جمالية وتطرف.. "الألتراس" ظاهرة رياضية عالمية نقلها "الصقور" للعراق (صور)
شفق نيوز/ يعد "الألتراس" العراقي أبرز مفهوم ظهر في الملاعب العراقية بعد العام 2003 لتواجد الجماهير الرياضية المنتمية بشدة لفرقها خصوصاً الجماهيرية منها، إن لم تكن "متطرفة" في تشجيعها، وقد انتقل هذا المفهوم عبر دول المغرب العربي، فيما يُختلف في نشأته بين أمريكا اللاتينية وأوروبا، ويبدو تأثيره متفاوتاً بين جمالية جديدة للملاعب أو تدخل في القرارات الإدارية للفرق، كما تمت دراسته أكاديمياً لمعرفة أهميتها.
ما هو "الألتراس"؟
مصطلح "الألتراس" كلمة لاتينية وتعني "الزائد عن الحد"، أما المعنى الشائع لها فهو التعبير عن المجموعات التي تعرف بانتمائها وولائها الشديد لفرقها الرياضية.
وهناك اختلاف بشأن نشأة هذه الظاهرة، فهناك من يرجعها إلى إيطاليا التي شهدت نشوء أول مجموعة "ألتراس" في أواخر العام 1960، والبعض الآخر يرجعها إلى المجر التي شهدت نشوء مجموعة مشابهة لـ"الألتراس" منذ العام 1899، وكان اسمها "فرادي سيزيف" التابعة لنادي فيرينشفاروش، أما البعض فيعيدها إلى البرازيل من خلال مجموعة "تورسيدا" التي أنشئت في مدينة ساو باولو عام 1939.
غير أن تطور هذه الظاهرة في أوروبا كان في يوغسلافيا، وتحديداً من خلال مجموعة نادي هايدوك سبليت التي قامت بأول تحرك من نوعه في هذا الإطار في 28 تشرين الأول/ أكتوبر 1950، خلال المباراة أمام النجم الأحمر، لتنتقل بعد ذلك ظاهرة "الألتراس" إلى مختلف الدول الأوروبية، حيث تعتبر إيطاليا أرضها الخصبة والبلد الذي يضم أكثر مجموعاتها.
وهناك من يرى أن البرازيل فعلياً كانت أولى الدول التي شهدت نشأة "الألتراس"، حيث تم تأسيس أول "ألتراس" باسم "تورسيدا" في أربعينيات القرن الماضي.
وانتقلت الفكرة بعد ذلك إلى أوروبا عبر جماهير نادي هايدوك سبليت الكرواتي - اليوغوسلافي في ذلك الحين عام 1950، ثم في فرنسا بداية ثمانينيات القرن الماضي على يد نادي مارسيليا عبر "ألتراس كوماندو"، ثم انتقلت الفكرة إلى بريطانيا وباقي البلدان الأوروبية.
عقلية "الألتراس"
تستخدم مجموعات "الألتراس" مصطلحات خاصة بها لا يفهمها إلا الأعضاء من بينها مصطلح "الباتش" Batch أي "اللوغو" الخاص بـ"الألتراس"، وهو عبارة عن لافتة كبيرة يصل طولها إلى 10 أمتار أحياناً تحمل شعار المجموعة وألوان الفريق، ويتم اختيار الشعار بعناية من قبل الأعضاء ويعلق بالمدرجات للتعريف بهم.
وهناك مصطلح "التيفو" TIFO وهي كلمة ايطالية تعني المشجع وهي عبارة عن دخلة تقوم بها مجموعة "الألتراس" لتعبر عن رأي أو فكر وغالباً تكون في بداية المباراة.
وهناك كذلك مصطلح "روح الألتراس" Ultras Spirit، للدفاع عن كرامة واسم النادي الذي ينتمون إليه.
ويدير العمل داخل "الألتراس" مجموعات عمل صغيرة، تختص كل منها بتنظيم أنشطة المجموعة من تصميم وتنفيذ اللوحات الفنية وقيادة التشجيع داخل المدرجات وتنظيم الرحلات والإشراف على مصادر تمويل المجموعة، وفي بعض الأحيان يظهر أفراد "الألتراس" عادة ملثمي الوجوه، بعيدين عن الظهور الإعلامي، فالأضواء المسموح لهم أن يكونوا تحتها فقط أضواء الملاعب خلف المرمي مشجعين فريقهم طوال الـ90 دقيقة من عمر المباراة.
مبادئ "الألتراس"
بصفة عامة، تشترك مجموعات "الألتراس" حول العالم في أربعة مبادئ رئيسية على أساسها يتم الحكم على المجموعة إن كانت "ألتراس" حقيقية من عدمه وهي:
1- عدم التوقف عن التشجيع والغناء طوال المباراة أياً كانت النتيجة، يقودهم عادة قائد تشجيع "كابو" Capo، يكون مسؤولاً عن اختيار الأغاني والهتافات وتوقيتها وحركات الأيدي والتشكيلات، وعادة ما يخصص بالملاعب مكان مرتفع لـ"الكابو" ليتمكن المشجعون من متابعته والالتزام بتعليماته أثناء سير المباراة.
2 - عدم الجلوس أثناء المباريات نهائياً، وحضور جميع المباريات الداخلية والخارجية أياً كانت التكلفة والمسافة.
3- اختيار مجموعات "الألتراس" منطقة مميزة داخل المدرجات وتكون تلك المنطقة مكاناً خاصاً للتشجيع والمؤازرة ووضع "اللوغو" الذي يحمل اسم وشعار المجموعة وكذلك يحمل شرف المجموعة نفسها.
"الألتراس" العربية
بدأت ظاهرة "الألتراس" في الدول العربية من خلال دول المغرب العربي، بدايةً من نادي الأفريقي التونسي الذي شهد تأسيس أول "ألتراس" تحت مسمى "الأفريكان وينرز" في العام 1995، ثم انتقل الأمر إلى باقي الأندية التونسية مثل نادي الترجي التونسي الذي يضم ثلاث مجموعات "ألتراس" هي "المكشخين" و"السوبراس" و"البلود آند جولدي"، وانتقلت الفكرة بعد ذلك إلى المغرب، حيث يضم أكثر من 50 مجموعة "ألتراس" تتقدمهم مجموعة "الوينرز" التي تشجع فريق الوداد و"الغرين بويز" التي تشجع فريق الرجاء البيضاوي، وكان الأردن على رأس الدول العربية الآسيوية التي شهدت ظاهرة "الألتراس"، وذلك عن طريق نادي الوحدات عبر "ألتراس غرينز" في العام 2008 ثم انتقلت الفكرة إلى سوريا على يد جمهور نادي الكرامة الحمصي من خلال رابطة "بلو صن".
أول "ألتراس" عراقي
في العام 2013 حاول مشجعو نادي القوة الجوية إنشاء أول "ألتراس" عراقي عبر ما يسمى بـ"Blue Hawks" لإدخال الرهبة في قلوب غرمائهم من خلال أقنعة مستوحاة من فيلم "الصرخة" أو scream.
وطرح هذه الفكرة عباس الكرادي، أحد مشجعي نادي "العريق"، واحد من تسميات نادي القوة الجوية، بعد مباراة بين ناديه والرجاء البيضاوي في بطولة الأندية العربية، خاصةً بعد مشاهدته لما قام به "ألتراس Green Boys" الخصم المغربي.
وتبلورت الفكرة عند الكرادي الذي تقصى، هو وعشرة من رفاقه، عن تفاصيل أكثر حيث اطلعوا عبر المواقع الإلكترونية على عدد من "الألتراس" العربية والأجنبية، وشكل هؤلاء "Blue Hawks" أول "ألتراس" في العراق، وسجلوا دخولهم إلى موقع "الألتراس" العالمي.
وكان الشعار الأبرز لهذا "الألتراس" هو "نعم للمحبة والأخوة لا لعنف الملاعب"، التي غزت النشاطات الرياضية في عدة أنحاء من العراق، فيما كان مصدر تمويل الـ"Blue Hawks" هو اشتراكات الأعضاء.
وبهذا الصدد يرى رئيس رابطة مشجعي العراق مهدي الكرخي، في حديث لوكالة شفق نيوز، أن "الحضور الجماهيري والألتراس العراقي كان عنصر ضبط وحريص على إظهار صورة الفرق العراقية بأبهى صورها في أي مكان تقام فيه وأي مستوى سواء".
