التنمر بالمدارس العراقية.. قصص مأساوية انتهت للإنتحار وترك "مقاعد دراسية فارغة"

التنمر بالمدارس العراقية.. قصص مأساوية انتهت للإنتحار وترك "مقاعد دراسية فارغة" صورة موّلدة بالذكاء الاصطناعي- Grok
2025-03-01T09:43:42+00:00

شفق نيوز/ يتبادل الطلبة والتلاميذ بمختلف مدارس العاصمة العراقية بغداد، عبارات السخرية والاستهزاء والتنمر فيما بينهم، حتى وصل الأمر للتنمر على أساتذتهم.

ولا يقتصر الأمر على الطلبة فيما بينهم وحسب، فالأساتذة يسهمون أيضاً بإطلاق عبارات التنمر على الطلبة والتلاميذ بشكل مباشر، أو من خلال إلقاء الدروس بطريقة تهكمية تمنع مشاركة وتفاعل الطلبة.

وأسهمت ظاهرة التنمر بترك أعداد من الطلبة والتلاميذ مقاعدهم الدراسية لتجنب زملائهم الذي يسخرون منهم ويطلقون عليهم عبارات صادمة.

ويعود شيوع هذه الظاهرة إلى انتشار مقاطع السخرية على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، وإلى عدم وجود ضوابط أسرية وتربوية تحفز الطلبة على عدم استخدام مفردات غير لائقة بحق زملائهم وأساتذتهم، فيما يسهم غياب القوانين الرادعة تفاقم تلك الظاهرة وانتشارها في العديد من المدارس الابتدائية والمتوسطة والاعدادية بشكل لم يكن مألوفاً في المدارس العراقية سابقاً.

عشرات الشكاوى اليومية

وتواجه وزارة التربية وبشكل يومي عشرات الشكاوى بهذا الشأن ترد من مدارس الكرخ والرصافة، دون أن تكون للوزارة قوانين حديثة تتعامل بها مع هذه الظاهرة الغريبة والطارئة.

وبهذا الشأن يوضح المتحدث باسم وزارة التربية كريم السيد في تصريح خاص لوكالة شفق نيوز، أن "الوزارة تولي اهتماما كبيرا لظاهرة التنمر في جميع مدارس العراق".

ويشير إلى أن "هذا الموضوع هو من أهم المواضيع التي تشغل وزارة التربية التي توجه سنوياً توصيات بخصوص مراعاة حسن التعامل في المدارس ومراعاة الجوانب الاعتبارية بين الطلبة والمعلمين والمدرسين وبالعكس".

ويلفت السيد إلى أن "وزارة التربية تشدد على مراعاة الطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة عبر كتب رسمية توجه إلى إدارات المدارس، فضلا عن دور الإشراف التربوي بمتابعة هذه الحالات خلال الزيارة الميدانية للمشرفين لتقييم واقع المدارس وتلقي الشكاوى الخاصة بهذا الشأن".

ويؤكد أن "وظيفة الإرشاد التربوي وظيفة اجتماعية داخل المدارس تهدف إلى التعرف على مشاكل الطلبة والعمل على حلها، وأن الوزارة تعمل بشكل دائم على معالجة هذا الملف بمختلف الأدوات والوسائل بغية القضاء أو الحد من جميع الحالات التي من شأنها أن تصيب الطلبة أو الأساتذة بالضرر والقلق و تعرضهم لضغوط نفسية".

 ويعد تسلط الأقران في المدارس نوعاً من أنواع التنمر الذي يحدث في البيئات التعليمية إذا ما اشتمل على العدائية والمضايقة والاستفزاز وهو أمر يحدث بإستمرار، وتترتب عليه تأثيرات واسعة على الطلاب، منها الغضب والاكتئاب والتوتر والانتحار او الاصابة باضطرابات اجتماعية مختلفة.

وحددت منظمة اليونسكو، يوماً دولياً لمكافحة العنف والتنمر في المدارس - بما في ذلك التنمر الإلكتروني - الذي يصادف 7 نوفمبر/تشرين الثاني، دعت منظمة اليونسكو إلى تكثيف الجهود لحماية الطلاب من جميع أشكال العنف الجسدي واللفظي والنفسي، الذي يهدد بيئتهم التعليمية ويؤثر على صحتهم النفسية، وشددت في تقرير لها على ضرورة تعزيز حماية الطلاب من ظاهرة التنمر.

حالات تنمر في بسماية

وحصلت إحدى حالات التنمر بمنطقة بسماية والتي كان كادرها التدريسي يتنمر على احد التلاميذ وحاولت والدته حمايته من خلال عمل انتساب له ليدرس فيه من البيت بدل الذهاب الى المدرسة، وقام هذا الطالب بعد ذلك بترك الدراسة وأصبح عنيفاً وعدوانياً.

وثمة حالة أخرى لطالب عاجز عن المشي بشكل طبيعي، وقام بشنق نفسه بسبب تنمر زملاء الدراسة عليه.

وتعرضت فتاة متفوقة في الرابع الاعدادي إلى التنمر وهو ماجعلها تفقد الثقة بنفسها، حيث لجأت هذه الفتاة الى عمل تنسيب، وحين سألتها الباحثة عن السبب أجابت بأنها لا تستطيع مواجهة المجتمع ولاتستطيع المجيء للمدرسة لإحساسها بأن الطالبات والمدرسين ينظرون لها نظرة دونية.

تلميذ يصاب بالذهول

تروي كريمة على، (39 عاماً) والدة أحد التلاميذ في منطقة بغداد الجديدة، ان ولدها تعرض للتنمر في مدرسته من قبل أقرانه، ولجأت إلى تقديم شكوى إلى إدارة مدرسته دون جدوى، لأن زملاءه يتنمرون عليه داخل الصف وأحياناً يتربصون به عند انتهاء الدوام.

وتشير في حديثها لشفق نيوز، إلى أن "ولدي البالغ من العمر 14 عاماً ترك مدرسته عاماً واحداً بسبب الضغط الذي يتعرض له من زملائه في المدرسة، وتم نقله لمدرسة أخرى مع بدء العام الدراسي للتخلص من التنمر، لكن حالته النفسية مازالت غير طبيعية، اذ غالباً ما يفقد التركيز ويصاب الذهول".

ومثل هذا الصبي توجد أعداد كبيرة بمختلف مدارس بغداد وقّعوا تحت تأثير التنمر وأصيبوا بخيبات وأمراض مختلفة. 

ويقول حسن جبار حسن، مدير مدرسة في منطقة الحرية، إنه "لا يمكن إيقاف التنمر بين الطلاب والتلاميذ أو السيطرة على هذه الظاهرة". 

ويؤكد في حديثه لشفق نيوز، عدم وجود ضابط تسمح لإدارات المدارس باتخاذ إجراءات مناسبة.

ويوضح أن "إدارة المدرسة ليس بوسعها سوى عقد اجتماعات مع أولياء الطلبة وتشخص الأبناء المتنمرين وتطلب منهم المساعدة والتعاون معها في منع ابنائهم من التنمر على أقرانهم".

ويضيف: "قد تلجأ الإدارة أيضاً بتوجيه إنذارات للطلبة المتنمرين بالفصل وتحاول بشتى الوسائل مساعدة الطلبة المتنمر عليهم، إلا أن جميع هذه الحلول عاجزة عن إيقاف هذه الظاهرة بسبب انتشار الوسائل الرقمية دون تحديد لهذه الوسائل بقوانين فاعلة".

ويصيب الطلبة المتنمر عليهم شعور بالاكتئاب والقلق، والغضب والإجهاد المفرط، والعجز، اضافة الى الشعور بعدم الأمان وانعدام الثقة وقد يصابون بالاختلال العقلي واضطراب الشخصية.

ويوضح الدكتور علي محسن ياس العامري، رئيس قسم الإرشاد النفسي والتوجيه التربوي بكلية التربية الأساسية في الجامعة المستنصرية، أن حالات التنمر بين التلاميذ تحدث بسبب الضغط النفسي الشديد الذي يعاني منه التلميذ وبسبب أساليب التنشئة الأسرية القائمة على العنف الجسدي أو النفسي ما يدفع التلميذ إلى تفريغ الشحنات الانفعالية في المدرسة واستخدام العنف ضد زملائه التلاميذ فضلا عن استخدام المعلم أساليب قمعية تسلطية داخل قاعة الدرس، وهو ما يؤدي إلى النفور في استيعاب المادة الدراسية وكره المعلم والمدرسة وتفريغ الشحنات الانفعالية والغضب على زملائه التلاميذ".

ويضيف العامري، في حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "هناك العديد من المشاكل في بعض المدارس ولاسيما في المناطق الشعبية المكتظة بالسكان وازدحام المدارس بالتلاميذ.

ويشير إلى أن "عدد الطلبة يصل إلى 1000 طالب في بعض المدارس، ونحو 80 تلميذاً في الصف الدراسي الواحد، ويرافق ذلك استخدام الطرائق التدريس القديمة والأساليب المتذبذبة بين الشدة المفرطة وبين التجاهل، وهو ما يدفع بعض الطلبة والتلاميذ إلى التذمر واستخدام التنمر ضد زملائهم أو الهروب من المدرسة".

ويلفت إلى "ضرورة تنظيم دورات تدريبية لتطوير مهارات المعلمين الجدد على أحدث أساليب وطرائق التدريس الحديثة، وتعليمهم طريقة الحوار والتعليم التعاوني والتعليم المدمج وطريقة العصف الذهني وغيرها من الطرق التي تؤدي إلى تفاعل الطلبة داخل الصف وتشغلهم عن الأمور الأخرى".

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon