من أجل مدن تليق بسكانها وبعض آمال شارع الرشيد

صادق الازرقي
مع تأكيد وزارة الإعمار والإسكان والبلديات، عزمها نقل عدد من المؤسسات الرسمية إلى أطراف العاصمة بغداد، بهدف تقليل الاختناقات المرورية والزخم السكاني، بحسب المتحدث باسم الوزارة، استبرق صباح، الذي اوضح إن "هناك رؤية وخطة حكومية قيد الدراسة تهدف إلى نقل بعض المؤسسات والدوائر الرسمية إلى أطراف العاصمة، وفق تخطيط استراتيجي يأخذ في الاعتبار التوسع العمراني ومتطلبات التنمية"، مع اشارته بالقول ان هذه الفكرة تُعد من الحلول الناجحة التي اعتمدتها عديد الدول التي تعاني من كثافة سكانية مرتفعة في مراكزها الحضرية، حيث يتم نقل الدوائر إلى مدن توابع تبعد ما بين 30 إلى 40 كيلومترًا أو أكثر عن العاصمة لغرض "تخفيف الضغط عن مركز العاصمة، ما يسهم في تحسين جودة الحياة للمواطنين وتسهيل حركة التنقل اليومية داخل المدينة".
مع تلك التصريحات، فان سكان بغداد يعتريهم الامل بتنفيذ ذلك الاجراء الحيوي لأهميته القصوى في حياتهم المعاصرة، مع تنويه المراقبين بإمكانية تنفيذ القرار كون وزارة الإعمار والإسكان والبلديات، تعد في التشكيلة الوزارية الحالية من انشط الوزارات في تنفيذ المشاريع على حد وصفهم، مشددين القول على ان ذلك يتيح إقامة شوارع خالية من حركة السيارات لاسيما في الشوارع الحيوية والضيقة في العاصمة، ومنها شارع الرشيد الذي يمتد من منطقة باب المعظم وصولا الى الباب الشرقي.
ان تخصيص شوارع خالية من حركة السيارات في المدن المزدحمة بالمرور ضروري ومفيد لعدة أسباب، من أهمها تحسين جودة الحياة اذ توفر هذه الشوارع بيئة أكثر هدوءًا وأمانًا للمشاة، مما يعزز راحة السكان، كما انها تحفز المشي وركوب الدراجات، مما يقلل من التلوث البيئي ويحسن الصحة العامة.
وغالبًا ما تستفيد المحلات والمقاهي في هذه الشوارع من زيادة عدد الزوار الذين يشعرون براحة في التجول من دون قلق من السيارات، وتحد تلك الشوارع من انبعاثات العوادم في بعض المناطق فيقل التلوث البيئي وتتحسن جودة الهواء.
ومع انه تتواجد بعض التحديات عند تطبيق هذا الامر فبالإمكان التغلب عليها بتنظيم حركة المرور.
من التحديات، ان إغلاق بعض الشوارع أمام السيارات من الممكن ان يؤدي إلى ازدحام أكبر في الشوارع المجاورة، و قد يواجه كبار السن أو الأشخاص ذوو الإعاقة صعوبة في التنقل إذا لم تكن هناك بدائل مريحة، مثل النقل العام الفعّال، و بعض الأنشطة التي تعتمد على المركبات مثل خدمات التوصيل، قد تتأثر سلبًا.
ولكن الحلول ممكنة بتوفير وسائل نقل عام أو دراجات كهربائية في داخل هذه المناطق لتسهيل التنقل، وتصميم مخططات مرورية تعيد توجيه السيارات بطريقة تقلل من الازدحام في الشوارع المجاورة، مع تطبيق الفكرة بشكل تدريجي لتقويم تأثيرها وتعديلها بحسب الحاجة.
وبالتطلع الى التجارب في هذا الشأن، نرى كثيرا من الدول والمدن حول العالم خصصت شوارع خالية من السيارات لتعزيز بيئة أكثر أمانًا للمشاة وتشجيع التنقل النشط.
ففي عاصمة فرنسا، باريس خصص شارع رو دو ريفولي (Rue de Rivoli) للمشاة وراكبي الدراجات، وهو من الشوارع المهمة في وسط باريس؛ وفي فلورنسا بايطاليا فان وسط المدينة التاريخي بالكامل تقريبًا منطقة خالية من السيارات، مما يعزز تجربة السياح والسكان المحليين.
