مع مطلع العام الجديد.. الدولار الأمريكي يدخل مرحلة جديدة في العراق

مع مطلع العام الجديد.. الدولار الأمريكي يدخل مرحلة جديدة في العراق
2024-12-30T07:45:28+00:00

شفق نيوز/ يترقب المتعاملون بالدولار الأمريكي في العراق حلول العام الجديد 2025 الذي باتت الساعات تطرق أبوابه والذي سينهي العمل بالمنصة الإلكترونية لمراقبة حركة وتحويل العملات إلى خارج البلاد، بحسب ما أعلن البنك المركزي العراقي.

ويعد مختصون في الشأن المالي والمصرفي، إيقاف منصة بيع الدولار من قبل البنك المركزي العراقي "خطوة جريئة" كونها تحمل أبعاداً اقتصادية وتنظيمية متعددة، لكن في المقابل، فإن إيقاف المنصة قد يفتح الباب أمام تحديات جديدة.

ويؤكد المختصون، أن نجاح هذا القرار يعتمد بشكل كبير على كيفية تنفيذه، فإذا استطاع البنك المركزي توفير بدائل تنظيمية قوية وضمان توعية شاملة للتجار والمستوردين، فقد يتمكن من تحقيق الأهداف المرجوة من هذه الخطوة.

لكن، إذا لم تتم إدارة العملية بشكل دقيق، فقد يؤدي ذلك إلى تأثيرات سلبية على استقرار السوق المالية والاقتصاد الكلي للعراق، بحسب المختصين.

وفي التفاصيل، يقول عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب العراقي، كاظم الشمري، إن "البنك المركزي وظيفته المحافظة على الاحتياطي النقدي وعلى سعر الصرف موحداً، لذلك ليس من مهامه بيع الدولار، بل هو عمل المصارف، لكن بسبب الوضع الاقتصادي والفوضى القانونية وضع البنك المركزي يده على بيع العملة".

ويؤكد الشمري لوكالة شفق نيوز، أن "اللجنة مع بيع المصارف للعملة لكن يجب أن تكون بقيود ومراقبة شديدة، حيث هناك استخدامات كثيرة للعملة، والإدارة الأمريكية فرضت عقوبات على الكثير من المصارف بسبب هذا الأمر".

ويرى الشمري، أن "هناك مصارف عربية أو أجنبية تحظى بأكثر من 40 إلى 50% من عمليات بيع العملة، وهذا يلحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد العراقي، لذلك يجب التركيز على المصارف العراقية غير المعاقبة والقادرة على إيصال الدولار إلى مستحقيه من التجار والصناعيين".

ويشير إلى أن "مجلس النواب حالياً في عطلة تشريعية، وبعد استئناف عمل المجلس سيتم استضافة محافظ البنك المركزي بهذا الخصوص، كما سيتم العمل على فرض رقابة صارمة على جهات تصريف وشراء العملة".

 تخوف من معوقات غير متوقعة

من جهته، يقول رئيس تحالف الاقتصاد العراقي، عدي العلوي، إن "الحوالات سواء شراء الدولار لغرض السفر أو غير ذلك، كانت تتم عبر منصة مرتبطة ما بين البنك المركزي العراقي والفيدرالي الأمريكي وشركة أخرى لتدقيق الحسابات والمعلومات والجهة المصرفية العراقية، وعند توقف عمل أي جهة من هذه الجهات الأربع تتوقف العملية بالكامل".

ويشرح العلوي طريقة عمل المنصة لوكالة شفق نيوز، بأن "الحوالة تمر بسلسلة مراحل تبدأ من تقديم فواتير إلى المصرف الذي يرفعها بدوره إلى المنصة ثم إلى البنك المركزي والشركة المدققة ثم الفيدرالي الأمريكي، ليقرر المضي بها أو إرجاعها، وإذا وافق عليها تذهب إلى بنك وسيط وهو الذي يرسل المبلغ إلى الجهة المستفيدة".

ويضيف "تلك المراحل اختصرت وأصبحت العملية الجديدة أسهل بكثير، حيث يقوم المصرف بإرسال الحوالة إلى المصرف الوسيط مباشرة دون المرور بالبنك المركزي العراقي والفيدرالي الأمريكي، مع بقاء شركة التدقيق، وبهذا يكون المصرف الذي يرفع الحوالة هو صاحب القرار والمسؤول أمام البنك المركزي العراقي وأمام كل القطاع المالي العالمي".

وينوّه "لكن المشكلة أن المصارف العراقية التي لديها مراسلين هي خمسة فقط من أصل 60 إلى 70 مصرفاً، لذلك ستعمل خمسة مصارف فقط في المرحلة المقبلة، ما قد يسبب زحاماً في السحب لحين ترتيب الأمور وتنظيمها".

ويلفت العلوي إلى أن "خطوة البنك المركزي صحيحة ونحن داعمون لها، لكن ليس لدى المركزي أدوات ووجهة رقابية حقيقية يتكئ عليها، لذلك هناك تخوف من حصول معوقات غير متوقعة التي عادة تبرز عند التطبيق العملي، ما يستدعي إجراءات سريعة واستجابة لمتطلبات الواقع، وهو ما يفتقر له المركزي بناءً على التجارب السابقة".

