علي حسين فيلي / من اجل توضيح سياسات بغداد، يكرر رئيس حكومة إقليم كوردستان نيچيرفان بارزاني القول دائما: إن سياسات العبادي ضد الكورد تتخذ مسارا متعدد الجوانب وطالما لم توجد اطر محددة لحل جميع المشكلات سوف لا تكون هناك حلول لأية مشكلة؛ ويقول بارزاني إن الإقليم قدم أكثر من عشرة آلاف شهيد وجريح في الحرب ضد "داعش" من اجل أن ينعم الجميع بالسلام.
إن مواطنينا يريدون حياة مستقرة لهم ومستقبلا واضحا لأبنائهم؛ ولكن مع تزايد حدود الحصار وتجويع الناس وتصاعد وتيرة التهديدات والتملص من الحوار فلن تتحقق تلك المطالب. ويعتقد بارزاني بان العراق وريث لرؤية سلبية للمفاوضات ويتبع سياسة الظلم المستمر تجاه حقوق الكورد وباقي المكونات القومية والدينية والمذهبية الأخرى. ويؤكد دوما أن السلام ليس بالكلام لوحده فقط وان الاتفاقات لن تدوم بعدم الالتزام بها؛ إن السلام بحاجة الى عدالة شاملة، لأننا تفاوضنا بشكل مستمر مع بغداد من اجل ذلك؛ لكن المشكلة تكمن في أن بغداد انها لا تلتزم بنتائج الاتفاقيات.
على ضوء هذا النوع من التفكير فان الكورد يريدون بصورة عامة عراقا بلا حروب ومستقر، بشكل يصب في مصلحته وفي مصلحة المنطقة جميعها. في الحقيقة إن ممارسة سياسة الحصار ضد كوردستان تدخل في خانة أكثر السياسات لا شرعية وأبشع العقوبات في العصر، مع ملاحظة انها ليست المرة الأولى التي تمارس مثل هذه السياسة ضد كوردستان.
كتذكير فقط فان دول العالم منذ عام 1914 فصاعدا شهدت نحو 250 نوعا من الحصار، كان أكثرها ما بين عام 1970 لغاية عام 2000 والتي بلغت 110 حصار، أي انه خلال فترة 30 عاما حصلت حوالي نصف الحصارات واستخدمت أمريكا لوحدها 73 حصارا في وقت استخدمت الدول الأوربية 28 حصارا ضد خصومها. ثلاثة من تلك الحصارات تسببت بالحروب احدها انهى حكم نظام البعث في العراق؛ واما البقية فان معظمها أصابها الفشل وكان المدنيون أكثر المتضررين منها. ووفقا للتحليلات فان ثقل الحصارات يقع على كاهل الفقراء والمعدمين. ومن بين تلك الأرقام لم يكن لكوردستان عدد محدد كونها ليست دولة مستقلة ولكن إذا تم عدها فان لها حصة الأسد.
نعلم جميعا بان العبادي ومن اجل كسر إرادة الشعب الكوردي؛ في السماء وعلى الأرض بمساعدة دول الجوار، ادخل كوردستان في برنامجه بفرض الحصار عليها. ومن الطبيعي أن يكون هناك قاسم مشترك بين الأنظمة السابقة الحاكمة في العراق والنظام الحالي وهو أنها جمعيا تقوم بفرض الحصار السياسي والاقتصادي والعسكري حسب ثقلها وفي الوقت والزمن الذي تريده، ولا تعترف اي منها بأنها تعاقب شعبا ما، يضم الرضع والمسنين الذين يصيبهم تبعات هذا الحصار، ومن الواضح أن أكثر الناس تضررا هم الذين تطلق عليهم حكومة بغداد بـ"مواطنيها"!!
ويقول الكورد قبل احداث 16اكتوبر/تشرين الأول وبعدها وبشكل واضح إن هدفهم هو الحل السلمي ليكون النصر لكلا الطرفين وليس لطرف واحد، ولكن ليس بإمكانهم تثبيت السلام إذا كان العبادي ليس على استعداد للسلام، فإن رئيس الوزراء موجود في عاصمة يرتدي فيها الآلاف السواد حزنا على من فقدوا من أعزتهم الذي ذهبوا ضحية الإرهاب والعنف، ومن ثم يقوم بفرض الحصار على شعب هو ضحية الإرهاب ويقاتل من اجل تحقيق العدالة.
يدعي العبادي إن أساس حصاره، والنزعة العدائية واللامبالاة ضد كوردستان شرعية ودستورية، إلا أن الدستور وجد من اجل السلام، وألا يفرض احد الحصار على المواطنين، والدستور لا يرى شرعية في سياسة تعاقب الجميع لان هذه السياسة نفسها هي التي ساهمت بظهور الإرهاب والعنف وعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي وليست له أية علاقة بالمطالب الدائمة للشعب الكوردي ولن يكون كذلك.
لقد جرب العبادي حظه في المجال العسكري ضد الإقليم المسالم بل ساهم في التوترات والفوضى التي حصلت في كوردستان مؤخرا عن طريق الخطبات التحريضية بالدعم غير المباشر للقائمين بها، وبما انه يعلم أن سياسته اثبت بأنه لن يكتب لها النجاح في مشروعه لكسر إرادة الشعب، لذلك فانه يعرف جيدا أن التوافق مع الكورد والاعتراف بحقوقهم المشروعة هي الفرصة الأخيرة للسلام والاستقرار والالتزام بالدستور. لان الوحدة لا تتحقق عبر الحصار والتجويع، بل عن طريق الحوار والتوافق، وهو باب قد لا يبقى مفتوحا الى الأبد.