اما في ألمانيا وبالتحديد في ميونخ فان شارع كاوفينغر شتراسه، من أشهر الشوارع المخصصة للمشاة، وفي برشلونة باسبانيا خصص حي إل بورن لذلك بشبكة "السوبر بلوك" التي تقلل من حركة السيارات في داخل المناطق السكنية.
وفي نيويورك بالولايات المتحدة اصبحت منطقة تايمز سكوير شبه خالية من السيارات مع تواجد مساحات واسعة للمشاة، وفي مونتريال بكندا يغلق شارع سانت كاثرين أمام السيارات في أشهر الصيف ليكون مخصصًا للمشاة، وفي العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي فان شارع فرانسيسكو ماديرو في وسط المدينة التاريخي هو شارع مخصص للمشاة بالكامل.
اما في الدول الآسيوية ففي العاصمة اليابانية تغلق منطقة جينزا بعض شوارعها أمام السيارات في أيام العطلة الأسبوعية، وفي العاصمة الصينية بكين فان شارع وانغفوجينغ هو منطقة تسوق مخصصة للمشاة فقط؛ اما في عاصمة كوريا الجنوبية، سيول فيعد شارع ميونغ دونغ أحد أشهر الشوارع المخصصة للمشاة والتسوق.
ومن الدول العربية، الإمارات فان منطقة سيتي ووك ومنطقة البوليفارد في وسط دبي مصممتان للمشاة، وفي مراكش بالمغرب فان ساحة جامع الفنا منطقة مزدحمة بالمشاة وخالية من السيارات، وفي تونس العاصمة فان شارع الحبيب بورقيبة يحتوي على مناطق واسعة للمشاة.
هذه الأمثلة توضح كيف أن تخصيص شوارع للمشاة أصبح توجّهًا عالميًا لتحسين جودة الحياة في المدن.
وفي العراق كانت فكرة تخصيص شارع الرشيد للمشاة قد طرحت منذ سبعينات القرن الماضي في الاقل ولكنها لم تنفذ؛ وبعد الامل الجديد الذي فتحته وزارة الاعمار في حالة تنفيذه، فان القضية تتصف بأهمية بالغة كون شارع الرشيد هو القلب التجاري للعاصمة بغداد وفيه أسواق في منتهى الأهمية واهمها، سوق الشورجة وسوق الغزل والسوق العربي، فضلا عن الشوارع المهمة المتفرعة عنه ومنها شارع المتنبي وسوق السراي والمعالم التاريخية المحيطة بهما وغير ذلك.
ان الامر بمنتهى الضرورة الآن، لاسيما بعد إعلان امانة بغداد في 24 شباط 2025، عن قرب إطلاق المرحلة الثالثة من مشروع تأهيل شارع الرشيد، التي تتضمن دراسة مقترح لتحديد ساعات دخول المشاة والمركبات، يتمثل المقترح في تخصيص المدة الصباحية من الساعة 6 صباحًا حتى 6 مساءً لتبضع المواطنين من المحال التجارية، على أن يكون التجوال في المساء مخصصًا للمشاة فقط من دون السماح بدخول السيارات.
ولم يتضح بعد إذا ما جرى اتخاذ قرار نهائي بشأن نقل مبنى وزارة الدفاع، وما إذا كان ذلك سيجري تنفيذه كجزء من مشروع تطوير شارع الرشيد ومنطقة الميدان.
لقد طرح منذ الحكومة المؤقتة التي تشكلت في 28 حزيران 2004 بعد الإطاحة بالنظام المباد، وحتى قبل ذلك في مرحلة مجلس الحكم في العراق وابان الحكومة العراقية الانتقالية التي شكلت في 3 مايس 2005 مقترح ترحيل وزارة الدفاع من موقعها الحالي على نهر دجلة في الباب المعظم وتحويل بنايتها الحالية الى متنزه عام ومتاحف ومراكز ثقافية وربطها بمنطقة القشلة وبناية دار الحكمة والسراي وشارع المتنبي من جهة النهر، لأهمية ذلك في تغيير وجه بغداد ورسم طابعه المدني والحضاري، اذ يعد البعض تواجد مبنى وزارة الدفاع في وسط العاصمة امرا خاطئا ارتبط بحكومات الانقلابات العسكرية، واصبح لا ضرورة له الآن، غير ان امر تحويل مكان الوزارة لم ينفذ حتى الآن.