"سوق التنابل" في دمشق.. خضار مقشّرة للكسالى تعكس تحولات المجتمع (صور)
شفق نيوز- دمشق
في الكثير من الأحيان يعتبر الكسل نوعاً من الرفاهية أو العكس، حين يرى المرفّهون أن نجاتهم في الكسل، مبتعدين عن التعب اليومي للحياة، وربما من هذا المفهوم انبثق الاسم الشهير لـ"سوق التنابل" وسط العاصمة السورية دمشق.
و"التنابل" هي جمع لمفردة "تنبل" التي يعود أصلها للغة التركية، وتعني البليد أو الكسول، واشتهرت كمفردة متداولة في بلاد الشام والعراق كمفردة عامية للإشارة للأشخاص الكسولين.
وسوق التنابل هو فرع من سوق الشعلان وسط دمشق، ويعتبر رمزاً لتحوّل دمشق نحو الحداثة رغم كل الأزمات، ويُعد من أكثر المناطق حيويةً ورقياً في المدينة، حيث يمتزج فيه الطابع الدمشقي القديم مع مظاهر الحياة الحديثة، وتصطف المحالّ الراقية والمقاهي والمطاعم إلى جانب محلات الخضار والعطور والملابس.
ونشأ السوق في بدايات القرن العشرين، وسُمّي نسبة إلى الأمير عبد الله الشعلان من قبيلة الرولة، الذي أقام في تلك المنطقة خلال فترة الانتداب الفرنسي. ومع مرور الوقت، تحوّل الحي إلى وجهة للطبقة الوسطى والعليا من سكان دمشق، ومركز تجاري وثقافي يرتاده الفنانون والصحفيون والدبلوماسيون.
ومن أبرز معالمه الفرعية "سوق التنابل"، الذي يعكس التناقض بين الرفاهية والجهد اليومي في المدينة، حيث تباع الخضروات والفواكه جاهزة للطهي في مشهد يلخّص إيقاع الحياة الدمشقية السريع.
من "سوق الكُسالى" إلى "سوق المضطرّين"، حيث ترى رفاهية الوقت في مدينة متعبة، حين يزدحم العشرات من الزبائن أمام محالّ صغيرة تبيع الخضروات والفواكه بطريقة مختلفة، فكل شيء هنا جاهز للطبخ أو التقديم. البطاطا مقشّرة، البصل مفروم، الفاصوليا مقطّعة، وحتى الكوسا مهيّأة للحشي. هذا المكان الذي يحمل اسماً طريفاً - سوق التنابل - بات واحداً من أكثر أسواق دمشق خصوصية.
بدأت فكرة السوق قبل نحو أربعة عقود، حين قرر عدد من الباعة تجهيز الخضروات مسبقاً لتوفير الوقت على ربات البيوت، فسرعان ما تحولت التجربة إلى نمط استهلاكي متكامل.
وفي هذا الخصوص يقول أبو سامر، أحد الباعة في السوق، لوكالة شفق نيوز: "في السابق كان الزبائن من العائلات الميسورة فقط، أما اليوم فحتى الموظفون والطلاب يشترون من هنا، فالناس لم يعد لديها وقت، وتبحث عن شيء جاهز وسريع".
ويبيع السوق أنواعاً متعددة من الخضار والفواكه المغسولة والمقطّعة والمغلفة، بأسعار تفوق السوق العادي بنحو 30 إلى 50 في المئة. ومع ذلك، يقول الزبائن إن "الراحة تستحق الفارق في السعر".
وتوضح سعاد، وهي موظفة حكومية وأم لطفلين: "أعود من العمل متأخرة، ولا أجد وقتاً للطهو. هذا السوق يساعدني كثيراً، لكن بصراحة أصبحت الأسعار مرتفعة".
ورغم ارتفاع الأسعار، فإن السوق يشهد حركة دائمة منذ ساعات الصباح وحتى المساء، إذ يرى كثيرون فيه حلاً عملياً للحياة السريعة في مدينة أنهكتها الأزمات الاقتصادية.
وبين الخضار المقشّرة والوجوه المتعبة، يبدو سوق التنابل مرآةً يومية لحياة السوريين في العاصمة، الذين يحاولون - بوسائل بسيطة - التكيّف مع إيقاع الحياة وضغوطها المتزايدة.