في افريقيا وافغانستان عوضا عن محاربة قوات الامن المسلحة تسليحا جيدا في قلب المناطق العربية.
ونقلت عن المحلل العسكري بين باري الذي خدم في الجيش البريطاني قوله ان "الهجمات من جانب متمردي داعش تبدو قابلة للاحتواء من جانب قوات الحكومة العراقية". لكنه اضاف "انه من دون تسوية سياسية مع السنة العراقيين، فان جذور اصل التمرد ستظل قائمة".
وتابع التقرير ان داعش كان قادرا على شن حملته في انحاء المنطقة في صيف العام 2014 لسبب جزئي يتمثل بان الغرب اشاح بنظره عن الوضع في العراق. وتطلب الامر احتشاد 80 دولة طوال خمسة اعوام وانفاق مليارات الدولارات لالحاق الهزيمة بداعش، وما من أحد يريد خوض ذلك مجددا.
ولهذا، فانه برغم تخفيض حجم القوات الامريكية، واحتمال بقاء عدد صغير من الجنود في العراق، فان الغرب سيظل يراقب ليرى ما اذا كان داعش او غيره من التنظيمات الجهادية ستحاول استخدام العراق كمنصة لشن هجمات خارجية خاصة ضد الغرب.
وقال بيري انه اذا ما علمت واشنطن بان داعش في العراق يستعد لمهاجمة المصالح الامريكية خارج العراق، فإن الولايات المتحدة ستعمد على الارجح الى المبادرة بالهجوم من طرف واحد.
وفي ظل توفر الموارد في المنطقة وفي الخليج، فان لدى البنتاغون الوسائل للقيام بذلك بحسب "بي بي سي".
واعتبرت ان الصورة الاكبر والابعد مدى هنا، هي لصالح ايران. واوضحت انه منذ الثورة الاسلامية العام 1979، فانها تحاول اخراج القوات الامريكية من عند "جيرانها" واصبحت القوى الرئيسية في المنطقة.
الا ان "بي بي سي" اعتبرت ان طهران لم تحقق سوى نجاحا محدودا في دول الخليج حيث يسود انعدام الثقة ازاء ايران، وحيث تتمتع القوات المسلحة الامريكية بتسهيلات في الدول الست، بما في ذلك مقر الاسطول الخامس الامريكي في البحرين.
لكن اطاحة الغزو الذي قادته واشنطن بنظام صدام حسين في العام 2003، ازالت العقبة الرئيسية الفعالة للتوسع الايراني، ولم تفوت طهران الفرصة المتاحة منذ ذلك الوقت، ونجحت في ادماج ميليشياتها العراقية في نسيج المؤسسات العسكرية في العراق، واصبح لحلفائها صوت قوي داخل البرلمان.
اما الحرب في سوريا، فقد فتحت الابواب لوجود عسكري قوي هناك، في حين انه في لبنان، اصبح حزب الله القوة الاكبر في البلد.
وتابع التقرير ان "ايران تمارس لعبة على المدى البعيد. ويأمل قادتها من خلال مواصلة الضغط، فانها في نهاية الامر ستجعل الشرق الاوسط منطقة لا تستحق جهد الولايات المتحدة للبقاء والانخراط فيها، عسكريا".
ولهذا تقع الهجمات المتواصلة على القواعد الاميركية ويتواصل دعم ايران للاحتجاجات التي تطالب بمغادرة القوات الامريكية. والاتفاق الذي ينص على انهاء العمليات القتالية في العراق، سيتم النظر اليه من جانب كثيرين في طهران، على انه خطوة في الاتجاه الصحيح.