علي حسين فيلي/ يعيش قرابة 7 مليارات شخص على ظهر البسيطة حاليا، بينهم مليار وستمائة وخمسون مليون مسلم، يشكلون 23% من سكان الأرض، ما يعني أن من كل أربعة أشخاص هناك مسلم واحد؛ ومن بين كل 10 مسلمين هناك شيعي واحد، ولا نستطيع إنكار حقيقة أن الإسلام المعاصر يعيش مغلوبا على أمره في ظل تأثيرات الحروب والصراعات الداخلية والمذهبية والمناطقية والقومية، ولكن هذا الأمر لا يخص المسلمين لوحدهم ففي مراحل تاريخية سابقة عاش المسيحيون بين أعوام 1618 لغاية 1648 في ظل حرب مذهبية أطلق عليها حرب الثلاثين عاما أخضعت جميع تاريخ الغرب لتأثيراتها إلى أن تم إخمادها بتوقيع اتفاقية وستفاليا 1648، بعد أن حصلت مقتلة عظيمة بين البروتستانت والكاثوليك جعلت الغرب بعدها يهجر الدين إلى الأبد عن السلطات، كونه رأى بان الدين هو سبب هذه الحرب، ولكن هل يسلك المسلمون بعد الحروب المذهبية المعاصرة الطريق نفسه؟ فمن المؤكد انه بعد ثقافة العنصرية فان للدين أكبر قدرة على خلق الكراهية والعنف!
وكما رأينا فان تاريخ الحروب المذهبية أظهر بان اندلاع مثل هذه الحروب يحتاج إلى جهة واحدة، فيكفي أن تحاول جهة مذهبية أن تقضي على جهة مذهبية أخرى، ليكون سببا يشعل حربا، ولكن لا تطفئها بسهولة وتكون خسائرها كبيرة لدرجة أنها تتسبب بانهيار حكومات وأنظمة سياسية، ففي الحرب المذهبية يقتل أبناء الشعب الواحد بعضهم البعض الاخر ويهجر ويشرد بعضهم بعضا من دون ان يحسوا بعذاب الضمير في ظل الفتاوى التي تمنحهم إجازة ما يقومون به!! وهذه نقطة مهمة وجوهرية اذ ان الحروب المذهبية لن تبقي حدودا للمعاني المقدسة للقومية والوطن والانسان!
والعراق واحد من الدول التي تعرضت للحرب المذهبية المستمرة منذ عقد من الزمان، واذا نظرنا الى خارطته الجغرافية واستثنينا مناطق اقليم كوردستان التي لم تشهد مقتل او تهجير ولو شخص واحد بسبب الحرب الطائفية التي لاوجود لها في الاقليم، نستطيع القول لم تبق محافظة او مدينة في هذه البلاد لم تصلها شرارة هذه الحرب، اي انه اذا كانت المناطق السنية تظهر فيها اثار الدمار والقتال المباشر واضحة ومحسوسة، فان المناطق الشيعية في الوسط والجنوب تشهد الانفجارات التي تؤدي بحياة اناس كثيرين في الاسواق والمناطق المدنية العامة نتيجة لتلك الحرب التي يصطلح عليها خطأَ الحرب الاهلية كونها لا تخص ابدا الناس المدنيين؛ بل انها حرب سياسية البست ثوب المذهبية.
القتل والتنكيل والدمار ليس ما قامت وتقوم به المجاميع الارهابية كالقاعدة و"داعش" فقط؛ بل الاطراف والمجاميع التابعة للطائفتين والتي اشتركت في عمليات الثأر الدموية وهي بصلاحية مستمرة لسنوات اخرى.
لو اعتبرنا ان عملية تفجير المزارات في سامراء في 22 شباط من عام 2006 المرحلة الاولى للحرب الطائفية بين السنة والشيعة في بلدة يراها 65 % من سكان العراق مقدسة إضافة الى 10% من مسلمي العالم، فكانت موجات الانتقام والضحايا كثيرة بحيث لم يجر احصاؤها لحد الان بشكل كامل.
والامم المتحدة كانت قد خمنت اعداد الضحايا الذين سقطوا قبل تلك العملية اي من آذار 2003 لغاية حزيران 2006 بـ150 الف ضحية، ولكن بعد اندلاع هذه المعارك تقدر مصادر ومن ضمنها مجلة لانسيت اعداد الضحايا نحو 600 الف ضحية.
