بينها العقدة العراقية.. السياسة الخارجية لبزشكيان لها ضوابطها
شفق نيوز/ على الرغم من ان القضايا الداخلية، وخصوصا الهموم المعيشية والاقتصادية والاجتماعية، هي التي هيمنت على خطابات المرشحين في انتخابات الرئاسة الايرانية التي آلت إلى "الاصلاحي" مسعود بزشكيان، لكن القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية لا يمكن تجاهلها في اهتمامات الايرانيين عموما، وخصوصا حكومة بزشكيان الان التي ستجد نفسها امام تحديات إقليمية دولية عليها التعامل معها.
ولا يتوقع المراقبون عموما حتى الآن، تحولات جذرية في توجهات ايران على صعيد السياسة الخارجية، لكن هناك تقديرات عدة بان الاداء قد يشهد تغييرات، انسجاما مع اعلان بزشكيان مرارا انه يريد اتباع سياسة أخوة وانفتاح على الدول العربية والإسلامية.
وكتب المحلل الايراني في صحيفة "جوان" الاصولية عباس نجاري أن مرشد الجمهورية علي خامنئي، "رسم خريطة طريق عشية الانتخابات خلال لقاءات مختلفة، ستجعل طريق الرئيس (الجديد) أكثر وضوحا"، من بينها "الحفاظ على المصالح، وتثبيت العمق الاستراتيجي للنظام في المعادلات الدولية المعقدة".
هناك بالفعل انفتاح ايراني تحقق باتجاه "الجار الخصم" المتمثل بالمملكة العربية السعودية، نجح بفضل جهود وساطة رعتها واستضافتها بغداد على عدة جولات، وتوجت بإعلان تفاهمات بكين في آذار/مارس 2023، ما عكس رغبة طهران –والرياض بطبيعة الحال- بمحاولة طي صفحات الخلافات والتوتر العديدة بينهما، خصوصا مع بداية عهد الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قتل بحادث تحطم مروحيته في أيار/مايو الماضي.
المرشد الإيراني نفسه كان اعلن ان يأمل ان يواصل الرئيس الجديد "مسيرة الشهيد رئيسي"، وهو تصريح يعكس رغبة مرشد الجمهورية باستمرارية النهج المتبع في المرحلة الماضية، والتي تمثلت بتحولات ومحطات مهمة، لا تقتصر على محور العلاقات الايرانية-السعودية وحدها، وإنما تطال المنطقة.
ويعني ذلك بحسب المراقبين، ان الرئيس بزشكيان لن يبادر الى ادخال "انقلابات" في السياسة الخارجية، أو تحولات تربك حسابات مؤسسات الدولة الإيرانية العميقة وتوازناتها.
وبحسب تصريحات بزشكيان نفسه خلال الاسابيع التي تلت مقتل ابراهيم رئيسي، وانطلاق الحملات الانتخابية، فإنه يتحدث عن خططه لإصلاح الوضع المعيشي للإيرانيين انطلاقا من فكرة مركزية مفادها ضرورة العمل على رفع العقوبات الغربية المفروضة على بلاده من خلال اعادة العمل بالاتفاق النووي الايراني وما يسمى خطة العمل المشترك التي تتيح لإيران إجراء التبادل التجاري والاقتصادي مع الدول الغربية وفق آليات محددة، تتيح لدورة العجلة الاقتصادية بالتحرك.
وإلى جانب دعوته الى "الاخوة والانسجام" فيما يتعلق بالعلاقات مع الدول العربية والاسلامية، فان بزشكيان تحدث مرارا عن رغبته بإعادة الانخراط مع الغرب، انسجاما مع نظريته التي تربط ما بين تحسين الوضع الاقتصادي وبين معالجة الملف النووي.
لكن بزشكيان الذي سبق له ان وصف نفسه بأنه "محافظ اصلاحي" بخلاف التوصيف الشائع عنه حاليا بان مرشح التيار الإصلاحي، أكد أن رؤيته للسياسة الخارجية تتخلص بالسعي إلى اتباع "سياسة متوازنة" بحيث لا يميل الى الشرق وحده، ولا إلى الغرب وحده.
وعندما سئل في إحدى المرات عن السياسة الخارجية التي يريد اتباعها، قال بزشكيان انه يريد "التواصل مع العالم كله على أساس مبادئ العزة والحكمة والمصالح، باستثناء إسرائيل".
كانت مبادرة لافتة أن بزشكيان، ما ان اعلن فوزه قبل يومين، حتى قال في أول خطاب له بعد الانتخابات، أنه يشكر مرشد الجمهورية "فلولا حكمته لم نكن لنستطيع ان نصل الى هذه الفرصة".
