كرمانشاه.. رحلة شاقة وحياة حلوة: الهجرة الموسمية القديمة للعشائر وسط برودة الخريف

كرمانشاه.. رحلة شاقة وحياة حلوة: الهجرة الموسمية القديمة للعشائر وسط برودة الخريف
2025-11-12T10:47:34+00:00

شفق نيوز- ترجمة

مع برودة مرتفعات زاغروس، تبدأ من جديد رحلة الهجرة القديمة لعشائر كرمانشاه الكوردية؛ رحلة صعبة ولكنها مفعمة بالصبر وحلاوة الحفاظ على تقليد عريق في قلب خريف زاغروس.

وجاء في تقرير لوكالة مهر الإيرانية، ترجمتها وكالة شفق نيوز: حين يحل الخريف، تتبدل ألوان جبال زاغروس، ومع هذا التبدل تبدأ الحركة الكبرى والمبهرة لعشائر كرمانشاه؛ ليست هذه الحركة مجرد انتقال موسمي، بل استمرار لإرث عريق توارثته الأجيال وحافظت عليه في أعماق حياتها.

آلاف العائلات العشائرية، بنفس الطمأنينة والصلابة التي تعلموها من أسلافهم، يشقون طريقهم الطويل من أعالي الجبال الباردة والمغطاة بالضباب، مصطحبين قطعانهم وأجراس مواشيهم، ليعلنوا بدء فصل جديد من حياتهم.

إنها قصة استمرار الثقافة المحلية، ثقافة تعبق في كل خطوة برائحة التاريخ والهوية، وترتبط ارتباطا وثيقا بالاقتصاد المحلي ودورة إنتاج المشتقات الحيوانية.

تعد محافظة كرمانشاه، بفضل مروجها الواسعة ومناخها المتنوع وطبيعتها الغنية بالتضاريس، من أهم المراكز الرئيسية للحياة العشائرية في غرب البلاد. فالهضاب المنحدرة، والسهول الممتدة، والممرات القديمة والطبيعية، تشهد سنويا عبور أناس لا يكتمل معنى حياتهم إلا بالتنقل بين المصايف والمشاتي.

إلا أن الهجرة هذا العام تحمل طابعا مختلفا؛ فقلة الأمطار في العام الماضي، ونقص الأعلاف في المراعي، وتدهور المسالك، وارتفاع تكاليف النقل، كلها عوامل زادت من مشقة الرحلة. ومع أن هذه الصعوبات لم تضعف عزيمتهم، فإنها أثقلت كاهلهم أكثر من ذي قبل.

منذ أسابيع، شرعت إدارة شؤون العشائر في كرمانشاه في تنظيم وتنسيق رحلة الهجرة، بالتعاون مع دوائر الطرق لتأمين المسارات، وإدارة الموارد الطبيعية لحماية الغطاء النباتي، وقوات الأمن لضمان سلامة الطرق؛ ومع ذلك، لا يزال كثير من الرحّل يشكون من نقص البنى التحتية، وندرة الينابيع الدائمة، وغياب أماكن آمنة للمبيت، وارتفاع تكاليف الوقود والنقل.

يقولون إنهم معتادون على المشقة، لكن استمرار هذه الحياة دون دعم أساسي يرهق الأسر بشدة.

الهجرة العشائرية ليست مجرد نقل للماشية والعائلات؛ بل هي تفاعل حيوي بين الإنسان والطبيعة؛ فالرياح في الوديان، والنباتات الجافة، والأنهار التي أضعفها الصيف، وشمس الأيام الباردة، كلها رفقاء للعشائر في طريقهم.

الهجرة لوحة حية من الكفاح والثبات والإيمان بالمضي قدما، تتكرر كل خريف لتؤكد أن حياة العشائر الرحّل ما زالت نابضة في قلب هذه الأرض.

وفي هذا الخريف أيضا، يشهد زاغروس حركة بطيئة ولكنها عميقة المعنى لأولئك الذين يؤمنون بأن استمرار حياتهم في أحضان الطبيعة يستحق كل العناء؛ فالهجرة ليست مجرد حركة جغرافية، بل هي استذكار لهوية وثقافة ما تزال تنبض بالحياة في كرمانشاه.

ونقل التقرير عن المدير العام السابق لشؤون العشائر في كرمانشاه علي جعفر رضائي، قوله: إن العشائر تمثل جزءا مهما من الإنتاج والثقافة في الإقليم، مضيفا أن في المحافظة نحو 14 ألف أسرة عشائرية، تقضي موسم الصيف (الييلاق) في المناطق الوسطى والشرقية، والشتاء (القشلاق) في المناطق الغربية والحدودية، وبعضها يهاجر إلى محافظات إيلام وخوزستان ولرستان.

وأوضح أن 21٪ من عشائر كرمانشاه متنقلة تماما، و57٪ نصف متنقلة، و18٪ تمارس الرعي الدائم في نطاق محدد، مضيفا أن عددا كبيرا من الرحّل غيّروا نمط حياتهم بسبب الظروف المناخية والاقتصادية.

طرق الهجرة: من التقاليد إلى التغيرات القسرية

وقال رضائي إن الهجرة في السنوات الأخيرة أصبحت أكثر اعتمادا على السيارات، ولم يبقَ سوى عدد قليل يسلك الطرق التقليدية سيرا على الأقدام بين دالاهو وسرپل‌ذهاب.

تبدأ الهجرة الخريفية في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) وتستمر حتى 15 نيسان (أبريل)، وتختلف المسافات بين 50 و400 كيلومتر داخل المحافظة، وتصل أحيانا إلى 900 كيلومتر عند الانتقال إلى خوزستان.

وأشار إلى أن العديد من الطرق التاريخية للهجرة دمرت بسبب التعديات والعقود الاستثمارية، مما سبب مشكلات جدية للعشائر.

البنية التحتية والخدمات في مسار الهجرة

وأكد رضائي أن بعض المسارات تضررت وتحتاج إلى ترميم عاجل، وأن الخدمات المقدمة تشمل الإمداد بالمياه، والرعاية البيطرية، والصحة والأمن، لكن المناطق الشتوية تعاني من ضعف كبير في المياه والأعلاف والطرق.

وأضاف أن العشائر تنتج نحو 40٪ من اللحوم الحمراء في المحافظة، ولها دور محوري في الأمن الغذائي، غير أن غياب آليات التسويق يجعل الوسطاء يستفيدون أكثر من المنتجين.

وأشار إلى أن برامج الدعم تشمل التدريب على الإنتاج والتغليف وبناء العلامة التجارية والتسويق المباشر، إضافة إلى تقديم القروض وتعزيز تعاونيات العشائر.

تغير المناخ وتبدل نمط الهجرة

وأوضح أن الجفاف وتغير المناخ أثّرا بشدة على نمط الهجرة؛ فالمواسم تغيّرت، والمسافات تقلّصت، واضطر بعض العشائر إلى ترك الهجرة كليا والاستقرار الدائم، لافتا الى ان أبرز التحديات هي نقص المياه والأعلاف وتدهور المراعي والصراعات حول الموارد.

كما أشار إلى مشاريع مقبلة مثل إصلاح طرق الهجرة، وإنشاء محطات استراحة، وبناء خزانات مياه، وتوسيع التأمين على الماشية، وتقديم قروض ميسرة، وتدريب فنيين عشائريين.

وأضاف أن هناك 39 مدرسة متنقلة للعشائر، منها 32 داخل كرمانشاه والبقية في إيلام وخوزستان، إضافة إلى فرق صحية متنقلة لتقديم الخدمات الطبية.

صعوبات الطريق وأمل المستقبل

مع بداية الخريف وبرودة مرتفعات زاغروس، بدأت عشائر كرمانشاه – مثل عشيرة «گوران» – رحلتها نحو المناطق الدافئة.

وينقل التقرير عن كريم أحمدي، وهو من عشيرة گوران ويبلغ 48 عاما قوله:«ولدت وسط حياة الهجرة، ومنذ أيام جدي ونحن ننتقل مرتين في السنة: إلى مصايف أورامانات في الربيع، وإلى مشاتي ماهيدشت في الخريف؛ هذه عادة توارثناها جيلا بعد جيل».

وأوضح أن الرحلة الخريفية هذا العام بدأت أواخر تشرين الأول (أكتوبر)، وتمتد نحو 180 كيلومترا وتستغرق من عشرة إلى خمسة عشر يوما، مضيفا أن الأمطار المبكرة والطرق الزلقة وصعوبة عبور الأنهار من أبرز التحديات، ومع ذلك فهم يعرفون المسار كأنه طريقهم إلى البيت.

