العراقيون لا يأتمنون البنوك.. أكثر من 90٪ من الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي
شفق نيوز- بغداد
تظل العلاقة بين المواطن العراقي، والمصارف بشقيها الحكومي والأهلي، متابعدة أو تكاد تكون منقطعة، خاصة عند فكرة إيداع الأموال لدى تلك المصارف، حيث ينظر لها المواطن على أنها آبار عميقة تخفي أمواله تحت روتين معاملات طويلة، بينما يرى في غرف بيته ودواليبها خير الأماكن أماناً على سيولته النقدية.
المواطنة وجدان صالح، من أولئك الناس، حيث تخشى إيداع أموالها في المصارف العراقية وتفضل ابقاءها في المنزل عازية السبب الى خوفها من المصارف من عدم إرجاع أموالها بسهولة في حالة احتاجها.
تقول وجدان في حديث لوكالة شفق نيوز، انه "ذات مرة أودعت 5 ملايين دينار في احد المصارف الحكومية وعندما ذهبت لسحبها بعد مدة طويلة طلبوا مني إجراءات تعجيزية طالت لأكثر من أسبوع".
تضيف وجدان انها ومنذ ذلك الحين لم تودع أي مبلغ حتى الحوالات التي تصلها من أقاربها في خارج العراق تقوم بتسلمها فور وصولها.
"ضعف الثقة بين المواطن والمصارف أدت إلى اكتناز المواطنين أموالهم داخل منازلهم وعدم توديعها في المصارف ما أثر ذلك بشكل كبير على الكتلة النقدية"، يؤكد النائب مصطفى الكرعاوي، ذلك مضيفاً أن "ملف تطوير القطاع المصرفي ودمج المصارف طُرح مراراً في البرلمان، والسبب الرئيسي وراء ذلك هو فقدان المواطن الثقة بالنظام المصرفي في العراق".
وفي حديثه لشفق نيوز، أوضح الكرعاوي أن هذه المشكلة ناتجة عن تراكمات طويلة الأمد تتعلق بضعف الأنظمة الإلكترونية والمحاسبية المصرفية ما يجعل المواطنين يعزفون عن التعامل معها ويفضلون سحب رواتبهم كاملة بمجرد إيداعها في البطاقة دون ترك أي رصيد.
ويشير إلى أن غياب الأنظمة المصرفية الحديثة أدى إلى عزوف الناس عن الإيداع والادخار داخل البنوك وهو ما يدفع الكثيرين لاكتناز أموالهم في المنازل، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى ركود اقتصادي ويقلل من حجم السيولة المتداولة في السوق.
ويدعو الكرعاوي إلى رفع مستوى الوعي والثقافة المصرفية لدى المواطنين، إلى جانب فرض استخدام التعاملات التجارية الإلكترونية على المؤسسات الحكومية والتجارية والقطاع الخاص، باعتباره مسارا مهما لتنشيط الحركة الاقتصادية.
وختم بالقول إن الإيداع داخل المصارف لا يحقق فقط الأمان المالي للمواطن، بل يتيح أيضا للمصارف تقديم خدمات تنموية مثل القروض والسلف وهو ما يسهم في تنشيط السوق وتحقيق النمو الاقتصادي المنشود.
ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور علي دعدوش، لوكالة شفق نيوز إن "ظاهرة اكتناز الأموال تصل الى 92% من الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي، وهي تمثل تحدياً جوهرياً للبنية النقدية والمالية في العراق، وتُعد من أبرز مظاهر الهشاشة الهيكلية في الاقتصاد النقدي"، مؤكداً، أن "هذه الظاهرة مركّبة وذات أبعاد سلوكية مؤسساتية واقتصادية".
ويضيف، أن "ثقافة الاكتناز ليست وليدة اللحظة، بل هي امتداد إلى عقود من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، من الحصار إلى العقوبات، ومن غياب الأمن إلى هشاشة المؤسسات، وخلال هذه الفترات، ترسّخت في الذهنية العراقية فكرة مفادها أن النقد الورقي في الجيب خير من المال في المصرف، إلا أن هذه الثقافة لم تبقَ في إطار السلوك الفردي فحسب، بل تحوّلت إلى ظاهرة عامة، تسببت في خنق الدورة الاقتصادية، وإضعاف قدرة المصارف على أداء وظائفها الحيوية، من تمويل إلى استثمار، ومن رقابة إلى تفعيل الأدوات النقدية".
ويلفت دعدوش، إلى أن "غالبية من يكنزون النقد هم من الأفراد، خاصة في المدن الصغيرة والريف والمناطق غير المشمولة بالخدمات المصرفية، بسبب ضعف الثقة بالمصارف، نتيجة تجارب سابقة من الإفلاس أو الحجز أو الفساد، وغياب ثقافة الشمول المالي في المنظومة التعليمية والإعلامية".
ويشير دعدوش الى "صعوبة الإجراءات المصرفية وغياب الانتشار الجغرافي الواسع للفروع، وتراجع الخدمات المصرفية الرقمية، ما يدفع الناس للتمسك بالنقد كوسيلة أسهل".
ووفق متخصصين فإن لهذه الظاهرة العديد من الجوانب السلبية، ومنها أن البنك المركزي يفقد سيطرته الفعلية على الكتلة النقدية، وأن أدواته كسعر الفائدة أو إعادة الخصم تصبح أقل فاعلية، فيما تعاني المصارف التمويل من شح السيولة، وهو مايضعف قدرتها على تمويل المشاريع ويدفع المستثمرين للتوجه نحو التمويل غير الرسمي، اضافة الى صعوبة إدارة التضخم بسبب الكتلة غير المتداولة رسميًا مايؤثر سلبا على قرارات البنك المركزي في تحقيق الهدف الأساسي له وهو السيطرة على المستوى العام للأسعار وتحقيق الاستقرار.
ويقول المواطن عبد علي علوان في حديثه لوكالة شفق نيوز، إن "إجراءات فتح حساب بأحد المصارف يتطلب الأوراق الثبوتية الرسمية مع مبلغ لايتجاوز 100 دولار، وهذا امر طبيعي لكن المشكلة تبدأ بالتعقيد في حال طالبنا بسحب جزء من المبلغ المودع".
ويضيف، ان "الاجراءات الروتين تعرقل معاملة السحب وتستغرق أكثر من أسبوع".
وبسبب عدم الاستقرار وتعرض بعض المصارف الاهلية للغلق جراء عقوبات خارجية، يرفض البعض إيداع المال بتلك المصارف.
ويوضح المقاول عبد الزهرة فاضل، أنه "في كثير من الأحيان تكون هناك حاجة سريعة وملحة للمال، لكن الإجراءات المصرفية تقف حاجزاً أمام ذلك، لان بعض المصارف الاهلية تتعرض لعقوبات تقتضي توقفها لفترة، وحين ذاك نواجه مشاكل عديدة".
ويلفت في حديث لوكالة شفق نيوز: إلى أنه "حين يفتح المواطن حساباً مصرفيا بالعملة الصعبة لا يتم صرف الأموال المحولة له من خلال المصرف بالعملة نفسها"، مشيراً إلى أنه "لا يتم ايضا تسليم الحوالة المالية بالسعر الموازي بحجة أن الحساب المفتوح لدى المصرف هو بالعملة الصعبة، ويجب فتح حساب اخر بالعملة المحلية من أجل سحب الحوالة".
ويؤكد، ان "المصارف في بغداد، تعتمد اجراءات معقدة وغير معقولة في كثير من الأحيان، تضع الزبائن أمام معاناة طويلة، وهي تختلف كلياً عن مصارف الإقليم التي تتمتع بالسهولة والشفافية في جميع تعاملاتها المصرفية".
في النهاية فأن على الحكومة العراقية تحسين مستوى المصارف إدارياً وزيادة ثقة المواطن بالنظام المصرفي، من خلال تسهيل إجراءات سحب وإيداع الأموال.