وكما هو معروف، فان من صلاحيات مرشد الجمهورية الإشراف على حسن إجراء السياسات العامة للنظام، والقيادة العامة للقوات المسلحة وإعلان الحرب والسلام، بالإضافة الى التوقيع على حكم تنصيب رئيس الجمهورية، وصلاحية عزله في حال قررت المحكمة العليا انتهاكه مهامه القانونية أو اذا اعتبر البرلمان أنه لا يتمتع بالكفاءة وفقا للمادة 89 من الدستور.
ومن غير الواضح، ما إذا كان الغرب، وواشنطن تحديدا، ستقوم بملاقاة بزشكيان في الوسط باعتبار انه من رموز التيار الإصلاحي الذي يستحسن عموما العلاقات مع الغرب. وكما يقول مراقبون، فان المعضلة التي تواجه بزشكيان، انه يضع الكثير من رهانات نجاح ولايته الرئاسية للسنوات الأربع المقبلة، على خيار تحريك ملف التفاوض مع الغرب، إلا أنه من غير المؤكد ان الادارة الامريكية الحالية لجو بايدن، ستكون في موقع السلطة للبناء على هذه الفرصة الايرانية المتاحة، وقد يزاد المشهد تأزما في حال تمكن المرشح الجمهوري دونالد ترامب من الوصول الى البيت الابيض.
ويذكر المراقبون بأن ترامب كان انسحب من الاتفاق النووي مع طهران في العام 2018، والذي كان أبرمه سلفه الرئيس الديمقراطي باراك أوباما مع الإيرانيين، حيث اعتبر ترامب أن الاتفاق يمنح تسهيلات لايران اكثر مما تستحق، وبالتالي عليها اعادة التفاوض مع ادارته ووفق شروطه. ولهذا، فان مجيئ ترامب الى البيت الابيض، قد يكون نقطة توتر مع طهران، اذ لا تزال عبارة مرشد الجمهورية الايرانية لرئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي تتردد عندما قال له إن الأمريكيين قتلوا قائد قوة القدس الايراني الجنرال قاسم سليماني عندما كان "ضيفا على العراق".
ليس من السهل تصور أن خامنئي سيكون متساهلا مع إدارة جمهورية يقودها ترامب الذي قتل أيضا قائد الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، وردت طهران بقصف قاعدة عين الاسد بالصواريخ البعيدة، ما يطرح تساؤلات عما اذا كانت حكومة بزشكيان ستكون قادرة على التعامل بسهولة مع هذه "العقدة العراقية" مع ادارة ترامب، من دون ضوء اخضر من مرشد الجمهورية نفسه.
إلا أن بعض المراقبين يعتبرون أن مجيء محمد جواد ظريف المحتمل الى وزارة الخارجية الايرانية، قد يكون مؤشرا على رغبة طهران في سياسة التوازن التي حددها بزشكيان في التعامل مع الخارج.
ومع ذلك، فإن حرب غزة، وشرارتها الإقليمية، قد تكون هي الأخرى التحدي الأكثر خطورة بالنسبة لبزشكيان، وهو ملف يطال الساحة العراقية ايضا حيث تشارك فصائل منضوية في اطار "المقاومة الاسلامية في العراق" بشن هجمات على اسرائيل انطلاقا من الاراضي العراقية في سياق التضامن مع الفلسطينيين. ومن غير الواضح، ما إذا كان بزشكيان، سيحاول تغيير هذه المعادلة العراقية، علما بأن قيادة قوة القدس الايرانية هي المكلفة التواصل والتنسيق والدعم للفصائل العراقية.
وسيجد الدبلوماسيون الإيرانيون أمامهم الطريق شاقة في انتهاج سياسة انفتاح في مناخات التأزم الإقليمي، أو في محاولة التأثير على "الجبهة اللبنانية" في الاشتباك مع اسرائيل، وفي الوقت نفسه محاولة تحريك مسار التفاوض والانفتاح على الغرب حول الملف النووي الايراني.
ولهذا، فان بزشكيان، الذي سيجد نفسه مضطرا الى تحقيق التوازن في تعامله مع مرشد الجمهورية ومع البرلمان ومع مجلس صيانة الدستور، بينما يحاول صياغة سياسة خارجية تحقق أهدافه التي أعلنها، وهي مهمة لن تكون سهلة كما يقول مراقبون، بانتظار أن يتحدد مصير المعركة المقبلة على البيت الأبيض.
التحدي الآخر الذي يتوقع أن يراقبه الغرب عن كثب، هو ملف علاقة طهران بموسكو وخصوصا في ظل الاتهامات القائمة منذ سنتين لإيران أنها تتعاون عسكريا مع موسكو في حربها الاوكرانية، وهنا ايضا قد تكون يدي بزشكيان مغلولة نسبيا في إجراء تعديل جذري على السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وايضا تجاه الصين التي تتزايد علاقاتها السياسية والاقتصادية نموا مع طهران.
اعداد: وكالة شفق نيوز