بينها العراق.. منظمة نرويجية تحذر من شبكة اقليمية "خطيرة" للتغيير المناخي وشح المياه
شفق نيوز/ رسم "المجلس النرويجي للاجئين" مشهدا للشبكة الخطيرة لمظاهر التغيير المناخي وشح المياه في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، متناولا العراق كأول مثال حيث اشار الى انه يتعرض لنتائج كارثية خطيرة لزراعته، فيما تثير هذه العناصر مخاطر مفاقمة ظاهرة النزوح التي تطال ملايين الناس.
وذكرت المنظمة النرويجية في تقرير على موقعها الالكتروني ترجمته وكالة شفق نيوز؛ ان التغيير المناخي وشح المياه في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا التي عانت من سنوات من الحروب والنزوح، أصبحا بمثابة تهديد آخر للسياقات الهشة في هذه المنطقة حيث أن قدرة السكان على التعامل مع تأثيرات تغير المناخ محدودة، مما يؤدي الى تفاقم وضعهم الهش بشكل عام.
وأشار التقرير النرويجي إلى أن المنطقة مثقلة بالفعل بسبب أزمات النزوح سابقة، محذرا من أن التداعيات المدمرة للتغيير المناخي قد تجبر ملايين الناس على النزوح نتيجة شح المياه والجفاف وأحوال المناخ القاسية.
ولفت التقرير إلى أن المجلس النرويجي للاجئين، أجرى خلال السنوات القليلة الماضية أبحاثا تتعلق بالتغيير المناخي وشح المياه وتأثيرها على المجتمعات الريفية والنازحة في المنطقة، وتناول بالتحديد العراق وسوريا وفلسطين وليبيا، حيث قال أن التغيير المناخي إلى جانب النزوح والصراع، في هذه الدول، يؤدي إلى تفاقم المعاناة الحالية.
وفي حين قال التقرير إنه في العديد من الحالات، فإن البنية التحتية للمياه والزراعة تدمرت بشكل جزئي أو كلي بسبب الصراعات، مما يجعل دول هذه المنطقة أكثر عرضة للتغييرات المناخية، اشار الى انه جرى تجاهل البلدان الهشة في المؤتمرات واتفاقيات الأمم المتحدة السابقة بشأن تغير المناخ.
والآن يقول التقرير إنه في ظل الاجتماعات الجارية في دبي لدول العالم في إطار مؤتمر الأمم المتحدة السنوي لتغير المناخ، فانه يجب ان تركز خطة تمويل المناخ والتكيف معه، على السكان المتأثرين بالنزاعات والنازحين في هذه المنطقة.
العراق: جفاف الانهار
وحول العراق، نشر التقرير مشهدا لعشرات الاعمدة الخشبية الطويلة المغروزة في بركة مياه شبه جافة في بستان، فيما يتجول رجلان ويتفحصان الجذوع القوية التي كانت عبارة عن نخيل التمر، التي اشتهرت بها مدينة الفاو، مشيرا الى ان ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض كميات المياه تسببا في ازالة ثروات هذه الأرض سنة تلو الاخرى.
ونقل التقرير عن عزيز (65 سنة) الذي عمل في الزراعة طوال حياته، قوله إن "البعض، مثلي، مضطر الى البقاء لانه لا يمكننا تحمل تكاليف المغادرة، لكننا جميعا على وشك التخلي عن الزراعة".
واعرب عزيز عن اسفه لان 55 الف عائلة تخلت عن الزراعة تماما، بينما قالت زوجته حليمة انه "ليس لدينا سوى القليل هنا سوى التعب، ومع كل عام يزداد الأمر سوءا".
وأوضح التقرير أنه "بينما يتعافى العراق من عقدين من الصراع، فإن القطاع الزراعي، وهو ثاني أكبر قطاع، يخضع لاختبار خاص به، حيث يسود طقس مضطرب، واجتاح الجفاف وموجات الحر الحادة كافة أنحاء البلد في الصيف الماضي". واضاف انه على مدى السنوات القليلة الماضية، "تسببت هذه الظروف بنتائج كارثية على الزراعة في العراق، حيث استنزفت المحاصيل، واختلت سوق الزراعة، واتسعت الفجوة الاجتماعية، واستمر النزوح الثانوي، في حين أدى الجفاف الى عكس اي تقدم".
وبحسب المجلس النرويجي للاجئين فإن التغيير المناخي في العراق يعرقل الانتعاش الاقتصادي للمجتمعات المتضررة من النزاع ويسرع بمخاطر النزوح الثانوي، في حين أن الظروف المناخية المعاكسة عرقلت الوصول إلى أنظمة السوق، وساهمت في تفاقم التوترات الاجتماعية، وتعزيز مخاطر النزوح الثانوي.
وأوضح التقرير أن نحو 60 % من المزارعين يعانون من شح المياه وانخفاض انتاجية المحاصيل، مضيفا انه في حين يعود الكثيرون الى ديارهم بعد سنوات من النزوح بسبب الصراع، فإن آخرين يفكرون في مغادرة قراهم بسبب الجفاف الشديد.
ونقل التقرير عن المزارع العراقي ابو رشيد قوله "لقد توقف الرصاص الان، ولكننا لا نزال خائفين من خسارة منازلنا".
سوريا
وحول سوريا، قال التقرير عبر الحدود من العراق الى الغرب، وفي عمق الأراضي السورية، تقع مسكنة، وهي قرية تفصل الصحراء السورية عن السهول الخصبة على ضفاف نهر الفرات. ولفت التقرير الى عزت الذي ورث مزرعته من أجداده، وانه برغم الصراع وظروف الجفاف المتزايدة، فإنه قال بتصميم "سابقى هنا وازرع ارضي مهما كانت الظروف صعبة".
وتابع التقرير أن الجيل الأصغر اجبر على الرحيل من مسكنه بحثا عن حياة أفضل، مضيفا أن الذين بقوا حاولوا إيجاد طرق للتكيف، فيما تخلى البعض عن محاصيلهم التقليدية لصالح البطيخ الأكثر مقاومة للجفاف، وذلك لان منسوب مياه نهر الفرات تضاءل خلال السنوات الماضية، مما ساهم في انتشار الكوليرا وغيرها من الأمراض التي تنقلها المياه.
وذكر التقرير أن سوريا واجهت العديد من التحديات من بينها الحروب والنزوح والأزمات الاقتصادية وهشاشة البنية التحتية، في حين يشكل الجفاف وما نتج عنه من انخفاض في الإنتاج الزراعي بعد سنوات من نقص المياه والوقود والكهرباء تحديا آخر يواجه هذا البلد الهش.
ولفت التقرير إلى أن المسح الأخير الذي أجراه المجلس النرويجي للاجئين والذي شمل أكثر من 460 شخصا، أظهر أن ربع المزارعين عانوا من خسارة المحاصيل بنسبة تزيد عن 90 % في العامين الماضيين، وهو ما ادى الى انخفاض الدخل السنوي لـ 99 % من المزارعين الذين شملهم الاستطلاع، ما يعني أن الجفاف يؤدي الى تفاقم تدهور سبل حياتهم.
وتابع التقرير أنه في ظل اعتماد ما يقرب من نصف سكان الريف على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل، فان انهيار البنية التحتية وانظمة الري يعرقل فرص التعافي في سوريا، مضيفا ادى الجفاف ادى إلى نزوح واحد من كل خمسة أشخاص اجرى المجلس النرويجي للاجئين مقابلات معهم، مشيرا إلى أنه في حال استمر هذا المسار، فإن المساحة الصالحة للزراعة، المعرضة للخطر بالفعل، ستستمر في التقلص.
فلسطين
وبعدما أشار التقرير النرويجي الى الأحداث المروعة في غزة بسبب الهجمات الاسرائيلية غير المتناسبة على المدنيين، بالإضافة الى دورة العنف في الضفة الغربية من جانب المستوطنين والجنود، قال التقرير أنه خلف هذه الانتهاكات الواضحة تكمن قضية أقل وضوحا ولكنها بالغة الاهمية، الا وهي الاحتلال الاسرائيلي وتوسيع المستوطنات التي أدت الى تقييد موارد المياه في الضفة الغربية.
ولفت التقرير إلى أن سيطرة اسرائيل تتوسع لتطال حصول الفلسطينيين على المياه ورفض منح تصاريح للمشاريع التي تهدف الى اصلاح او انشاء بنية تحتية جديدة للمياه.
واوضح التقرير ان الحرمان الصارخ من الحقوق الفلسطينية الأساسية يظهر في الإحصاءات الصادرة عن منظمة حقوق الانسان الاسرائيلية "بتسيلم" حيث انه بينما يتمتع المستوطن الاسرائيلي العادي بمخصصات قدرها 247 لترا من المياه يوميا، فان الفلسطيني الذي يقيم في مجتمع لا تتوفر لديه شبكة مياه ينال حصة مياه تصل الى مجرد 26 لترا يوميا، أي ما يزيد قليلا عن عشر الكمية الاسرائيلية.
واعتبر التقرير أن السياسات الاسرائيلية تساهم في خنق الجهود الفلسطينية لبناء برامج التكيف ضد آثار التغيير المناخي، في حين تواصل المستوطنات الإسرائيلية، التي أقيمت في انتهاك للقانون الدولي، التوسع في الأراضي الفلسطينية، مما يؤدي الى مخاطر بيئية وسط غياب تام للمساءلة، مشيرا ايضا الى ان توسع المستوطنات واعتداءات المستوطنين، أدت إلى خسارة الماشية والدخل، مما ساهم في التهجير القسري لمجتمعات رعوية بأكملها.
ودعا التقرير الى إجراءات من شأنها انهاء الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية، ومنح الفلسطينيين السيطرة على نموهم وتنميتهم، بما يساعد في نهاية المطاف في تطبيق تدريجي لحقوقهم الانسانية الاساسية.
وحول ليبيا، قال التقرير إن "العاصفة دانيال" في ليبيا هذا العام أدت الى مقتل ونزوح الآلاف في جميع أنحاء المنطقة الشرقية الهشة في ليبيا التي شهدت، مثل العراق وسوريا، سنوات من الصراع والنزو. وقال التقرير أن التغيير المناخي يتخذ يتخذ أشكالا صارخة.
وتابع أن البنية التحتية المدمرة في البلد وعدم كفاية أنظمة الإنذار قد جعل ليبيا عرضة لمخاطر الفيضانات المتفاقمة كما هو واضح في انهيار السدين في درنة. واضاف التقرير أن ليبيا تواجه ايضا تحديات الاجهاد المائي، وانه في ظل عدم وجود أنهار، اعتمدت ليبيا على طبقات المياه الجوفية، في غياب سياسة شاملة لإدارة المياه. وتابع قائلا انه على مدى الشهور القليلة الماضية، قام المجلس النرويجي للاجئين بتوثيق تأثير شح المياه على الزراعة والاستخدام المنزلي.
تحول عاجل
وختم التقرير بالقول إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعتبر أكثر المناطق التي تعاني من إجهاد مائي في العالم، وواحدة من أكثر مناطق العالم عرضة لتأثيرات التغيير المناخي، وبرغم ذلك فان هذه المنطقة هي أصغر متلقٍ لتمويل المناخ في العالم، وتكاد تكون بلدان الصراع والنزوح المعرضة بشدة لتغير المناخ مستبعدة من التمويل والعمل المناخي.
ودعا التقرير الجهات المانحة الى زيادة تمويل المناخ من أجل التكيف مع الخسائر والأضرار وبناء القدرة على الصمود في المنطقة وضمان وصول التمويل إلى المجتمعات المتضررة من النزوح في البيئات الهشة والصراعات. كما قال التقرير أنه يجب أن يشمل التخطيط الوطني لتغير المناخ وإدارة المياه الأشخاص المتأثرين بالصراع والنزوح في تشكيل المناقشات المتعلقة بمستقبلهم.
ودعا التقرير دول المنطقة الى الاستثمار في خطط عمل تغير المناخ وإدارة المياه، بدعم من الجهات المانحة الدولية، كما يجب تطوير أنظمة الإنذار المبكر والاجراءات الاستباقية للجفاف والفيضانات على مستوى البلديات والمستوى الوطني للسماح بالحد من مخاطر الكوارث.
ترجمة: وكالة شفق نيوز