وأشار أحمدي إلى أن نقص الأطباء البيطريين والأدوية في الطريق يجعل رعاية الماشية صعبة، وأن الطرق الترابية تعيق مرور السيارات، وأن المساعدات الحكومية من أعلاف ولقاحات لا تكفي.

وتحدث عن الحياة اليومية أثناء الرحلة قائلا: «نقيم ليلا قرب الينابيع، والنساء يجهزن الطعام بينما يحرس الرجال القطعان؛ طعامنا بسيط: خبز محلي، لبن، زبادي وأحيانا لحم؛ نحصل على الماء من الينابيع أو الخزانات في الطريق».

كما أشار إلى أن بعض الأطفال يتأخرون عن دراستهم أثناء الهجرة، لكن المدارس المتنقلة ساعدت في استمرار تعليمهم.

وختم قائلا: «الهجرة جزء من هويتنا؛ نريد أن نحافظ عليها، لكننا نحتاج دعما في مجالات الصحة والطرق والتأمين. نحن ننتج جزءا كبيرا من اللحوم ومنتجات الألبان في البلاد، وإذا تم دعمنا، فسيبقى هذا النمط من الحياة حيا، ولن يترك الشباب تقاليدهم».

التطعيم والرقابة البيطرية

كما نقل التقرير عن مدير عام الطب البيطري في كرمانشاه رامين سميعيان، ، إن نحو مليون ونصف وحدة من الثروة الحيوانية بيد العشائر، ما يمنحهم دورا محوريا في توفير البروتين للبلاد.

وأضاف أن الطب البيطري لا يقتصر على العلاج، بل يشمل الأمن الغذائي والصحة العامة واستدامة سبل العيش، خصوصا في مكافحة أمراض خطيرة مثل الحمّى المالطية والحمّى القلاعية (FMD).

وأوضح أن برامج التطعيم المجانية تشمل الحمّى القلاعية، الحمّى المالطية، طاعون المجترات الصغيرة (PPR)، الجمرة الخبيثة، وجدري الماشية، لافتا الى أن نسبة التغطية بالتطعيم بين العشائر تتجاوز 95٪، بفضل جهود 50 فريقا من القطاعين العام والخاص.

وأكد أن أي نقل للحيوانات يجب أن يتم بتصريح صحي ورقمي لتتبعها، وأن التعاون مع الشرطة يهدف لمنع تهريب الماشية، وهو أحد أهم مصادر إدخال أمراض جديدة.

وأشار إلى أن التطعيمات الوقائية خفّضت الوفيات الحيوانية إلى أقل من 1٪، مما يعني إنقاذ آلاف الرؤوس سنويا، وتحقيق استقرار في الإنتاج.

كما أعلن عن خطط لتحديث النظام باستخدام نظم المعلومات الجغرافية (GIS) لتتبع مواقع القطعان، وتسهيل إصدار التصاريح إلكترونيا، وتسريع الإبلاغ عن الحالات المشتبه بها.

واختتم سميعيان بالقول: «لن نسمح بأن تتسلل الأمراض إلى قطعان العشائر؛ سنواصل المراقبة الدقيقة، خصوصا في المناطق الحدودية، للحفاظ على صحة الإنسان والحيوان على حد سواء».

وخلص التقرير الى ان قصة الهجرة الخريفية لعشائر كرمانشاه تظهر استمرار حياة صعبة ولكنها مفعمة بالعزة، لحراس الأمن الغذائي في البلاد؛ فرغم دورهم الكبير في الإنتاج، يواجهون تحديات مثل نقص البنى التحتية، شح المياه والأعلاف، تهالك طرق الهجرة، ارتفاع تكاليف النقل، ضعف الخدمات البيطرية والتعليمية.

ويجمع العشائر والمسؤولون على أن استمرار هذا النمط من الحياة يعتمد على دعم مستدام وموجه، يشمل تأهيل الطرق، إنشاء محطات استراحة، تعزيز الخدمات البيطرية، تأمين المياه والعلف، تطوير التأمين الحيواني، تنظيم الأسواق، وتوسيع التعليم المتنقل للأطفال.

يؤكد عشائر كرمانشاه أن الهجرة بالنسبة لهم ليست مجرد تقليد، بل هوية واقتصاد وحياة، ستبقى نابضة ما دام الدعم قائما.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon