نجم سينمائي في الخارج وأغلقت أبواب العراق بوجهة.. جمال الحسني: أنا ممثل هاو ومخرج محترف

نجم سينمائي في الخارج وأغلقت أبواب العراق بوجهة.. جمال الحسني: أنا ممثل هاو ومخرج محترف
2021-06-16T19:07:11+00:00

لندن ـ دلال جويد

"حين حضرت والدتي العرض السينمائي لفيلم (بيوت في ذلك الزقاق) عام 1975 أطلقت زغرودتها في قاعة السينما وقالت رفعت رأسي يا ولدي، كانت تميزني بين أخوتي وتمنحني الاحساس بقربي منها لذا صارت محاولاتي للتفوق تخصها هي قبل غيرها، وعندما دخلت عالم الفن والتمثيل كان يعنيني أن أجعل أمي فخورة بي فهي بالنسبة إلي المتلقي الأول الماثل في ذهني وأنا أؤدي أول أدواري السينمائية"

هكذا بدأ النجم السينمائي العراقي جمال أمين الحسني دخوله عالم الفن منطلقا من تلك المحبة التي رافقته حتى أصبح فنانا عالميا تستقبله مهرجانات السينما المختلفة بحفاوة كبيرة، لكن المخرج والممثل الذي حمل إرثه العراقي وجهد سنواته الطويلة يعبر عن حزنه من أنه لم يجد تلك الحفاوة في بلده الأم، مع أننا نستطيع أن نجد العراق في أفلامه التي شارك فيها ممثلا وهي كثيرة منها ( بيوت في ذلك الزقاق ) للمخرج ( قاسم حول) 1976، و(اللوحة) و (البندول) للمخرج(كارلو هارتيون)، فيلم ( تحت سماء واحدة ) للمخرج (منذر جميل) 1978، وفيلم العربانة الذي لاقى ردود أفعال واسعة للمخرج هادي ماهود، ومخرجا للعديد من الافلام منها "راكا" و"حياة في الظل" و"إنهم يصنعون الحياة" و"قطع غيار" و"فايروس " والعتمة الأبدية" وهو الفيلم الذي شارك في مهرجان مالمو للسينما العربية.

يتحدث جمال أمين الحسني خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، حول تجربته السينمائية الطويلة ومثول الهاجس الوطني فيها وعلاقته بسينما الداخل:

العراق منذ عشرات السنين بلد منكوب ومبتلى بحروب طاحنة، وكل العالم يتطور الى الأمام الا العراق يتراجع الى الخلف بسبب هذه الحروب وانعكاساتها وهو ما جعلنا نحمل همومه معنا ولا أكذب إن قلت إني مهووس بالعراق وهمومه وهذا يؤثر على أفلامي سواء بالسلب أو الإيجاب، وسواء رضيت أم ابيت، لذا استطيع ان اقول المبدع والمثقف العراقي المنفي والذين هم بالداخل مأزومين بهذا العراق الواقف على الحافة وكلما يريدون اسقاط العراق نهرع سباقين كي نجعل الوطن يتكئ على اكتافنا، ولكن وهذه الـ "لكن" بها غصة كبيرة لأنه يبدو أن لا مكان للصادقين في لعبة الثقافة داخل العراق، ان هذه الحروب وانعكاساتها جعلت المسؤول الثقافي في العراق لا يستطيع ان يميز بين الغث والسمين، اذ أنه ليس من المعقول أن يقوم فرد بالإنفاق على الدولة ومن الطبيعي أن تقوم الدولة بالإنفاق على أفرادها، لكن الحقيقة ان هذا ما نقوم به منذ سنوات طوال، فنحن ننتج أفلاما مهووسة بالعراق ونسافر كي نمثله في حين نرى العراق دائما وأبدا يعرض بوجهه عنا، نحبه ولا يحبنا نريده ولا يريدنا نعمل من أجله، وهو من لا يعمل من أجل نفسه وبالتالي من أجلنا ويبدو أن هنالك مرض أصاب العراق اسمه الإنسان غير المناسب في المكان غير المناسب لذا نرى جل اهتمام هؤلاء (غير المناسبين) هو ان يحرمونا حتى من فرصة ان نشرب من ماء العراق والباقي معروف. وأعتقد أن على مسؤولي الثقافة في العراق ان يدعوا جميع السينمائيين المنفيين ودعمهم لأنهم يشكلون نبض جديد لصناعة الفيلم العراقي.

