العراق يفقد متراً من مياهه الجوفية ودعوات عاجلة للتحرك
شفق نيوز/ بينما يحذر متخصصون من الاعتماد على المياه الجوفية في الزراعة، لما لها من آثار خطيرة على المستوى القريب فضلاً عن البعيد، يطالب آخرون بوضع شروط لاستخدامها وأن يكون للطوارئ وحسب الاحتياج الفعلي للمياه، وعبر استخدام طرق الري الحديثة لترشيد الاستهلاك.
وأصبح العراق خلال السنوات القليلة الماضية من أكثر خمس دول تأثراً بتغير المناخ في العالم، ما أدى إلى جفاف 70 بالمائة من الأراضي الزراعية، ونزوح سكانها إلى مناطق حضرية للعيش، كما جفت الأهوار وتراجعت مناسيب الأمطار.
وأكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في آذار/مارس الماضي، أن سبعة ملايين عراقي تضرروا بسبب التغير المناخي، يرافق ذلك احتكار دول المنبع (تركيا وإيران) المياه العذبة، حيث حجبت السدود الكبرى التي أنشأتها الدولتان نحو 70 بالمائة من حصة العراق المائية.
ونتيجة لهذه الظروف مجتمعة، اضطرت الحكومة والأهالي إلى اللجوء للمياه الجوفية بغية سد النقص الحاصل في مياه الشرب والسقي.
مخاطر الجوفية
لكن الخبير في الموارد المائية، تحسين الموسوي، نوّه إلى أن الخطأ الكبير باستخدام المياه الجوفية أنها غير مستدامة، لذلك ينبغي عدم استخدامها بهذه الطريقة العشوائية، التي أدت إلى فقدان متر منها في الموسم الماضي، ويبدو أن الضغط على وزارة الموارد المائية الخارجي والداخلي دفعها إلى هذا الأمر الذي ستكون له تداعيات كبيرة في المستقبل.
وأكد الموسوي، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن طريقة سحب مياه الجوفية بهذه الكميات لها آثار خطرة على المستوى القريب فضلاً عن البعيد، وحالياً وصلت البلاد إلى مرحلة الجفاف بعد أربعة مواسم متتالية، ومنذ موسمين يتم استخدام الخزين الميت وهذا يحدث لأول مرة في التاريخ.
وتابع، أن الفضاء الخزني المائي الخالي هو بحدود 130 إلى 140 مليار متر مكعب، وأن السدود الثلاثة الرئيسية الموصل ودوكان والثرثار، تحتضر حالياً، ويتم استخدام الجزء الميت منها.
ونتيجة لهذا الجفاف، فُقدت مساحات زراعية، وتفاقمت الهجرة المناخية، وتراجعت الثروة السمكية إلى مرحلة الانعدام، خاصة في الأهوار وما صاحبها من هلاك الجاموس والطيور.
ولفت إلى أن ما يزيد الأزمة بعد عام 2003، اعتماد الحلول الترقيعية كخطة استراتيجية، فلا يدرك صانع القرار في البلاد خطورة وضع المياه في المستقبل.
وأقرّت وزارتا الزراعة والموارد المائية، خطة زراعية للموسم الشتوي، تعتبر هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد، عبر الاعتماد على المياه الجوفية بشكل رئيسي في تأمين مياه السقي، وسط تحديات كبيرة تتعلق بإمكانية الدولة تأمين منظومات السقي الحديثة التي باتت تبيعها للفلاحين بأسعار مدعومة، وفقاً لخطة تهدف إلى تقليل استهلاك المياه ومغادرة طريق الري القديمة.
وبحسب بيانات رسمية حديثة، فإن خطة الموسم الزراعي في عموم مدن العراق للموسم الشتوي 2023/ 2024، تعتمد على زراعة 5.5 ملايين دونم فقط، وستكون مساحة الزراعة بالاعتماد على المياه السطحية (نهري دجلة والفرات) بمقدار 1.5 مليون دونم، بينما ستكون المساحة المزروعة بالمياه الجوفية، نحو 4 ملايين دونم.