الإيجابيات والسلبيات

بدوره، يقول الخبير الاقتصادي الدولي، نوار السعدي، إن "إيقاف منصة بيع الدولار من قبل البنك المركزي العراقي خطوة جريئة كونها تحمل أبعاداً اقتصادية وتنظيمية متعددة".

ويبين السعدي لوكالة شفق نيوز، أن "الهدف الأساسي من هذا الإجراء، كما صرح المركزي، هو تعزيز الشفافية في عمليات التحويل المالي، وتقليل الاعتماد على منصة كانت تعد أداة رئيسية لمراقبة تدفق الدولار".

ويضيف، أن "المنصة وفرت لسنوات وسيلة فعالة لتنظيم مبيعات الدولار وضمان توجيهها إلى الأغراض المصرح بها، مثل الاستيراد ودعم الاقتصاد العراقي، مع محاولة الحد من عمليات غسيل الأموال أو تهريب الدولار إلى الخارج".

ويرى أن "من المفترض أن يكون هذا القرار جزءاً من جهود تحسين الامتثال للمعايير المصرفية الدولية، من خلال الانتقال إلى نظام أكثر مباشرة في التعاملات بين المصارف المحلية والمصارف المراسلة الأجنبية، وتقليل البيروقراطية وتبسيط العمليات المالية".

ويكمل السعدي حديثه "كذلك، يمكن أن يساعد هذا القرار على تخفيض التكاليف التشغيلية المرتبطة بصيانة وإدارة المنصة نفسها، مما قد يفسر كخطوة اقتصادية إيجابية نحو ترشيد الموارد".

لكن في المقابل، فإن إيقاف المنصة "قد يفتح الباب أمام تحديات جديدة، مثل احتمالية زيادة الاعتماد على السوق السوداء للحصول على الدولار، خاصة إذا لم تكن هناك آليات واضحة لضمان وصول الدولار إلى التجار والمستوردين"، يقول السعدي.

ويتابع "هذا قد يؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، مما يضغط على الأسعار المحلية ويرفع معدلات التضخم، بالإضافة إلى ذلك، قد يجد صغار التجار أنفسهم في وضع صعب، حيث أن اعتمادهم على المنصة كان يوفر لهم وصولاً سهلاً للعملة الأجنبية".

ومن التحديات الأخرى التي قد تبرز، بحسب السعدي، هي "مسألة غياب الرقابة الصارمة التي كانت توفرها المنصة، حيث كانت المنصة تتيح مراقبة دقيقة للتحويلات المالية، وبالتالي تقليل الأنشطة غير المشروعة مثل غسيل الأموال أو تمويل الإرهاب".

"في حال غياب بديل فعال، قد يكون هناك خطر لزيادة هذه الأنشطة، مما يضع العراق في موقف حساس على الساحة المالية الدولية"، وفق السعدي.

ويؤكد الخبير الاقتصاد الدولي، أن "نجاح هذا القرار يعتمد بشكل كبير على كيفية تنفيذه، فإذا استطاع البنك المركزي توفير بدائل تنظيمية قوية وضمان توعية شاملة للتجار والمستوردين، فقد يتمكن من تحقيق الأهداف المرجوة من هذه الخطوة".

"ولكن، إذا لم تتم إدارة العملية بشكل دقيق، فقد يؤدي ذلك إلى تأثيرات سلبية على استقرار السوق المالية والاقتصاد الكلي للعراق"، على حد قول السعدي.

أضرار محتملة على الاقتصاد

ويتفق الباحث في الشأن المالي والاقتصادي، ضياء المحسن، مع ما ذهب إليه نوار السعدي حول الأضرار المحتملة سواء على التجار العراقيين أو على الاقتصاد العراقي عموماً، جراء إيقاف المنصة.

وعن أبرز الأضرار يوضح المحسن لوكالة شفق نيوز، أن "من المحتمل أن يؤدي الإيقاف إلى زيادة الطلب على الدولار في السوق الموازية، مما يدفع سعره إلى الارتفاع بشكل كبير".

ويضيف "كما هناك تأثير سلبي على الاقتصاد والذي قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات المستوردة، بالتالي يؤدي إلى ارتفاع نسبة التضخم والتقليل من القدرة الشرائية للمواطنين".

ويتابع "بالإضافة إلى تراجع النشاط التجاري الذي ينتج عن تردد التجار في الاستيراد بسبب ارتفاع تكاليف الشحن، مما يؤدي إلى نقص السلع في الأسواق وارتفاع أسعارها".

ويكمل المحسن "كما قد تكون هناك صعوبة في الحصول على الدولار اللازم لاستيراد السلع، مما يؤثر على سير أعمالهم".

ويشير المحسن إلى احتمالية "ارتفاع معدلات البطالة أيضاً، على اعتبار أن أي تباطؤ في النشاط التجاري ينتج زيادة البطالة، خاصة في القطاعات التي تعتمد على الاستيراد، مما قد يولد اضطرابات اجتماعية مثل الاحتجاجات والتظاهرات".

ويلفت إلى أن "الأضرار قد لا تظهر بشكل فوري، وقد تستغرق بعض الوقت لتظهر بشكل كامل، بملاحظة أن شدة هذه الأضرار تعتمد على العديد من العوامل، مثل مدة الإيقاف، والسياسات الاقتصادية المتبعة، والوضع الاقتصادي العام للبلاد".

ولتجنب السلطة النقدية الأضرار، يدعو الباحث في الشأن المالي والاقتصادي إلى أهمية "اتخاذ إجراءات بديلة، مثل زيادة المعروض من الدولار في السوق بشكل تدريجي، وتسهيل إجراءات الحصول على الدولار للتجار، ودعم القطاعات الاقتصادية المتضررة".

أما الأسباب المحتملة لإيقاف المنصة فهي تتمثل، وفق المحسن، بـ"محاولة السيطرة على السوق الموازية، حيث إن البنك المركزي يريد تقليل الفارق بين سعر الصرف الرسمي والسوقي من خلال تقليل المعروض من الدولار في السوق".

ويزيد المحسن، كما أنها "تمثل خطوة للحد من الفساد والتهرب الضريبي، وأيضاً يحاول البنك المركزي العراقي حماية الاحتياطيات الأجنبية من الاستنزاف".

بيان إنهاء المنصة

وبحسب بيان للبنك المركزي، في 4 أيلول/ سبتمبر الماضي، فإن المنصة الإلكترونية للتحويلات الخارجية بدأت في بداية العام 2023 كمرحلة أولى لإعادة تنظيم التحويلات المالية بما يؤمِّن الرقابة الاستباقية عليها بدلاً من الرقابة اللاحقة من خلال قيام الاحتياطي الفيدرالي بتدقيق الحوالات اليومية.

وأضاف البيان، أن ذلك كان "إجراءً استثنائياً إذ لا يتولى الفيدرالي عادة القيام بذلك، وجرى التخطيط للتحول التدريجي نحو بناء علاقات مباشرة بين المصارف في العراق والبنوك الخارجية المراسلة والمعتمدة، يتوسط ذلك شركة تدقيق دولية للقيام بالتدقيق المسبق على الحوالات قبل تنفيذها من قبل البنوك المراسلة".

وتابع: "خلال سنة 2024 ولغاية الآن تم تحقيق ما نسبته 95% من عملية التحويل من المنصة الإلكترونية إلى آلية البنوك المراسلة مباشرة بينها وبين المصارف العراقية، وذلك يعني أن المتبقي نحو 5% فقط منها داخل المنصة، والذي سينجز تحويله بذات الآلية قبل نهاية هذا العام وحسب الخطة".

وأشار بيان المركزي العراقي، إلى أن "بعض التوقعات حول تأثيرات محتملة على سعر الصرف وعمليات التحويل لا أساس لها، لأن العملية لن تكون بشكل مفاجئ أو بدفعة واحدة في نهاية هذا العام، بل أنها تحقّقت اصلاً خلال المدة الماضية بجهد ومتابعة دقيقة، إلا ما تبقى من نسبة ضئيلة ستنجز في الفترة القليلة المقبلة".

وأكد البنك المركزي العراقي، أن التجارة مع الإمارات وتركيا والهند والصين تمثل نحو 70% من تجار العراق الخارجية كاستيرادات، وهو ما دعا البنك المركزي العراقي إلى ايجاد قنوات للتحويل بعملات اليورو، اليوان الصيني، الروبية الهندية، الدرهم الاماراتي، عبر بنوك مراسلة معتمدة في تلك البلدان.

وزاد في هذا الصدد: "بدأ فعلاً 13 مصرفاً عراقياً إجراء عمليات التحويل مع آلية التدقيق المسبق تم الاتفاق عليها وإقرارها بالإضافة إلى التحويلات بعملة الدولار، مع توفير قنوات للتحويل الشخصي للأغراض المشروعة والمشتريات الخارجية عبر قنوات الدفع الإلكتروني وشركات التحويل المالي العالمية والبيع النقدي للمسافرين، ودفع الدولار النقدي للحوالات الواردة للجهات والاغراض المحددة في تعليمات البنك المركزي المنشورة".

ونوه البنك، إلى أنه وضع عمليات التحويل الخارجي وتلبية الطلبات على الدولار في مسارات سليمة ومنسجمة مع الممارسات والمعايير الدولية وقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وخلص بيان المركزي، إلى أن "توفير القنوات المذكورة وللأغراض كافة بالسعر الرسمي للدولار، يجعل هذا السعر هو المؤشر الحقيقي للممارسات الاقتصادية، وهو ما أثبته واقع استقرار الأسعار والسيطرة على التضخم، وأي سعر آخر يتم تداوله خارج تلك القنوات يعد سعراً شاذاً يلجأ ذوي الممارسات غير الاصولية أو غير المشروعة الذين يبتعدون عن القنوات الرسمية في تعاملاتهم فيتحملون لوحدهم التكاليف الإضافية بالشراء بأعلى من السعر الرسمي ليوهم الآخرين بالفرق بين السّعر الرّسمي وغيره".

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon