خفايا الوصفة الطبية بالعراق .. "طلاسم" ضحيتها المريض
شفق نيوز/ قبل نحو شهرين، فوجئ المواطن سجاد (أبو علي) من محافظة كربلاء من عدم استطاعة عدد من الصيادلة "فك الطلاسم" لقراءة وصفته الطبية، بسبب ما وصفه بـ"التشفير" وردائة خط الطبيب، الأمر الذي كان يحتم عليه العودة إلى الصيدلية الأولى المجاورة للأخصائي صاحب "الراجيتة".
ويعاني أبو علي (63 عاماً) من أمراض القلب والشرايين، يقول لوكالة شفق نيوز إن "بعض الأطباء لا يخجلون من إخبار المرضى بشراء الدواء من الصيدلية التي يتعاملون معها حصراً".
ويبيّن، أن هذه العملية هي "اتفاق مسبق بين الطبيب والصيدلاني، مقابل حصول الطبيب على نسبة من قيمة الدواء، ويكون المريض هو الضحية".
ويضيف، "وفي حال ذهاب المرضى - كما في حالتي - إلى صيادلة آخرين فلن يتمكنوا من قراءتها، بسبب تطويع لغتها لصالح صيدلية واحدة تبيع العلاج بسعر مرتفع جدا".
ويشكو العديد من المرضى في العراق، من الوصفات الطبية التي تكتب عمداً بخط غير واضح أقرب إلى رموز مشفرة، لا يستطيع فهمها أحد، سوى العاملين في الصيدلية المجاورة للعيادة، ما يجبر المريض على شراء الأدوية منها.
إجراءات رادعة
وتثير هذه الوصفات المكتوبة مخاوف من فتح باب جديد من أبواب الفساد واستغلال المرضى، وسط دعوات لتطبيق ملزم للوصفة الطبية الإلكترونية.
وفي هذا السياق، يقول عضو لجنة الصحة النيابية، باسم الغرابي، إن "اللجنة استضافت نقابتي الصيادلة والأطباء قبل أشهر لمناقشة ضرورة طباعة الوصفة الطبية، لتجنب التشفير بين الطبيب والصيدلاني".
ويؤكد الغرابي لوكالة شفق نيوز، أن "نقابة الصيادلة منعت على الأطباء كتابة، وصفات مشفرة لصيدلية خاصة، و أوجبت طباعة الوصفات الطبية ليتمكن أي صيدلاني من قراءتها، وبخلافه توجه إنذارات للأطباء وقد تصل إلى العقوبات".
ويدعو النائب "المواطنين إلى تقديم شكاوى عند نقابة الصيادلة ضد أي طبيب يكتب وصفة مشفرة لغرض معاقبته كما حصل مؤخراً مع مجموعة أطباء".
يذكر أن وزارة الصحة، وخلال بيانها الخاص بإطلاق مشروع الوصفة الإلكترونية في العام 2019، أكدت أنه يتضمن تزويد النقابة بقائمة أسماء الأدوية المعتمدة في الوصفة دون غيرها والتي يجب أن تكون مفحوصة و رسمية و مسجلة لدى الوزارة ضمن إجراءاتها في عدم تداول الأدوية المهربة.
وبحسب بيان الصحة آنذاك، فإن الهدف من تنفيذ المشروع، هو معالجة إشكالات الخط غير الواضح للوصفة الطبية الذي تترتب عليه مضار عدة على صحة المريض، ولاسيما أن أخطاء قراءة الوصفة باتت واسعة الانتشار، فضلا عن أن هنالك الكثير من التشابه بين أسماء بعض الأدوية.
إشكالات الإلكترونية
يشير الطبيب علي أبو طحين، إلى أن "(الراجيتة) الإلكترونية أمر إيجابي لتنظيم وترتيب العمل، وفي الوقت نفسه تحد من التشفير وما شابه ذلك، لكن فيها اشكالات".
وينبّه أبو طحين خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "الموضوع فيه صعوبات من ناحية عدم إمكانية تطبيقها في كل المحافظات والأماكن، وقد تكون مُكلفة على الطبيب، وحتى المريض غير معتاد عليها".
وفيما يتعلق بتحديد الطبيب لشركة أدوية معينة، يوضح أن "السوق العراقية ما تزال مفتوحة للعديد من شركات الأدوية، وبعضها ليست ذات جودة عالية، لذلك بعض الأطباء يفضلون شركة دواء معينة على غيرها لكونها رصينة ويثق بعلاجها".
وعن أجور الأطباء يبيّن "أبو طحين" أن "ليس كل الأطباء أجور كشفياتهم عالية، فعلى سبيل المثال الأجور في بغداد ليست كما في المحافظات التي لا تزال فيها الكشفية بحدود 5 الاف إلى 10 آلاف دينار، واللجوء إلى الوصفة الالكترونية تحتاج إلى جهد ووقت أكثر للطبيب، ما قد تزيد التكلفة على المريض".
تخمين اسم الدواء
ويقدم بعض الصيدلانيين - بسبب عدم قدرتهم على قراءة الوصفة الطبية - على تخمين اسم الدواء وصرفه للمريض، متغافلين الضرر الذي قد يلحقه استخدام الدواء، في حال لم يكن صحيحا، بالمريض.
وبحسب دراسة أميركية يؤدي سوء خط الوصفة إلى وفاة نحو 7 آلاف شخص حول العالم سنويا.
وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن إصابة أربعة من كل عشرة مرضى بالأذى أثناء تلقيهم الرعاية الصحية الأولية والإسعافية، وترتبط معظم الأخطاء الضارة بالتشخيص والوصفات الطبية واستعمال الأدوية، مشيرة إلى أن الأخطاء المتعلقة بالأدوية وحدها تكلف حوالي 42 مليار دولار أميركي سنويا.
الاستعانة بالتكنولوجيا
بدورها تحاول العديد من شركات التكنولوجيا حل لغز خط الاطباء المشفر، ومن بينها شركة "غوغل" التي تعمل الآن على ترجمة تلك النصوص المستحيل على المرضى فهمها وفك طلاسمها.
وتتيح الميزة - التي تعد حاليا نموذجا بحثيا وليست جاهزة للجمهور بعد - للمستخدمين إما التقاط صورة للوصفة الطبية أو تحميل واحدة من مكتبة الصور، وبمجرد معالجة الصورة، يرصد التطبيق الأدوية المذكورة في الوصفة.