ويضيف "الحضور الجماهيري مهم سواء كان في دوري نجوم العراق أو الممتاز، وخصوصاً مباريات ديربي العراق بين الزوراء والقوة الجوية".
"برازيل" آسيا
فيما يؤكد عضو إدارة نادي الزوراء عبد الرحمن رشيد، لوكالة شفق نيوز، أن "هذا الحضور الجماهيري له طعم خاص ليس فقط عند اللاعبين وأنما لرسم صورة جميلة عند النقل التلفزيوني، فهذا الحضور له نكهة، خصوصاً وأنهم يحضرون منذ ساعات قبل انطلاق المباريات، وهو لا يقتصر على فريق بعينه، ولكن الحضور والتأثير يزداد أكثر في الفرق الجماهيرية".
ويتابع "هذا الحضور والتواجد يجب أن يكون لتطوير الدوري واللاعبين والمنتخبات الوطنية، وحينما يكون هناك اجتماعات على مستوى الاتحاد الآسيوي فإن المسؤولين العرب والأجانب يذكرون الجماهير العراقية وحضورها الملفت قبل ذكر الفرق والمنتخبات الوطنية وعشق هذه الجماهير للكرة بل أنهم يطلقون على الجمهور العراقي (البرازيل) لإبداعهم في نقل صورة جميلة عن كرة القدم، ومثال ذلك بطولة خليجي25 التي مثلت أكبر حضور جماهيري في جميع نسخ البطولات السابقة".
من جهته، يقول الصحفي الرياضي نعيم حاجم، لوكالة شفق نيوز، إن "الجمهور بنحو عام هو فاكهة الرياضة ومن دونه ستفقد أي مباراة حلاوتها وحماسيتها وباختصار هو اللاعب الفعلي رقم 12، ووجوده ممتع ويعطي المباراة رونقاً جميلاً".
ويضيف بشأن "الألتراس" العراقي أن "أهل الاختصاص أجمعوا على أن الحضور الجماهيري على المدرجات له تأثير كبير على أجواء المباريات وحماس اللاعبين بشكل خاص، لكن تأثيره أكبر على الأندية خاصة التي تتمتع بقاعدة جماهيرية كبيرة التي لطالما كانت الرقم الأصعب والحافز الأكبر في معادلة المباريات الجماهيرية، فهذه الجماهير تقف في السراء والضراء لمؤازرة فريقها المفضل".
تأثير "الألتراس" أكاديمياً
وفي ظل تأثير "الألتراس"، فقد ناقشت كلية التربية الأساسية، في 11 حزيران/ يونيو الجاري، أطروحة دكتوراه عن مجاميع "الألتراس" ودورها في اتخاذ القرار للمدربين والروح المعنوية للاعبي أندية الدوري العراقي.
وتناولت الأطروحة التي تقدم بها الطالب عمر عكلة سليمان، مجموعات "الألتراس" التي أصبحت حلقة واقعية داخل الملعب وأصبح لها دور كبير في بناء القرارات التي يتخذها المدرب الأول والمدربين المساعدين له وتأثير هذه المجموعات في الروح المعنوية للاعبين، وأصبح لـ"الألتراس" سمعة كبيرة لها وزنها وثقلها وقوتها وكيانها وحقيقتها التي تسهم في بناء القرارات المختلفة للفريق الرياضي الذي تشجعه.
التأثير السلبي لـ"كابو" مشهور
وبشأن التأثيرات السلبية لتدخل "الألتراس" وما يعرف بقائده بـ"كابو"، قررت إدارة نادي القوة الجوية الرياضي في 16 حزيران/ يونيو الجاري، طرد "كابو الصقور" علي المالكي ومنعه من دخول النادي بسبب تجاوزه لفظياً على عضو إدارة القوة الجوية حمادي أحمد في مقطع فيديو انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
فيما بينت مصادر من داخل النادي أن "حمادي أحمد قرر أيضاً مقاضاة المالكي بسبب تصرفه، حيث سيباشر بإجراءات اللجوء إلى القضاء من أجل عدم تكرار هذه المشاهد".