رؤية امريكية لبناء سلام اقليمي مستدام.. قراءة في المصالحة السعودية الايرانية
شفق نيوز/ دعا معهد "الشرق الاوسط" الامريكي الى الاستفادة من موجة الدبلوماسية الجارية في الشرق الاوسط، لتكون بمثابة "نقطة انطلاق" من اجل معالجة العناصر الاساسية للصراعات الطويلة القائمة في المنطقة بما في ذلك العراق ولبنان، اللذان قد يستفيدان من كسر التوترات الطائفية الذي نجم عن التقارب السعودي الايراني.
وبداية، ذكّر التقرير الامريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، بموجة الدبلوماسية وخفص التصعيد والمصالحات الجارية، من اتفاقات ابراهيم بين اسرائيل واربع دول عربية في العام 2020، ونهاية الازمة الداخلية بين دول مجلس التعاون الخليجي في العام 2021، واحياء العلاقات الخليجية التركية، وصولا الى الاتفاق السعودي الايراني في اذار/مارس الماضي، وعودة الرئيس بشار الاسد مؤخرا الى الجامعة العربية.
عقد من التصعيد
ولفت التقرير الى ان هذه التطورات جاءت بعد عقد من التصعيد عندما خاضت دول رئيسية في الشرق الاوسط، وبينها دول في مجلس التعاون الخليجي، نزاعات سياسية بالوكالة واحيانا مسلحة، على النفوذ في انحاء المنطقة كافة، من ليبيا الى اليمن.
وبرغم اشادة التقرير بهذه التحولات لخفض التصعيد وحاجة المنطقة الى تحمل مسؤولية مصيرها، الا انه اعتبر ان التطبيع وتخفيف التصعيد لا يؤدي دائما الى حل حقيقي ودائم للنزاع والمشكلات، وقد يكون في بعض الاحيان العكس هو الصحيح.
وبعدما تساءل التقرير عما يجب القيام به من اجل ان يكون هذا الزخم الايجابي لخفض التصعيد مرحلة اولى نحو الوصول الى سلام وتكامل اقليمي اكثر ديمومة، قال ان هذه الموجة من الدبلوماسية الاقليمية لها عدد من الاسباب.
التفاوض وإعادة العلاقات
واوضح التقرير اولا ان ذلك هو نتيجة تزايد الثقة بالنفس لدى الدول الرئيسية في الشرق الاوسط وقادتها، وفهمهم ان الولايات المتحدة لم تعد مستعدة او قادرة على حل مشاكلهم لهم، مثل الصراع العربي الاسرائيلي والصراع مع ايران والصراع في سوريا، وان عليهم بالتالي ان يتولوا بأنفسهم التعامل مع الامور الاقليمية بأيديهم.
وثانيا، قال التقرير انه جرى هناك تحول حاد في النهج من جانب السعودية، من مرحلة الثقة المفرطة المبكرة في المواجهة كما جرى في اليمن وازاء التعامل مع قطر، والانتقال السريع الى مرحلة التفاوض وخفض التصعيد.
وثالثا، اصبح هناك تقدير سائد بين العديد من قادة المنطقة ان سياسات تصعيد الصراع مع الخصوم، او عزلهم ومقاطعتهم، لم تثمر، فلماذا لا يتبع البديل الثالث المتمثل بالانخراط والتفاوض؟.
ولهذا، اعتبر التقرير ان التحول باتجاه الانخراط والتفاوض واستعادة العلاقات الطبيعية، يمكنها ان تؤتي ثمارها المهمة، مذكّرا بأن التنافس الجيوسياسي بين ايران والسعودية منذ العام 1979، ادى الى تصعيد عنيف للتوترات الطائفية بين السنة والشيعة في انحاء المنطقة كافة، كما في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وحتى في ايران السعودية.
التطبيع السعودي الايراني
وتابع التقرير ان عودة العلاقات الودية، بالاضافة الى مشاهد الدفء والصداقة بين السعوديين والايرانيين، حيث ساعدت السعودية باجلاء الايرانيين من السودان، يوجه رسالة مهمة الى المجتمعات الطائفية في كافة انحاء المنطقة.
والى جانب ذلك، فإن التطبيع السعودي الايراني، يساهم في تخفيف حدة النزاعات بالوكالة، كما في اليمن حيث ساعد في ترسيخ وقف اطلاق النار وفتح قنوات جديدة للمساعدات الانسانية والاقتصادية.
اما في العراق ولبنان، فقد ذكر التقرير ان التقارب السعودي الايراني يوفر ايضا فرص التقدم، بعدما عانى البلدان من الاستقطاب الطائفي الناجم عن الصراع السعودي الايراني.
واضاف التقرير انه بالامكان النظر الى التطبيع السعودي الايراني على انه تعبير عن حاجة سعودية لوقف هجمات الحوثيين على المملكة بالطائرات المسيرة والصواريخ المقدمة من ايران، وفي الوقت نفسه، فانه بالنسبة لايران، التطبيع يعكس حاجتها لكي تخفض عزلتها السياسية والاقتصادية وتحسين علاقاتها مع الدول العربية والخارج، في وقت تتراجع فيه العلاقات مع كل من الولايات المتحدة واوروبا.
مسار جديد للمفاوضات
ورأى التقرير انه من اجل تحقيق اختراق اكبر في التطبيع ليكون له تأثير استقرار اعمق واكثر ديمومة، سيتطلب مسارا جديدا من المفاوضات والجهد للبناء على الايجابيات.
لكنه لفت ايضا الى المخاطر الكامنة والتي قد تتمثل في قراءة قادة طهران التطبيع السريع مع السعودية، على انه تأكيد على ان اسلوب التدخل وتشكيل الميليشيات في لبنان والعراق وسوريا واليمن، يفترض ان يشجع على تعزيز هذه الاستراتيجية، حيث ان التطورات قد ينظر اليها على انها بمثابة خضوع اقليمي.
وتابع انه بالنسبة الى جانب السعودية، فان دوافعها مفهومة، وهي اساسا وقف هجمات الحوثيين وتجنب الوقوع وسط اشتباك عسكري بين اسرائيل وايران، الا انه اضاف انه يتحتم على المملكة ايضا استخدام انخراطها مع ايران للضغط من اجل استقرار مستدام.
واوضح انه يجب ان على الرياض ان توضح لطهران انه في حين ان علاقات السعودية مع الولايات المتحدة تتسم بالبرود، الا ان الرياض تشارك واشنطن بالمخاوف المتعلقة ببرنامج ايران النووي.
ولفت التقرير الى ان الرياض نفسها اقامة 17 مفاعلا نوويا للاغراض المدنية، وانه بإمكان دول المنطقة التعاون من خلالها في التطوير النووي للاغراض المدنية، وانه يتحتم على الرياض ان توضح ان سلاحا نوويا ايرانيا سيدفع السعودية بالاتجاه نفسه، وهي نتيجة لا تريدها لا طهران ولا الرياض.
تفكيك الحروب بالوكالة
وبالنسبة للمستقبل القريب، ذكر التقرير انه سيظل لايران ميليشيا كبيرة تعمل بالوكالة في العراق ولبنان وسوريا واليمن. وستظل السعودية منخرطة عسكريا الى جانب الحكومة في اليمن، الا ان نظام الحرب بالوكالة الذي ترسخ خلال العقود القليلة الماضية، يجب ان يتم تفكيكه في نهاية الامر.
ورأى التقرير ان لدى كل من ايران والسعودية مخاوف امنية مشروعة يجب مناقشتها ومعالجتها، وان القوى الاقليمية الكبرى تحتاج الى بناء بيئة اقليمية اكثر استقرارا يمكن لسكانها ان يزدهروا فيها، وهو ما سوف يتطلب التفاوض الجاد حول كيفية انهاء الحروب الاهلية، وحل الميليشيات سواء كانت الوكيلة او غير ذلك، والعمل من اجل بناء دول تمثل الجميع وتتمتع بالاستقرار.
لكن حول سوريا، اعتبر التقرير انه الى جانب الصدمة الاخلاقية المتمثلة في اعادة تأهيل مثل هذا "النظام القاتل"، فأنه بالإمكان ادراك المنطق السياسي الواقعي بالنسبة الى الدول العربية المنخرطة مع نظام الاسد، حيث انه فشلت محاولات هزيمة النظام من خلال الصراع، كما ان سنوات العزلة التي تلت ذلك فشلت هي الاخرى في تغيير سلوك النظام او تحسين احوال الشعب السوري، ولهذا فان الانخراط يمكن ان يؤدي الى نتيجة مختلفة.
وختم التقرير بالقول ان هناك الكثير مما يجب فهمه وقدر كبير يستحق الاشادة من خلال الموجة الاخيرة من الدبلوماسية الاقليمية في المنطقة، مضيفا ان الوقت قد حان لكي تتولى الدول والقادة في المنطقة مسؤولية مصيرهم على المدى الطويل بدلا من تركه لقوى عظمى خارجية.
واشاد التقرير ايضا بعودة الدبلوماسية والانخراط بعد عقود من الصراع، سواء بشكل مباشر او بالوكالة، واتباع فكرة "لن اتحدث الى خصمي".
وتابع ان "شعوب الشرق الاوسط بحاجة الى منطقة اكثر سلاما وتكاملا وتعاونا اذا كانوا يريدون مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والصحية والبيئية خلال العقود القادمة".
وخلص التقرير الى القول ان "الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل اخرى"، مضيفا "فيما تعتبر السياسة والدبلوماسية طريقا مبشرا الى الامام، فانه يجب على المرء ايضا الادراك انهما غالبا ما يكونان استمرارا للحرب بوسائل اخرى".
ولهذا، اوضح التقرير انه يتحتم تشجيع القادة الاقليميين على استخدام هذه الجولة الجديدة من الدبلوماسية لا من اجل تجاهل النزاعات، وانما "كنقطة انطلاق لاداء العمل الجاد المتمثل بمعالجة الدوافع الحقيقية طويلة المدى للصراع في المنطقة".