ثلاث عواصم في قلب القمة الخليجية: صفحة طويت وغبار عاصفة لم يتبدد
شفق نيوز/ فتحت القمة الخليجية التي عقدت الثلاثاء 5-1-2021 في المعلا السعودية، صفحة جديدة في العلاقات الخليجية – الخليجية، لكن يبدو انه من المبكر القول ان العاصفة الرملية الهوجاء التي ضربت نسيج العلاقات قد عبرت نهائيا وانجلت.
نكسة حزيران 2017 الخليجية، سارت في طريق المصالحة على ما يبدو بحسب ما عبر عنه "إعلان المعلا" والتصريحات السعودية التي تلته، بالاضافة الى البيان الذي أعلنه أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح الذي حاولت بلاده منذ أيام الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، معالجة الازمة التي انفجرت في سماء الخليج قبل أكثر من ثلاث سنوات.
لكن بخلاف ما ذهبت اليه العديد من التقديرات، بما فيها الأميركي سيمون هندرسون، الباحث في "معهد واشنطن" الاميركي، بان هذه المصالحة يمكن ادراجها ضمن انجازات الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، الا ان التقدير الاكثر دقة ربما يقود الى فكرة مفادها أن مجيء الرئيس الجديد جو بايدن، هو الذي دفع القوى الإقليمية المعنية إلى محاولة التقارب وكسر جليد القطيعة القائمة، خاصة بين قطر والسعودية.
بل ان العديد من المحللين لاموا ترامب خلال سنوات القطعية والحصار السعودي- الاماراتي-البحريني-المصري على قطر، لانه في بداية الأزمة بدا منحازا الى وجهة نظر التحالف الرباعي بقيادة السعودية، عندما تحدث اكثر من مرة عن شبهات دعم قطر للإرهاب، ما بدا تشجيعا اميركيا للحصار الرباعي على القطريين.
وفي الوقت نفسه، فان إعلان قمة المعلا التي عقدت برعاية الملك السعودي سلمان، وانما باشراف وادارة نجله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وبحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد ال ثاني الذي تبادل العناق "المكمم" بسبب كورونا، وهو والأمير محمد بن سلمان، لم يكن خليجي الطابع والأهداف والمخاوف.
ففي المشهد الخلفي لصورة القمة، كانت الولايات المتحدة وايران وتركيا كلها حاضرة. هناك قلق سعودي لم يعبر عنه، بعد فشل الرهان على عودة دونالد ترامب بولاية ثانية الى البيت الابيض، بالنظر الى "التناغم" الواضح الذي كان قائما بينه وبين محمد بن سلمان، سواء في قضية الخلاف مع قطر، او اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، او السماح باستمرار الحرب السعودية على اليمن، او تأجيج التوتر السعودي مع الايرانيين.
وأشارت التسريبات والمواقف التي عبر عنها جو بايدن، قبل فوزه بالانتخابات الرئاسية الى ان العلاقة الاميركية مع السعوديين قد تشهد منعطفا كبيرا في ما يتعلق بهذه القضايا، خاصة في احتمال استئناف التواصل الاميركي مع طهران حول الاتفاق النووي وتخفيف العقوبات الاميركية. كما صدرت تصريحات مواقف قوية لبايدن تتعلق بالحد من الغطاء الاميركي للحرب السعودية على اليمن.
اذا، رص الصفوف الخليجية يبدو الخطوة البديهية من جانب مجلس التعاون الخليجي، حتى وان كان من أجل كسر الجليد فقط، وتحسبا للتحولات المتوقعة في السياسة الاميركية، واحتمال انفراج الوضع الايراني.
تركيا، كما يرى العديد من المراقبين، كانت حاضرة في خلفية مشهد القمة. وكما هو معلوم، فان علاقات انقرة والدوحة، كانت من العناصر التي استحضرتها السعودية من أجل اعلان الحصار والمقاطعة على قطر. اللافت ان قمة المعلا لم تتطرق الى نقطة الخلاف هذه، خاصة ان القطريين، بعدما استشعروا الخوف من احتمال تعرضهم الى غزو سعودي، عززوا تعاونهم العسكري مع الاتراك الذين صار لهم قاعدة عسكرية على الأراضي القطرية، في الخاصرة السعودية، وفي قلب الخليج.
وفي سياق مواز ايضا، فان تركيا تحاول منذ مدة إعادة الحرارة لعلاقاتها المتوترة مع الرياض، وهي ايضا كالسعودية، تلحظ ان مجيء بايدن، مناسبة يجب استباقها، من اجل تهذيب دورها الاقليمي وإعادة ترتيب اوراقها الخارجية، وربما تكون "البوابة القطرية" فرصة ملائمة لتفعيل "جناحي العالم الإسلامي السني" مع السعودية. لكن الاحتضان التركي – القطري للمشروع "الإخواني" في المنطقة، ما يزال بلا اجوبة، ولا يبدو ان قمة المعلا السعودية، توصلت الى تسوية له.
كما لم تتناول القمة قصة العلاقة الخاصة التي تطورت بين قطر وايران، خاصة بعدما اطبق الحصار الرباعي على الدوحة، ولم تعد تجد منافذ كثيرة للطيران والتجارة واستيراد المواد الغذائية سوى عبر المرافئ والمطارات والاراضي الايرانية اساسا، وايضا عبر تركيا، وهي مسألة كانت تزعج الاميركيين الذين كانوا قلقين من المبالغ المقدرة بعشرات ملايين الدولارات التي دخلت على الخزينة الايرانية من خلال عمولات العبور الجوي والشحن واعادة الشحن والتصدير.
وفي المقابل، فان القمة، أقله في نصوص اعلان المعلا، حرصت على التأكيد على أسس التكامل والتعاون السياسي والاقتصادي والأمن، من دون ان تدخل في التفاصيل، ولا في آليات السير او خارطة طريق تحدد معالم طريق المصالحة، وهو ما يطرح كل هذا التساؤلات السابقة والاحتمالات التي ظلت من دون اجوبة.
ومهما يكن، فقد حرص ترامب على إيفاد صهره، مستشاره جاريد كوشنر. اما مصر، الشريكة في العقوبات على قطر، فقد تمثلت بوزير الخارجية سامح شكري. وكان من اللافت للنظر ان ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد لم يأت، وانما مثل الامارات حاكم دبي الشخ محمد بن راشد، وقد كان حضور محمد بن زايد ضروريا لاظهار حرص جميع الاطراف على إغلاق ملف الأزمة مع قطر.
كما لم يحضر ملك البحرين، وانما أوفد عنه ولي البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، وهو غياب يطرح ايضا المزيد من الشكوك عما اذا كان ملف الازمة القطرية قد اغلق فعليا.
ومع ذلك، فان وزير الخارجية السعودي الامير فيصل بن فرحان أعلن عودة العلاقات الكاملة بين قطر ودول المقاطعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر، قائلا إن هذه الدول اتفقت على "تنحية خلافاتنا جانبا تماما"، مضيفا "ما حدث اليوم هو .. طي الصفحة بكل نقاط الخلاف، والعودة الكاملة للعلاقات".
وبحسب ما أعلنت الكويت التي لعبت دور الوساطة الرئيسي منذ بداية الازمة، فقد وافقت السعودية على إعادة فتح حدودها البرية والبحرية وأجوائها أمام قطر. ولم يتحدد ما اذا كانت الامارات والبحرين ستتخذان ايضا خطوات ملموسة من جانبهما للتأكيد على الالتزام بالمصالحة. لكن صدر ترحيب متوقع من وزير الدولة للشؤون الخارجية الاماراتي انور قرقاش على تويتر، يشيد فيها باهمية القمة ونتائجها.
ووقع قادة الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، اتفاقية قال ولي العهد السعودي إنها تؤكد "تضامننا واستقرارنا الخليجي والعربي والإسلامي، مضيفا "هناك حاجة ماسة لتوحيد جهودنا، للنهوض بمنطقتنا ومواجهة التحديات التي تحيط بنا، لا سيما التهديدات التي يمثلها البرنامج النووي الإيراني والصواريخ البالستية، وخططها (إيران) للتخريب والتدمير".
لكن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، غرد على تويتر قائلا "مبروك لقطر نجاح مقاومتها الشجاعة للضغط والابتزاز"، مضيفا في رد ضمني على المواقف السعودية والاميركية ضد بلاده، "أقول لجيراننا العرب الآخرين: إيران ليست عدوا ولا تمثل تهديدا. كفى بحثا عن كبش فداء، خاصة وأن داعمكم الأرعن (الرئيس ترامب) في طريقه للخروج (من منصبه)".
والآن، سيتحتم الانتظار ليتبين ما اذا كانت "الشروط ال13" الشهيرة التي حددتها دول الحصار الاربعة على قطر منذ العام 2017، قد رفعت عن طاولة التفاوض والضغط والابتزاز المتبادل، والتي كان من بينها سياسة قناة الجزيرة القطرية وغيرها من المواقع الاعلامية الممولة منها، وعلاقات الدوحة مع التيارات الاخوانية المعارضة والارتباط مع ايران والتدخل في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون ومصر. وهي كما هو معلوم، كلها شروط رفضتها قطر منذ اليوم الاول.
وربما عندها فقط، يمكن الجزم بما اذا كانت قمة المعلا والعناق الاول بين تميم بن حمد ومحمد بن سلمان، قد بددت فعلا غبار العاصفة التي ضربت الخليج، ام انها هدوء جديد ما قبل عاصفة خليجية، أو إقليمية، أخرى.