في أفلامك التي مثلتها والتي أخرجتها يمكننا أن نشم دخان الحرب على الرغم من مرور سنوات طويلة على خروجك من العراق، كيف تنظر إلى هذا الأثر، ومتى نشاهد فيلما لجمال الحسني لا يحمل عناء الحروب؟

لأن الحرب هي أعمق شيء في ذاكرة الانسان العراقي فكيف بالفنان؟ العراق ومنذ خمسين عاما معسكر للحرب، والمجتمع العراقي مجتمع عسكر إذا صح التعبير، وقد دخل العراق بحروب طاحنة خارجية وداخلية نحن نستورد السلاح ولا نستورد الخبز، فالجندي العراقي دائما بأحسن تجهيز وأحسن قيافة، والمواطن المسكين بأسوأ حال من الفقر والتخلف والأمية نحن نصدر النفط والحياة والثقافة ونستورد البندقية والموت، لذا نرى أن دخان البنادق يفوح من جميع انتاجاتنا الثقافية ومنها السينما. فنحن بعد أن أجبرنا على الحروب الآن أصبحنا مهووسين بها ونتلذذ بها ونتمتع بسماع أصوات المدافع ودخان البارود كل هذه الظروف جعلت أفلامي وأفلام غيري من المنتجين للثقافة تهتم بعكس الصورة الحربية فأنا ومنذ طفولتي لم أر كرنفالا للحياة في العراق فحتى لو لم توجد حرب نقوم بتعذيب أنفسنا سواء باللطم والتطبير أو البكاء والعويل، ولا نتذكر الحياة، بل الموت. الكثير من العراقيين الآن يشترون أكفانهم ويكتبون عليها أدعية انتظارا للموت في حين أن حدائقهم جدباء وملابسهم سوداء وبيوتهم لا تصبغ بألوان الفرح. وهنا أريد أن أسألك بعد كل هذه الاستعدادات للحرب والموت ماذا نفعل نحن السينمائيين، الا يجب أن تكون افلامنا انعكاسا للواقع؟ وعلى فكرة في أحيان كثيرة أسمع من هنا وهناك ان الفيلم العراقي كئيب وممل لأنه مليء بدخان البنادق وبرائحة الدم. أفلامي وأفلام الكثير من الاصدقاء تتناثر منها أشلاء الجثث وقطرات الدم ورائحة البارود. وهي ليست مؤيدة او منافقة أو متماهية مع الحرب، بل إنها صرخات تعلو في وجه العالم وتقول انقذونا انقذوا هذا العراق من الدمار والحروب أنا أدعو الأمم المتحدة على أن توقف تصدير كل انواع السلاح الى العراق وكل انواع الاعتدة للعراق ان الام العراقية الان لا تنتظر زوجها أو أطفالها أن يأتوا الى البيت وهم يحملون باقة ورد بل هي مستعدة كامل الاستعداد للبكاء والصراخ والعويل وتحضر ثوبها الأسود للبدء في تقديم رقصة الموت الأبدية التي لا تنتهي هذا هو ما يجعل أفلامنا انعكاسا لواقعنا، نعم أفلامي وابطالها اناس مهزومين معطوبين لكننا بين كل هذه الركام من الموت نضع امل في أفلامنا ونزرع وردة وندعو الناس للاحتفال بحياة أجمل وابهى وهذا هو فعل السينما.

الترميز العالي في معظم أفلامك هل هو مبني على قصدية أم أن سياق الأحداث يوفر هذه الخصوصية؟

لا بل انها مقصودة ولأسباب عديدة منها التمويه على الرقيب في بعض الأحيان ومنها لجعل المشاهد يتماهى مع فكرة الفيلم ويفكر ويتفاعل في حل لعبة الفيلم، فعقل الجمهور وفكره ومزاجه هم أدوات يستخدمها صانعو الفيلم ليكونوا جزء من الفكرة الرئيسية وهنالك فرضية مونتاجية وهي لقطة زائد لقطه تساوي ثلاث لقطات اي اني أقوم بعمل توليفه من لقطتين من ماء وعين وهنا لا بد للمشاهد ان يقول انه البكاء بالرغم من أننا لم نر عين تدمع وهذا ما اكده ايزنيشتان في نظرياته بالمونتاج أي أن المشاهد وتفكيره وعقله هو جزء من اللعبة السينمائية كما وان الترميز او الرمز بالسينما يساعد على اعطاء صورة اعمق وعلى اثراء المضمون الفكري وعلى تسهيل وتوضيح الخبايا للفكرة السينمائية في أحيان كثيرة، الفكرة هي التي تدعوك إلى ترميزها أو العكس، فعلى سبيل المثال عندما يمشي الابطال في فيلم العتمة الابدية وهم كفيفو البصر ويتذكرون العراق نرى بان الشوارع والجدران كلها عبارة عن ارض معركة هنا حاولت ان اربط الذاكرة فقط بالحرب اي ان الابطال لا يتجولون بشوارع بلد مثل الدنمارك بلد السلام والامان بل ان ذاكرتهم واخر صورة مما شاهدوه في العراق وقبل الإصابة هي ساحة المعركة وهنا الترميز زاد من عمق الصورة واعطى للمشاهد مساحة من الاختزال .الرمز مهم وفي احيان كثيرة لتقريب الواقع وفي احيان لاستغفال الرقيب وفي احيان اخرى للإبهار البصري وللرمز اسباب كثيرة قد يطول شرحها.

اين يجد جمال الحسني نفسه في التمثيل أم الاخراج؟

انا (مثرج) أي ممثل ومخرج أحب العمل بهذين الحقلين وأرى نفسي مخرجا محترفا أكثر مما أرى نفسي ممثلا فانا ممثل هاو ومخرج محترف. واعتقد بأني أجيد اللعب في هذين الحقلين الممثل نجم ومشهور ويرى انطباعات الناس على اعماله بسهوله ويسر ومتعه في حين ان المخرج انسان مهمل في الدول العربية وفي كثير من المحطات التلفزيونية ودور العرض السينمائي يقطع اسم المخرج وفي السينما تفتح الأضواء قبل نهاية التايتل والجمهور يخرج ولا يهتم بأسماء العاملين بالفيلم ان المخرج في بلادنا شخصية هامشية والسبب هو عدم معرفة الناس بماهية عمل المخرج واهتمامهم بالبطل والبطلة لذا ترينني في بعض الاحيان اهرب من الاخراج الى التمثيل لأشعر بهذه اللذة لذة الشهرة. ان الشهرة جميلة ومهمة للفنان، ولكن لا ترينها مع الاخراج، بل مع التمثيل وهذه طامة كبرى للعاملين بهذا الحقل. انا بدأت ممثل واكتشفني الفنان الكبير قاسم حول في فيلم بيوت في ذلك الزقاق وانتهيت مخرجا وممثلا وان من اكتشفني مخرجا هو الفنان الكبير فيصل الياسري بالرغم من اني الآن اختلف معه في بعض الامور لكنها الحقيقة ادعو المخرجين دائما على ان لا يظهروا شخصية المخرج على انه مجنون وعصبي ويلبس ملابس غريبة كي لا يضعوا هذه المهنة بخانة الاستهزاء فالإخراج مهنة كبيرة ومهمة ورائعة وصعبه وكما قلت في تصريحات سابقة لدينا الف مخرج اكثر او اقل لا أعرف لكن لدينا مليوني عسكري ولدينا آلاف المهندسين والمحامين وسائقي العربات ولكن هذه المهنة اي مهنة المخرج تعد من المهن النادرة .

هل يمكن أن نتعرف على تفاصيل مشاركتك في مهرجان مالمو للأفلام العربية واهمية هذا المهرجان للسينما العراقية؟

شاركت في فعاليات مهرجان مالمو للسينما العربية بفيلمي العتمة الأبدية ضمن مسابقة الأفلام الوثائقية وكذلك كنت ضيفا ممثلا لفيلم العربانة للمخرج هادي ماهود كوني أحد أبطال الفيلم الذي شارك ضمن مسابقة الأفلام الروائية ومثلنا العراق انا وهادي ماهود ومحمد توفيق ورانيه توفيق ولا علم للعراق بكل هذه التفاصيل ولم يدفع العراق ولا دينارا واحد لمشاركتنا بهذا الكرنفال .في أفلامنا سنحمل أوجاع العراق والعراقيين وآلامهم وطموحاتهم لكي نعرضها على الناس ان هذه المشاركات تستعد لها الدول وتدفع للمشاركين بها أموال طائله وتذاكر سفر ولقاءات ومؤتمرات ولكن هنا الغصة وزارة الثقافة العراقية كافأتنا انا واخي هادي ماهود على المشاركة بهذا المهرجان بإلغاء انتاج افلامنا ومنح فرصنا الى مخرجين اخرين منهم من هم "تنابل السلطان" ومنهم من لا يعملون بهذا الحقل انا اتكلم على اساس ان الدولة ومسؤوليها سيقرأون هذا المقال ويقولون أينكم لكن يبدو ان هذه اللقاءات لا يقرؤها مسؤول بل تذهب تصريحاتنا وافكارنا ادراج الرياح لكننا سنرفع اسم العراق وسنشارك باسمه وسنصرف من جيوبنا لأننا نحب العراق.

وبالمناسبة سأشارك بعد هذا المهرجان مباشرة بأسبوع الثقافة العراقية في الدنمارك - كوبنهاغن وكذلك سيشارك اخي هادي ماهود وللأسف لا أحد يصفق لنا في هذه القاعات سوى اناس غرباء نعرفهم ويعرفونا، ولا ادري كيف لنا ان نصل الى مسؤول عراقي معني بالثقافة ونحكي له هموم العراق وهي همومنا وكيف نريه آلامنا بعد ان ذهبنا الى مشارق الارض ومغاربها لنمثل العراق الذي نحمله بين أضلعنا فهل من مستجيب؟

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon