الرمادي بعد حقبة "داعش".. انتعاش هش ومخاوف من "الميليشيات"
شفق نيوز/ خلصت صحيفة "الفايننشال تايمز" البريطانية في تقرير لها حول مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار الى انه بعد خمسة أعوام على الحاق الهزيمة بتنظيم داعش، اصبح هناك "مؤشرات على انتعاش اقتصادي هش" في المدينة.
ولفتت الصحيفة البريطانية في تقريرها الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، الى ان محافظة الانبار اشتهرت بكونها مركزا لـ"المقاومة السنية" خلال فترة الاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة ثم بعد ذلك، معقلا لتنظيم القاعدة ثم داعش، لكن الان فان الامن الحذر عاد الى هذه المحافظة التي تعتبر الاكبر في العراق.
وكنتيجة لذلك، قالت الصحيفة، ان مدينتي الرمادي والفلوجة الرئيسيتان في المحافظة، تنتشر فيهما مشاريع البناء والاسواق الصاخبة والمناسبات الترفيهية العائلية، بما في ذلك فيما يسمى "ارض الفلوجة".
ونقلت الصحيفة عن بكر محمود (33 عاما)، وهو يقوم بلصق غطاء شاشة على هاتف زبون في متجر مزدحم للهواتف، قوله انه "بعد تحسن وضعنا الامني، استمرت الاعمال في التحسن. ان الامر الافضل هو اننا نسينا المسائل الطائفية".
ولفت التقرير الى ان الانبار المضطربة كانت لفترة طويلة منطقة خطرة، مشيرا الى انها تقع على الحدود السورية التي يسهل اختراقها وتشترك بحدودها مع الاردن والسعودية، وهي على بعد مئات الكيلومترات من بغداد.
كما لفت الى ان اكثر من 10 الاف جندي امريكي وبريطاني وعراقي قاتلوا المتمردين في مدينة الفلوجة في العام 2004، مضيفا ان المتشددين في تنظيم القاعدة، اجتاحوا الانبار في وقت لاحق، الى ان هزمهم تحالف عشائري في العام 2006. ولكن الانبار سقطت بعد ذلك في قبضة تنظيم داعش في العام 2014، في حين تشير التقديرات الى ان اكثر من 20 الف شخص قتلوا في الانبار بين عامي 2003 و 2017 ، وذلك استنادا الى بيانات "احصاء الجثث العراقية"، من بين حوالي 200 الف حالة وفاة في جميع أنحاء العراق.
والان، بعد مرور خمسة اعوام على نجاح القوات العراقية في اجبار داعش على مغادرة المدن، يقول القائد في الجيش العراقي ناصر الغانم (قائد عمليات الأنبار السابق)، وهو يتحدث في قاعدة عسكرية في الصحراء الغربية الشاسعة الامتداد، "اقول بفخر انه لم تقع هجمات ارهابية كبيرة (في الانبار) في العامين الماضيين.. داعش في اضعف حالاته. ليس هناك اكثر من 75 في كل صحراء الانبار".
وذكر التقرير ان تحسن الوضع الامني اتاح للناس في الانبار اعادة بناء حياتهم ومنازلهم، وضخت الحكومة والوكالات الدولية الاموال لتطوير الطرقات والجسور الجديدة، فيما عاد حوالي 1.5 مليون شخص كانوا قد نزحوا بسبب القتال، في حين منحت هيئة الاستثمار في الانبار مئات التراخيص الاستثمارية.
واعتبرت الصحيفة البريطانية ان "الرجل الذي يعود الفضل اليه في تحسن احوال الانبار هو محمد الحلبوسي الذي كان محافظا للانبار من العام 2017، حتى العام 2018 عندما تولى رئاسة البرلمان، وهو ارفع منصب يتم تكليفه لشخصية سنية داخل السلطة التنفيذية في العراق، وفق النظام الطائفي للمشاركة.
وتابعت القول انه "في بلد ينتشر فيه الغضب من الفساد والبطالة بين الشباب، فانه ينظر الى الحلبوسي على انه نجح على المستوى السياسي في الضغط من اجل اعادة الاعمار.
ونقل التقرير عن ميكانيكي (43 عاما) يعمل في مسقط راس الحلبوسي، قوله ان "الحياة الان افضل مما كانت عليه من قبل داعش.. الأمن وعملي افضل من ذي قبل"، مشيرا الى انه صوت للحلبوسي في الانتخابات الأخيرة "لأنه عمل".
الا ان التقرير اشار الى ان الاستفادة من هذه التطورات لم تطل الجميع، حيث لا يزال كثيرون يدفعون ثمنا باهظا لطرد مسلحي داعش، موضحا انه بعد عملية عسكرية عام 2016، لا تزال "الميليشيات الشيعية" التي تم حشدها لمحاربة المسلحين المتشددين، تسيطر على اجزاء من الانبار.
واوضح التقرير انه في شارع مغبر بالتراب، لا تزال بعض المنازل تحت الانقاض حيث تعيش سعدية حامد (59 عاما) مع 14 حفيدا وأربع زوجات لابنائها، حيث انها خسرت أبنائها التسعة خلال عملية تحرير المدينة من داعش في حزيران/يونيو 2016، عندما دخلت مجموعة مسلحة مجهولة الهوية بالزي العسكري حي الصقلاوية الذي تعيش فيه.
وتابع ان "الشبهة كانت دائما تحوم حول رجال الميليشيات الشيعية"، لكن حامد اشارت الى انه لم يتم اجراء اي تحقيق رسمي، ولم تقدم لها السلطات في اعادة اعمار بيتها. ونقل التقرير عن حامد قولها ان "الحكومة لم تفعل شيئا في هذه المنطقة"، مضيفة انها لا تزال مدينة بالمال الذي انفقته من اجل ترميم منزلها الذي اشتعلت فيه النيران خلال فترة نزوحها.
وبينما اشارت الصحيفة الى ان "العديد من سكان الانبار مستاؤون مما يرون أنه احتلال مستمر من جانب الميليشيات الشيعية القوية، والى ان المحللين يقولون ان الميليشيات الموالية لايران تسيطر على طرق تهريب تدر لها الارباح"، نقلت عن احد الصيادين الذي اشتكى من ابتزاز "الميليشيات"، قوله "لقد ادعوا انهم حرروا مناطقنا، وبالتالي يستحقون أخذ المال منا. لا نشعر باننا متحررون لانهم يفرضون سيطرتهم".
الا ان الغنام، القائد في الجيش العراقي، وهو ايضا متحدر من الانبار، ينفي حدوث انتهاكات من جانب "الميليشيات" في منطقته، لكنه في الوقت نفسه، يخشى من أن الايديولوجية المتطرفة لا تزال قائمة، موضحا انه برغم ان الانباريين "نأوا بأنفسهم عن هذا (التطرف) الا انني اعتقد ان الاشخاص الذين يحملون مثل هذه الافكار لن يتوقفوا ابدا".
وعلى الرغم من ذلك، ختمت الصحيفة بالاشارة الى ان المخاوف من عودة متطرفين محتملين الى الظهور، لم تمنع محمد سلمان من خدمة الزبائن في متجر لمستحضرات التجميل المزدحم في الرمادي، وهو بعدما استقر لعقدين من الزمن في السويد، عاد هذا العام مدفوعا بالتفاؤل ازاء الانبار لدرجة ان زوجته الأردنية تعتزم العودة مع اطفالها الاربعة من أوروبا والانضمام اليه في الرمادي.
ونقل التقرير عن سلمان قوله "اتوقع أن تتحسن الانبار في المستقبل. لا ارغب ان يتحول حديثي الى السياسة، الا انني راض عن الناس الذين يقودون الانبار حاليا. أما بالنسبة للامن، فهو رائع".