ومضاف على ذلك وكما يعده البعض ان المرحلة الثانية وقعت عندما هاجمت القوات الحكومية المتجمعين في ساحات الاعتصام في مدينة الفلوجة بالانبار في نيسان عام 2013 تصاعدت الاعمال الارهابية واستمر الامر لغاية ظهور اوسع لـ"داعش" واحتلاله لثلث مساحة العراق فقتل عشرات الالاف ونزح الملايين وتشردوا وتم تدمير العديد من المدن والقرى ولا نعلم هل بامكان هذا البلد تحمل المرحلة الثالثة لحرب كهذه؟! واذا استثنينا اقليم كوردستان وقدرنا سكان باقي المناطق العراقية نحو 30 مليون نسمة وقدرنا الرقم الاصغر لاعداد الضحايا وهو 300 الف ضحية اي نصف الاعداد المتوقعة، ففي افضل الحالات فان واحدا من كل 100 شخص ذهب ضحية الحرب الطائفية لعقد واحد من الزمن.
واذا قدرنا عدد نازحي الجولة الثانية في 2013 لغاية يومنا هذا باربعة ملايين شخص فهذا يعني ان مواطنا من كل ستة مواطنين عراقيين تشرد وخسر داره، ومن الواضح ان اماكن اسكان اللاجئين غلب عليها الطابع المذهبي.
واذا اخذنا بنظر الاعتبار المحافظات الاربع فقط، صلاح الدين والموصل والانبار وديالى مثلا والتي تتضمن 83 قضاء وناحية ونفوسها لا يقل عن 8 ملايين نسمة، فان خسائرها باهظة بشكل لا نعلم كيف نقدرها؟! ومن الواضح ان اكثر من 70% من سكانها مهجرون ونازحون؟! ووفقا للاحصاءات فان اوضاع الشيعة ليست افضل بكثير من جهة التفجيرات الارهابية التي ضربت على الاكثر اتباع هذا المذهب. وبناء على هذه المعطيات ما النوع الذي يفضله العراق؟! دولة ذات تعددية دينية وتنوع الالوان عاشت مئات السنين من دون مشكلات مذهبية كبيرة، ام ان المستقبل يكون لابناء مذهب واحد يجب عليه ان يجتاز نهرا من الدماء؟!
حاليا وللاسف فان سياسيي السنة والشيعة يستخدمون العامل المذهبي لمعاداة بعضهما ويشهد خطابهم تصاعدا ناريا وحروبهما تصبح اكثر دموية ودمارا لانهم صبغوا ايديولوجياتهم الحزبية ورؤاهما لطلب السلطة بالصبغة المذهبية وتتصاعد اعداد الضحايا من الارقام الثلاثية الى الرباعية والخماسية وقد تصبح سداسية.
في حروب السلطة والنفوذ السياسي بين قطبي الشيعة والسنة التي تحولت الى الطائفية، فهل ان العراق ذو التعدد المذهبي والديني يستطيع التفكير في مصالحة كونه المتضرر الاكبر، ولا يصبح ميدانا للصراع بين القطبين اكثر من هذا؟ ولكن يجب ان نعرف انه ليس للعراق مستقبل اذا لم يكن بلدا بعيدا عن المشكلات المذهبية، ومن الواضح انه اذا اتسعت حدود الحرب لا يعني انتصار اية جهة.
على الرغم من ان صراخ التطرف اعلى من دعاة الاعتدال واكثر مضيا، والخطاب الهادئ لرجال الدين مشتروه قليلون، ولكن يجب ان يكون هناك توازن بين العلاقات السياسية والمذهبية مع الدول الاخرى، ويجوز ان تكون لك علاقات سياسية مع جميع الدول، لكن يجب الا يكون النفوذ المذهبي والتدخل في شؤونه هو المهيمن، فان تمييز العلاقات السياسية عن المذهبية وادارة هذه الاوضاع في العراق تجربة صعبة تواجه جميع الاطراف وبخاصة حكومة بغداد لكي لا تسمح ببدء جولة جديدة من الحرب الطائفية.