ويمتلك العراق 5 ملايين متر مكعب من المياه الجوفية المتجددة أي التي يمكن تعويضها من الأمطار، فضلاً عن الخزين الاستراتيجي غير المعلوم الكمية إلا أنه عند استخدامه لا يمكن تعويضه.
شروط الاستخدام
ويتصدر العراق الدول العربية بالمياه الجوفية التي تصل تقريباً إلى 30 مليار لتر مكعب، وفق نائب رئيس لجنة الزراعة والمياه والأهوار النيابية، زوزان كوجر، مؤكدة أن المياه الجوفية لها دور حيوي في تنمية واستصلاح الأراضي خاصة في الأماكن التي لا يمكن وصول المياه السطحية إليها.
وتستخدم هذه المياه - التي تعد بديلاً عن المياه السطحية - للأنشطة الزراعية أو الصناعية أو حتى للاستخدامات البشرية، حسب الاحتياج الفعلي في تلك المناطق.
وعزت كوجر، خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، ارتفاع الاعتماد على المياه الجوفية في الآونة الأخيرة إلى التغيرات المناخية، وانحباس الأمطار، والاحتباس الحراري، وقلّة مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات بسبب تراجع الواردات المائية من الجارة تركيا.
وأدت هذه الظروف، بحسب البرلمانية العراقية، إلى الاعتماد على المياه الجوفية في الكثير من المناطق، خاصة في الخطة الزراعية لهذا الموسم، بعد جفاف 70 بالمائة من الأراضي الزراعية، وبحسب خطة وزارتي الموارد المائية والزراعة، فإن هناك 4 ملايين دونم تعتمد في زراعتها على المياه الجوفية.
ورأت كوجر، أن اللجوء للمياه الجوفية يكون للطوارئ وحسب الاحتياج الفعلي للمياه، وعبر استخدام طرق الري الحديثة لترشيد الاستهلاك، داعية إلى وضع خطة لخزن مياه الأمطار والثلوج والسيول لتلافي الظروف القاسية خاصة في موسم الصيف.
ووفق رؤية اللجنة النيابية، ينبغي اللجوء إلى الزراعة الحديثة، باستخدام المحاصيل التي تتحمل الجفاف، وفي الوقت نفسه تستهلك مياهاً قليلة للمحافظة على المياه الجوفية، وكذلك أن تتعاون المؤسسات الحكومية كافة للاستخدام الأمثل للمياه، ودعم المزارعين عبر قروض أو سلف لشراء منظومات الري الحديثة للحفاظ على قطاع الزراعي المهم.
وأعلنت وزارة الزراعة في حزيران/يونيو الماضي، عن توفير قروض معفاة من الأرباح والفوائد تمتد فترة تسديدها إلى 5 سنوات، مخصصة للفلاحين الراغبين بشراء منظومات ري حديثة لأراضيهم الزراعية.
وكان تقرير سابق للأمم المتحدة حول الأمن المائي في المنطقة العربية، أكد أن 17 دولة في العالم العربي من أصل 22 هي حالياً على خط الفقر المائي، من بينها 12 دولة ترزح بالفعل تحت خط الفقر المائي المدقع من بينها العراق.
ووفق توقعات "مؤشر الإجهاد المائي" لعام 2019 فإن العراق سيكون أرضاً بلا أنهار بحلول عام 2040، ولن تصل مياه النهرين إلى المصب النهائي في الخليج العربي.
ومؤشر الإجهاد المائي Water Stress Index هو مقياس لندرة كمية المياه العذبة المتجددة المتوفرة لكل شخص في كل عام من إجمالي الموارد المائية المتاحة لسكان المنطقة.
ويبلغ إجمالي معدل الاستهلاك للاحتياجات كافة - كحد أدنى - في العراق نحو 53 مليار متر مكعب سنوياً، بينما يحتاج العراق إلى 70 مليار متر مكعب لتلبية احتياجاته، وتقدر كمية مياه الأنهار في المواسم الجيدة بنحو 77 مليار متر مكعب، وفي مواسم الجفاف نحو 44 مليار متر مكعب.