الترياق الكوردي المضاد لداعش يعتمد على ثقل عسكري غربي ونفوذ سياسي عراقي
شفق نيوز/ المجازر البشعة التي قام بها تنظيم الدولة الإسلامية في تونس وفرنسا والكويت إضافة إلى كوباني في سوريا، تؤكد المخاوف العميقة من انتشارها على الصعيد العالمي. لقد أخبرنا الضحايا الكثير عن الجناة: 30 من المتشمسين البريطانيين، وشيعة أثناء أداء صلاتهم، و200 كردي من الرجال والنساء والأطفال بينما هم نائمون في فراشهم.
ولأجل إلحاق الهزيمة بداعش، فإننا بحاجة إلى خليط من سياسة تعتمد على شمولية أكثر وزيادة في الإلتزام العسكري الغربي. سياسيا، يعني ذلك وجود صراع ايدلوجي يقوده المسلمون من الذين ليس لديهم اي اعتبار منسل تجاه داعش، وفي طليعة هؤلاء إقليم كردستان، وهو العدو اللدود لداعش الذي نشترك معه راهنا بحدود تمتد إلى 650 ميل.
تشجع كردستان حقوق المرأة وتسعى إلى تجذير الوطنية بتعريف متعدد للتسامح. إن غالبية الكرد من المسلمين السنة، لكننا نحتفل بإيجابية بإننا موطننا للمسلمين الشيعة والمسيحيين والأيزيديين وآخرين غيرهم. ومن المحزن، أن أبناء بلدنا من اليهود غادروا منذ سنوات عديدة خلت بفضل العقلية الفاشية على طول التاريخ، والذي ترك فينا جميعا ضررا كبيرا.
الأمر المؤسف، أن بغداد لا تقوم بدورها، وذلك بفضل النهج المركزي الذي يعامل الكرد والعرب السنة كمواطنين من الدرجة الثانية. ومن أجل تقديم البديل لداعش، ينبغي عليها تنفيذ الدستور العراقي الديمقراطي الإتحادي، فيجب أن يكون العراق دولة ثنائية القومية، عربية- كردية تقوم على نظام لامركزي وديمقراطي، يجري ذلك فقط من خلال إحترام الحكم الذاتي الإقليمي الذي بإمكان بغداد توفيره باتفاق سياسي دائم وجاذب للعرب السنة الذين يعتقدون حاليا أنهم أفضل حالاً مع داعش من أن يكونوا مع بغداد. وعن طريق الالتزام فقط بهكذا اتفاق، يمكن لبغداد أن تأمل في أن ينقلب العرب السنة ضد داعش كونهم قد رفضوا في السابق تنظيم القاعدة خلال زيادة عديد القوات الأمريكية في العام 2007.
بدلا من ذلك، وعلى مدى الأشهر الـ 18 الأخيرة، قامت بغداد بتجويعنا من الموارد، ولم تحوّل إلا جزءا بسيطا من الميزانية المستحقة لكردستان. إننا الآن متأخرون ثلاثة أشهر عن دفع رواتب موظفينا في الخدمة المدنية، وإن إقتصادنا، الذي كان ذات مرة مزدهرا، هو في حالة فوضى مع إزدياد حالات الفقر والبطالة. المئات من المشاريع الاستثمارية تعثرت، وقد نما عدد السكان لدينا بمقدار الثلث بسبب تدفق 1.6 مليون لاجئ من العرب المسلمين والمسيحيين، حيث أن هذا الأمر يجهد بشكل كبير مواردنا المالية والخدمية.
على الصعيد العسكري، قامت كوادر خدمية غربية بحماية وطننا، كما أنها تساعد الجيش العراقي على التعافي من الهزيمة النكراء التي لحقت به العام الماضي عندما خسر ثلث مساحة العراق. ومن دون القوتين الجويتين الأمريكية والبريطانية، ستكون كردستان في خطر مميت بفعل داعش. مع ذلك، ورغم الانتصارات العسكرية الكردية الأخيرة، فإن لا الكرد ولا الحكومة العراقية بقادرين على تحرير المناطق العربية السنية من داعش.
المطلوب جهد عسكري أكبر يتمثل في الشراكة مع الكرد، وهم القوة الوحيدة القادرة على دحر داعش. الخطوة الأولى هي للضربات الجوية البريطانية ضد داعش في معقلها السوري، وقد اقترح بالفعل مايكل فولن وزير الدفاع إعادة النظر في القرار الخاص بتقييد العمليات الجوية في العراق.
وتكمن الخطوة الثانية في زيادة واسعة بنطاق المساعدات والإمدادات الخاصة بالأسلحة الثقيلة للمقاتلين الكرد، البيشمركة، فقد تم حرمان هؤلاء الجنود الفاعلين للغاية ولفترة طويلة جدا من التدريب العسكري والأسلحة، فهم يفتقرون إلى الأسلحة الثقيلة والعدة الأساسية مثل سترات الحماية، ونواظير الرؤية الليلية وحتى الأحذية العسكرية، حيث أن إحدى وحدات البيشمركة تقوم بتشغيل مدقة-25 بريطانية المنشأ يعود تاريخ صنعها إلى العام 1941.
لقد حرمتنا بغداد ولفترة طويلة من التدريب العسكري والأسلحة الخاصة بالبيشمركة العائدة لنا، وقد اكتسبت حكومات غربية أخيرا فهما أفضل بكثير حول ماضي وحاضر ومستقبل الكرد، وإننا نناشدهم مساعدتنا على جعل البيشمركة العائدة لنا على قدم المساواة وإلى جعلنا بحالة ملائمة للدفاع عن انفسنا والعمل مع باقي الدول الأخرى.
إن واحدا من الأعذار الخاصة بعدم تسليح البيشمركة بشكل كاف هو منع كردستان من السعي إلى الإستقلال، وكثيرون أيضا يخشون من استعداء تركيا، وأن العكس هو الصحيح. وكلما زاد عدد الكرد من الذين يرون أنهم يتلقون معاملة كمواطنين من الدرجة الثانية رغم تضحياتهم الهائلة في الحرب ضد داعش، كلما كثر إصرارهم على أنه فقط الاستقلال سيكون عامل حماية لهم في نهاية المطاف. علاوة على ذلك، لدينا علاقات ممتازة مع المستثمر الأكبر لدينا وهي تركيا، التي وفّرت للبيشمركة الدعم اللوجستي التدريب، وبالمثل فإننا نحافظ على علاقات طيبة مع إيران. كما أننا نعلم أيضا إذا مارسنا ذات يوم حقنا بتقرير المصير فإن ذلك سيحتاج إلى طلاق ودي مع بغداد وزيادة في التعاون بمجال الأمن.
لقد عرّف مايكل غوفس النقاش على أنه بين أولئك الذين يريدون "صد التماسيح التي تأتي على مقربة من القارب"، وأولئك الذين يعتقدون أنه من الضروري "تجفيف المستنقع". وتقوم الضربات الجوية بصد التماسيح إلا أن سيطرتهم على ثلث العراق ونصف سوريا توفر مستنقعا من مناطق واسعة غير خاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يمكنهم فيها تدريب اللصوص الفريدين من نوعهم على عمليات القتل الجماعي في الغرب، وتجديد آلة عسكرية هائلة.
وأخيرا، علينا القبول بأن الغارات الجوية والقوات المحلية يمكنهما فعل الكثير، فإننا نقوم بإحتواء داعش، وليس هزيمته، وبالوقت المناسب، قد تكون هناك حاجة لقوات برية غربية لطرد داعش، إلا أن إرث حرب العراق يعيق اي خطوة من هذا القبيل. كأصدقاء لفترة طويلة وعلى المدى الطويل للبريطانيين، نعلم أن فقدان الجنود في العراق يسبب حزنا عميقا، ونحيي ذاكراهم المقدسة، ونشكر الشعب البريطاني على تحرير العراق من الفاشية في العام 2003 وعلى منطقة الحظر الجوي المنقذة للحياة والتي كانت عامل حماية للكرد منذ العام 1991. نحن لا نقترح بجدية أن القوات البريطانية والقوات الأخرى قد تكون مطلوبة في العراق وسوريا، ولكن هذا الاحتمال يتعين على الجميع مواجهته.
وبغياب الوحدة الواسعة لتدمير داعش من خلال الوسائل العسكرية والاقتصادية، إلى جانب بذل المزيد من أجل مواجهة دعايته، ستكون هناك المزيد من الأعمال الوحشية. لدى الغرب حليف على أتم الاستعداد وهم الكرد الذي يمثل ازدهارهم وتعدديتهم وسلامهم ترياقا قويا لعقيدة الموت الخاصة بداعش والقتل الشامل والإبادة الجماعية التي يمارسونها.
كاروان جمال طاهر/ ممثل حكومة اقليم كوردستان ببريطانيا/ عن صحيفة الغارديان
ترجمة أحمد عبد الأمير